الانتظار

21 4 0
                                    

واقفة في مكان قريب من مكتبة المدينة، كانت نادين تنتظر أحدا ما. كل من يحاول قراءة تعبير وجهها يفهم أنها متضايقة، ومن يبصرها تنظر لساعتها ثم هاتفها كل دقيقة يفهم أنه تأخر، لكن وحدها كانت تعلم أن هذه هي عادة إلياس، هذه هي العادة التي تجعلها غاضبة في كل لقاء بينهما، وهي السبب أنهما لم يلتقيا منذ فترة...

- فقط لو أراه الآن.. لن أسامحه على تركي أنتظر أبدا...

قالت هذه الجملة بصوت يكاد يكون مسموعا. لم ترغب بجلب أنظار الناس إليها. كانت تفكر في محاولات إلياس المتكررة لإقناعها بهذا اللقاء الذي كانت ترفضه بسبب تأخره المعتاد..

- إلياس، يصعب علي قول هذا لكني لم أكن أولوية في حياتك، هذا واضح تماما لي، دائما ما تتأخر عن أي موعد لنا بينما كل ما أريده هو بعض الوقت الخاص بنا... لذا لا داعي لتدعي أني أهمك أو أنك تريد مصالحتي ورؤيتي فعلا...

- نادين.. كيف تقولين هذا؟ أعرف أني أخطأت ولكن هذا لم يكن أبدا يعني أنك غير مهمة لي، أحيانا تكون الظروف أقوى مني... نادين، أنا أرجوك، فرصة واحدة كي أراك، أنا مشتاق لك أكثر مما تظنين. بالفعل أنت مهمة لدي لذلك أريد رؤيتك مجددا...

- إلياس، أنا لست إلا فتاة تمضي وقت فراغك معها، أنا لا شيء...

- كفى رجاءً. أنت أمنيتي حقا، أنا أحبك حقا يا نادين...

لم تستطع نادين أن تغضب منه أكثر، أعادت قراءة آخر جملة لعدة مرات، ولم تستطع أن تمنع ابتسامتها، لم يكن إلياس يراها حينها، وهذا من حسن حظها على حد ظنها.

وافقت نادين على اللقاء أخيرا، وابتهج إلياس أيما ابتهاج لهذا القرار، ولأنها سمحت له باختيار التوقيت الذي يريد فقط لتتأكد من أنه مناسب تماما له ليحضر في الوقت المناسب، بينما إلياس كان يؤكد على التوقيت والمكان، ويتأكد أنها ستأتي كما لو كان التأخير عادتها هي، أزعجها هذا الأمر وأضحكها في الوقت ذاته، وتأكدت على الأقل أنه سيأتي هذه المرة.

تذكرت كل هذا وهي تنظر إلى ساعتها للمرة الألف بعد أن تملكها الغضب وهي تكاد تقسم أنها لن تحدثه ثانية بعد أن تركها تنتظر لساعة في المكان الذي اتفقا عليه. تلبدت السماء بالغيوم فجأة وبدا أنها ستمطر بعد بضع لحظات واشتدت الرياح الباردة. كان هذا التحول غريبا لأن الشمس كان ساطعة قبل لحظات، لكن نادين هي ذلك النوع من الناس الذين يستعدون لكل الأحوال الجوية الممكنة، فتحت حقيبتها وأخذت وشاحها ولفته حول عنقها، كانت تفكر بأنه لو كان هنا لأعطاها سترته، ارتسمت على وجهها نصف ابتسامة وامتلأت عيناها ببعض الدموع وهي تفكر بهذا بينما هو غير موجود، لكن هذه الفكرة تذكرها بأنه شخص طيب ويفيض حنانه عليها دائما، يخاف عليها من أصغر الأشياء حين يكون معها. تشعرها هذه الفكرة بالدفء أكثر حتى من وجود الوشاح، دون أن تعرف إن كان دفئا محسوسا حقا أو معنويا فقط... لكن الأهم أنها تشعر براحة حين وجود إلياس معها...

حين تريد الكتابةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن