كانت تنتظر ابنها البكر والوحيد، تحاول ايجاده بين جموع الجنود الكثير، لكن قاطعها قائد السرب وهو يمسك بيده شيئاً ملفوفاً بغطاء أبيض.
"تعازي الحارة سيدة إفريست"
أعطاها ذلك الشيء ثم رحل بسرعة متجنباً رؤية تعابيرها، نظرت إلى ذلك الشيء متسائلة، كان ملفوفاً بعناية وعليه بقع دم قاتمة.
نفضت أفكارها السوداوية التي احتلت عقلها لثوان، ثم خلعت القماش لتكشف عن ذراعٍ مبتورة، وقلادة مكسورة.
ارتجف جسدها لوهلة، لم تصدق ما رأت، بل لم تستطع أن تصدق.
أسقطت بقايا ابنها الشهيد، وراحت تركض باحثة عنه بين الجنود المتبعثرين، تصرخ باسمه، وتصرخ، وتصرخ، ولكن ما من مجيب.
ثم تعود لبقاياه الواقعة على الأرض، فتقع أمامها، تضحك بحرقة، على سخرية القدر، وعبثه المدروس.
ما لبثت أن انقلبت تلك الضحكات إلى بكاء، ما كان ليريح قلبها ولا روحها.
أخذ الموت زوجها، ولم يتوانى في أخذ ابنها، ليتركها تغرق في لعنة الذكريات، وسوداوية الحياة.
بعد دقائق ثقيلة، أغلقت عيناها، لتغرق في سباتها الأبدي.
بين الثلوج وظلمات الليل وصرخات الجنود، كانت ترقد، جثة العجوز المتهالكة، وروحها تحلق في السماء بضحكات ناعمة.
على قارعة الطريق كانت، وزهور الزينيا تتراقص حولها، تلقي عزاءها بأوراقها الدامية.
....
(المشهد مقتبس من هجوم العمالقة وورود الزينيا، حبيت اوصفه بالكلام وزدت عليه)