الفصل الأوّل

22.7K 563 41
                                    

الفصل الأول

سكون عميق مرفق بظلام دامس وبرودة قارسة، هذا ما استيقظت عليه واجدة نفسها مكبلة الاطراف بقيود حديدية تصدر صوت قرقعة كلما حاولت التحرك
البرد يغزو أوصالها ويخترق عظامها والخوف يشوش تفكيرها
أهذا كابوس تعيشه، أم حقيقة؟
تساءلت بين نوبات ذعرها المتتالية لا تفهم ماذا يحصل لها، ولماذا هي مكبّلة؟ إذ آخر ما تذكره من يومها أنها قضت مساءها عند الشاطئ ، سبحت قليلاً ثم جلست فوق الرمال الذهبية تخلل أناملها بين طياتها الدافئة تراقب قرص الشمس المشتعل ينغمس بين ثنايا المحيط.. ولكن كيف انتهى بها المطاف في هذا المكان المجهول؟

انتفضت بذعرٍ حين تردد صدى صوتها المستنجد في ارجاء المكان عدّة مرات قبل أن يختفي تدريجياً بنتوءات الجدار الحجري القديم مثيراً تصاعد جزعها، فصرخت تنتفض بهستيرية علّها تحرر نفسها من القيود الحديدية الصدئة التي انغرست برسغيها بقسوة.

ومرّ الوقت بطيئاً يعبث بثباتها ويتلاعب بأفكارها، يستولي عليها الجزع، تأخذها أفكار وتأتي بها أخرى كأمواج عاتية لا ترحم، تغمرها وتخنق أنفاسها ومن ثم تعود وتقذفها نحو السفح فما تلبث أن تشهق بمحاولة يائسة لملئ رئتيها بالهواء الاّ وتعود بها نحو القعر

وقع أقدام...
استعادت روح المحاربة عندما اخترق اسماعها وقع أقدام !!!!
حبست أنفاسها تترقّب القادم بمزيج من الهلع والحماس، يكسر صوت وقع أقدام تقترب من حجرتها المظلمة رهبة السكون الذي كانت غارقة فيه لساعات طويلة ومرهقة، ينتفض قلبها حين علا صدى قرقعة الأقفال الحديدية الصلبة وهي تُحلّ، يُصدر الباب صريراً مزعجاً لحظة فُتح يسمح للنور الخافت بالهرولة إلى الحجرة المظلمة دون استئذان.
تأملت الداخل عليها بنظرات هلِعة يشوبها الدهشة، رجل طويل وضخم البنية، يرتدي ثياباً أشبه بثياب المعارك،جزمة جلديةً عالية الساق ضخمة الحجم، اسلحته غريبة، مكونة من خناجر متعددة الاشكال والاحجام
الرحمة !
من يعقل أن يكون هذا الرجل؟
تساءلت ... تفكّر، أيعقل أنّها أسيرة في ثكنة عسكرية ما؟
أيعقل أنهم يظنّونها جاسوسة أو عميلة سرّية فقبضوا عليها بدافع التحقيق معها؟
رفعت بصرها تتجرّأ أخيراً على إلقاء نظرة إلى وجهه تصطدم بملامحه، حدّقت به فاغرة فاها بذهول لا تستوعب ما تراه! لابد أنها تحلم لا محال.
هكذا ظنّت وهي تتأمّل وسامته الصارخة بدهشة؛ زرقة عينيه البرّاقتين لم ترى لهما مثيل من قبل ، لون شعره المتموج بين الأشقر الفاتح إلى الداكن لا يتحقق سوى عبر صالونات التجميل!
نظراتها اتجاهه كانت مزيجاً ما بين الخوف والتساؤل والدهشة تمنح الداخل عليها فرصة استغلال دهشتها لمصلحته يعلق بخبث يشوبه الغرور
«هل يعجبك ما ترين؟»
سألها لا يستغرب دهشتها التي اعتاد عليها من قبل أغلب الاناث، جثى قبالتها يدنو منها يستغل خوفها وتشتتها فيزيدها ذعرهاً، ينتشي بردّة فعلها، دنا منها يجتاح مساحتها الخاصّة وإذ برائحتها الفريدة تعبق بحواسه كالطوفان تأخذه على حين غرّة فارتد يمنح نفسه بعض المسافة مصدوماً من ردّة فعل جسده اتجاهها
تراجع مدهوشاً، عاجز عن تحديد طبيعتها
انسية!
برطم يستغرب ردّة فعل غريزته اتجاهها خاصّة انّ الانس من المستحيل أن يحركوا فيهم ابسط الغرائز
هذه الانثى تشبه الانس، ولكنّ رائحتها فريدة لا تشبه أي شيئ صادفه من قبل!
تساءل يفكّر، ولكن ما حاجة أخيه لإنسية كي يتكبّد عناء إحضارها إلى عالمهم بالرغم من القوانين المنصوصة التي تمنع منعاً باتاً في إحضارهم إلى الجزيرة ومجتمعاتهم.

دماء الشمس، الجزء الأول من سلسلة دماء الشمس حيث تعيش القصص. اكتشف الآن