انتهت من رسم صورته ، احتضن الإطار الصغير ملامح وجهه الخشنة ، غمَست فرشاتها في بحر تفاصيله و بلّلت عشرات اللوحات و رغم ذلك لم ينقص من بحره شيء ، حتى أنّ فرشاتها قد أضاعت سبيل اللون الأصفر الذي أضاء شحوب ازهار عبّاد الشمس التي استأثرت بجل إهتمامها قبل أن تصاب بلعنته .
لوهلة فكرت في أن تهدهد ملامحه بإبتسامة تشي بعُمق غمازة خده الأيمن التي حُفرت بمدى أعمق في قلبها و لكنها رغبة لم تنفذ قط ، أشفق قلبها من أن تشوّه شيئاً يحويه إذ ليس من الحكمة أن ترتجل برسم إبتسامة لوجه دائم العبوس ، و لكنها لم تنطق إلا بما يُرضي كبريائها و قالت بصوت مسموع :لا يستحق أن أصنع إبتسامة له و لو داخل لوحة.
أقسمت العديد من المرات بأنها ستتركه فريسة للنسيان لينهش كل ما علق بذاكرتها منه و انها سئِمت إنقاذه بلوحاتها ، لكنه الشوق ... يخلق جسوراً يحيكها القلب و ينتف خيوطها العقل و في كل مرة هي من تتهاوى و تشهد الخطر السحيق بالوقوع و هو يزداد ثباتاً .
الآن و دونما سبب تتسائل كيف بدأ كل هذا العبث ؟ تذكر نظرته و كلماته و لكن أيهما سبقت الأخرى و أيهما سبب في تعلّقها المميت به ، تقطع اشواطاً من النسيان في اليوم و تعود أضعافها مع كل لوحة .
كيف إنتهى بها الأمر ككِيان مسلوب الإرادة محصور بكل شئ يحاول نسيانه؟ و كأنما أحيت لوحاتها و استندت هي إلى الحائط كشئ مهمل .