"لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين"🌻
"هنروح علي الفيلا علطول؟"
ألقت نور بسؤالها على حازم وهى تخشى قطع حبل الود القصير الذى ربط بينهما منذ قليل , فهى لا تريد اثارة القتال على كل الجبهات دفعة واحدة فلديها ما يكفيها من مواجهة وشيكة مع زوجة أبيها , فقد استشعرت فى نظراتها بالمرة السابقة مكرا وحقدا عندما وافقت هى على الاقامة بمنزل العائلة الكبير.
لن يفيدها اتباع أسلوب الهجوم لدى تعاملها مع هذه العائلة الحريصة , قررت بأن تغير خططها المستقبلية أو على الأقل تؤجلها لما بعد اكتسابهم الى صفها فهى كما وصفها حازم سابقا القطة الشريدة التى عادت للديار , لقد أجاد انتقاء ألفاظه بدقة ليعبر عن حالها تماما.
حازم: روحتي فين ؟ هو عادي عندك انك تسرحي وتحلمي وانتي صاحيه ؟
نور : آسفة مخدتش بالي , كنت بفكر في حاجة .. هو انت قولت حاجة فاتتني؟
ضحك عاليا وتبدلت كل خلية بوجهه فشعرت نور بنفسها تنكمش داخليا فهو يصير مرعبا عندما يغضب ولكنه يصبح خطيرا عندما يبتسم , ولم تدرى هل الأفضل أن يصير عدوا بدلا من أن يغدو صديقا؟
حازم : انا رديت علي سؤالك يا سرحانة هانم , هنروح عالبيت علطول لأن أنّا رئيفة بتلح عمالة تتصل عليا من ساعة ما خرجت عشان تستعجلنى هي متشوقة تشوف جمالك .
فكرت نور بأنها لن تصمد أمام تلميحاته التى تبدو تلقائية ومغازلته الصامتة لها بعينيه التى تتوه بداخلهما , فليعد باردا متباعدا كما كان فهذا أكثر أمانا لسلامة عقلها , وقلبها.
" عندك كام سنة؟"
قالت أول ما خطر ببالها حتى تحوّل انتباهها الذى تشتت على يديه.
رفع حاجبيه عاليا وهو يحك ذقنه بيده مفكرا بعمق: هتم ال ٣٢ بعد شهر.
نور : طب هو أنت متجوز؟
علت ضحكاته حتى غطت على صوت أبواق السيارات التى تجاورهم , ورمقها بنظرة غريبة لم تستطع تفسيرها: لا حاليا مش متجوز .
كادت أن تطلق تنهيدة ارتياح الا أنه استطرد بمكر: بس ناوي اتجوز قريب .
نور : انت خاطب؟
حازم: حاجة زي كده .
صدمها اعترافه البسيط كقطار مسرع وبعثرها حطاما , اذن فهو خاطبا وتمالكت نفسها ,وسألته بصوت جاهدت أن يخرج هادئا قويا الا انها ارتجفت قليلا: بس انت مش لابس دبلة!
وسقطت نظراتها على قبضة يده التى تمسك بمقود السيارة فى قوة وتحكم , فنظر هو الى أصابعه الخالية من أى خاتم وشعر باحباطها الواضح: أنا مبحبش حاجة تقيدني.
طال الصمت بينهما فراقبها تنزوى فى مقعدها وهى تتصنع الاهتمام بواجهات المحال التجارية , شعر بالشفقة نحوها ولكن عليه أن يكمل طريقه بدون رحمة حتى ولو كان الثمن أن يفقد متعة احساسه الجديد بهذه الفتاة التى تبدو عديمة الخبرة فى الحياة وتثير فيه مشاعر الحماية , لقد باغته ضعفها المفاجئ لحظة سقوطها فقفز منه قلبه وقتها ليستقر عند قدميها, ولكنه سرعان ما استعاد تمالك نفسه وهو يلومها على ما بدر منها: ليه شاغلة نفسك بحياتي الخاصة ؟
لن يتركها بدون استجواب , كانت تخشى الاعتراف بالحقيقة, ستراوغه بمهارة حتى لا تعطيه الشعور بالرضا: مجرد فضول!
جاهدت لتبدو لا مبالية : بصراحة عاوزة اعرف معلومات عنكم اكتر أنتو عيلتى اللى اتبقتلى من الدنيا.
حازم: يمكن , بس انتي مسألتنيش عن حد تاني من العيلة , محسيتيش بفضول ناحية رنا أو سليم أو حتى أخوكي عمار؟
كان جوابها جاهزا سريعا: طبعا مهتمة بيهم بس انا لسه مقابلتهمش وشوية شوية هصاحب اختك رنا انا حاسة انها قريبة ليا .
حازم: انا معاكي في النقطة دي رنا بتثق بسهولة فى أى حد معدي وممكن حتي تحكيله قصة حياتها من ساعة ما اتولدت.
هل يرى أنها ليست أهلا للثقة كأى عابر سبيل ؟ هى الغريبة عنهم ؟
طعنتها سكين صراحته القاسية بعمق وانغرز فى كبريائها , سيرى كيف ستمسك هذه الغريبة بزمام الأمور قريبا جدا.
نور: انا بحب الشخصيات البسيطة اللي زي أختك فى تلقائيتها وبرائتها.
حازم: أنتو الإتنين شبه بعض فى دا كأن الجينات لعبت دورها معاكم ببراعة , اول مرة اما شوفتك, حسيت اني اعرفك من زمان , وفهمت دا دلوقتي .
كانت تموت قلقا وفضولا لأن تستفسر منه عن معنى كلامه , هل يراها تشبه أخته شكلا أم موضوعا؟
والأهم لديها ألا يعتبرها بمثابة شقيقة له وألا يعاملها بالمثل .
حازم: بالمناسبة معاكي موبايل ولا لا؟
نور: طبعا معايا هو في حد فى مصر لحد دلوقتي مش معاه موبايل يتكلم فيه ليل ونهار ؟
حازم : فيه خاصية ال4G؟
نور: لا.
أجابته وقد ازداد فضولها تدريجيا حتى صار هاجسا لها: ليه شاغل نفسك بيه ؟
حازم: انا بردو قولت كده , هاتي شريحة الخط بتاعك هبدلهالك , عشان هتحتاجيها .
نور:أنا مش مهتمة بالموضوع دا انا مش بحب ابحث عالنت ولا أستخدم برامج السوشيال ميديا.
ابتسم متعجبا من سذاجتها الواضحة فلو تعرف ما هى نيته لما أفصحت عما يدور بداخلها.
حازم : هتحتاجيها في الشغل .
نور: شغل اي ؟ أنت مش قولتلي انك خلصت الموضوع مع الاستاذ فهمى ؟
حازم: أنا بتكلم عن شغلك معايا , أقصد معانا .
تصنعت عدم الفهم وألحت عليه فى السؤال: لو سمحت متتكلمش معايا بالألغاز , هشتغل مع مين ؟ أنت ؟ أنتو؟
حازم : أنتي بتنتمي لأعرق العائلات فى تاريخ مصر , وطبعا انتي عارفة موضوع الامبراطورية اللي عملها جدنا ومن قبله جده فى عالم التجارة.
سألته بفرح غامر كطفلة صغيرة تلقت لتوها اللعبة المفضلة التى كانت تنتظرها: دا معناه اني هشتغل معاك ؟ قصدي معاكوا ؟
لم يفته رنة الدلال فى صوتها عندما رددت كلمة ( معك ) ثم عدلتها.
لقد أصبح الأمر يسيرا بالنسبة لما هو مقدم عليه, فلن يستغرق انهاء الموضوع بأكمله سوى أسابيع قليلة ويصبح حرا.
حازم : هتشتغلي معانا .
صفقت بجذل والسعادة تنهمر شلالا من عينيها السوداوين: أنت مش ممكن تتصور مدى سعادتى اننى بقيت جزء من العيلة , إحساس جميل كنت محرومة منه سنين .
ذات الشعور بعدم الطمأنينة قد راوده مرة أخرى عندما تناثرت خصلات من شعرها حول وجهها وعلى عينيها فقد كانت تطلقه فى حرية متناغمة مع ابتسامتها الطفولية, الا أنها شعرت ببعض الآلام الخفيفة برأسها تعاود التسلل مرة أخرى لتنذر بنوبة مفاجئة من الصداع النصفى الذى تعانى منه.
لم تنتبه لعبورهما البوابة الحديدية الشامخة معلنا وصولهما الى المحطة النهائية لرحلتهما التى بدأت صباحا حتى انتهت ظهرا.
حازم :وصلنا يا نوري ... قصر عيلة الصياد.
ارتعدت حين أطلق عليها هذا اللقب , فقد بدا لها أنه يدللها بطريقة مألوفة , كيف عرف ؟ أم أنها مجرد مصادفة ؟ ,وحاولت استكشاف ما بداخله فيما وضع على عينيه نظارته الشمسية السوداء فأخفت عنها رؤيتهما.
اتجها الى الفيلا معا بعد أن أخرج من سيارته حقيبتها وحملها بخفة حتى وصلا الى الباب الزجاجى فرن الجرس مرتين متتاليتين فى نغمة مميزة.
حازم : كدا يعرفوا أنك من العيلة.
قالها ردا على نظرتها المستفهمة ولم تطل وقفتهما حتى فتحت لهما نفس الخادمة التى استقبلتها فى اليوم السابق , وأفسحت لهما الطريق وهى متهللة الأسارير: اهلا يا بيه , اهلا يا آنسة .
وتلقت منه الحقيبة التى أفلتها من يده لتستقر على الأرضية الرخامية اللامعة.
حازم : هما فين؟
الخدامة: مستنينك من الصبح , دا حتى رئيفة هانم سابت اوضتها ونزلت التراس.
حازم: شايفة تأثيرك يا حلوة , خليتي أنّا تغير عوايدها اللى كانت ثابتة زي الكتاب.
كان فى طريقته مسحة من اتهام ظالم لها , وتجاهلته تماما حتى لا تفسد يومها.
حازم : يمكن تأثيرك يطول العيلة كلها !
نور: بس طبعا مش هيفيد معاك بحاجة, أنت مبتتغيرش.
حازم: وياتري بقي هتحاولي تغيريني؟
قاطع حديثهما الفتاة العشرينية التى استقبلت حازم بشوق ولهفة فقبلته على خده فيما تطوق عنقه بذراعيها متشبثة به حتى رفعها بسهولة ودار بها مرتين قبل أن ينزلها على قدميها وهى تضحك شاعرة بدوار خفيف:اهلا بحبيبة قلبي .
أثار هذا المشهد ضيق ريماس وغيرتها بدون داعٍ فهى تدرك أن هذه الفتاة ما هى الا شقيقته ريم , التى التفتت نحوها وعلى وجهها ابتسامة ترحيب حقيقية :أهلا بيكي يا ريماس بينا , أنا مبسوطة اوي لأن هيبقي ليا بنت عم قريبة مني فى البيت اللي مليان رجالة متسلطين.
وأشارت بطرف عينيها الى حازم .
"طبعا هنكون فريق ضدهم".
ردت عليها ريماس وهى متأكدة بأنها ستصبح صديقة قريبة لابنة عمها فقد مالت اليها على الفور.
سأل حازم : امال فين كريم ؟ وسيف باشا صحي ولا لسه ؟
- سيف باشا صحي من ٤ ساعات وقاعد زهقان مستني سعادتك .
كان هذا هو رد سيف ابن عمهم الذى كان يهبط من الطابق الأول قفزا على الدرجات وقد ساعده طوله الفارع ورشاقة قامته.
ثم أخذ يتأمل ريماس بعينين مقيمتين معجبا بما رآه ولم تكن هذه هى المرة الأولى التى يشاهدها فيها ولكنه تحدث اليها مستجوبا: اي رأيك في حازم باشا ابن عمنا؟ وياتري قالك علي تعليماته؟
كانت لهجته مازحة.
فاحتارت بما تجيبه, واكتفت بهز كتفيها دلالة النفى.
ريماس: كان كويس معايا , بس تقريبا نسي يقولي علي التعليمات دي .
كان ردها دبلوماسيا فلم تفتها نظرة حازم الباحثة عن حقيقة شعورها , فيبدو أنه كان مهتما باجابتها كثيرا.
تشارك الجميع فى الضحك , وقالت ريم : اي ياعم التحقيق ده ؟ انت مش شايف انها اكيد تعبانة ولازم ترتاح شوية ؟
-قبل ما تسلم علي أنّا مفيش حاجة اسمها راحة , يلا عالتراس قبل اي حاجة.
تكلم سيف نيابة عن حازم الذى ثار تبرمه من موقف ابن عمه , فأجابه بحزم: ريماس هتطلع اوضته الاول تستريح وتغير هدومها وبعدين تيجي تقعد معانا كلنا في البلكونة.
كان أمره معاكسا لما توقعته هى منه , ولم يترك لها فرصة للاعتراض بل نادى على الخادمة: يا سماح , يلا خدي الآنسة ريماس لاوضتها وساعديها تفضي شنطتها.
الخدامة:أمرك يا بيه.
لم تجد ريماس مفرا من أن تنصاع له حتى لا تثير التساؤلات فى وجود ريم وسيف اللذين لا يعرفان ما يدور بينها وبين حازم فى الخفاء.
صعدت الدرجات خلف سماح النحيفة التى تعجبت من قدرتها على حمل الحقيبة الثقيلة فى هدوء وثبات عجزت هى عن تصنعه.
وقفت سماح أمام باب غرفة واسعة متقدمتها الى الداخل لتضع حملها على السجادة المخملية وتقف بأدب تنتظر أوامر سيدتها الجديدة.
لم تنتبه ريماس فى بدء الأمر لوقوف الخادمة تنظر لها ببلاهة فأدركت أنها تنتظر تلقى الأمر منها وهى التى لم تعتد فى حياتها على مثل هذه المعاملة.
ابتسمت لسماح فى ود وأخبرتها بأن تذهب لعملها فهى معتادة على خدمة نفسها.
ترددت سماح من لهجة الوافدة عليهم ولكنها نفذت رغبتها بدون تعليق.
سماح: لو احتاجتيني كل اللي عليكي تضغطى على دا . واشارت الى زر أبيض يتوسط الجدار بجوار السرير الضخم المفروش بأروع الأغطية الزاهية الألوان.
وغادرت سماح الغرفة مغلقة بابها ورائها باحترافية ومهنية دقيقة.
ما كادت ريماس تنفرد بنفسها فى غرفتها الجديدة حتى خلعت حذائيها وألقتهما بفوضوية ورمت بنفسها على السرير اللين حتى غاصت فيه وشعرت به يحتضن جسدها الرشيق بألفة, فشعرت بأنها ليست غريبة أبدا.
************

أنت تقرأ
(عشقت صيادي)
Romanceكانت حياتها كالبحر الهادئ بلا أمواج🏝، وما ان عصفت الريح بدفتها حتي بحثت عن شاطئ ترسو عليه سفينتها . فتحطمت أحلامها البريئة علي صخور جزيرته النائية🏕 ، ولكنها قاومت دوامة سيطرته القوية رافضة أن تغرقها في القاع . وادرك هو أن ليس كل مايلمع فهو ذهب،...