1

1 0 0
                                    

عشرة أعوام مضت على أخر رشفة لي من السعادة
حينها كنت أعيش في كنف أسرة مثالية مكونة من ثلاثة أفراد
سنوات لا تنسى..أتذكر فيها استيقاظي على ابتسامة أمي التي لا تفارق شفتاها، أمي التي ورثت عنها عيوناً زرقاء ترمز للبراءة واللطف تقف على رأسي تقول لي صباح الخير الفطار جاهز يا بشمهندس وتضع قبلة دافئة على خدي ثم تخرج  لأغمض عيني وأذهب مطمئن في النوم مرة آخرى حتى يَمل أبي من انتظاري بينما يجلس على مائدة الإفطار ليدخل غرفتي يوقظني بمداعبة ثم يرفعني ويضعني على كرسي المائدة ويضع الطعام في فمي ويضحك وهو يرى تعابير وجهي النائم، تستوقفه أمي حتى أغسل وجهي ويدي ويجلس ثلاثتنا على مائدة لا تعرف معنى الحزن أو الألم
حينها كنت مروان طفل برئ عمره سبع سنوات لا يدري ما القضاء ولا القدر حتى يؤمن بهما رغم أن بلسم الجراح فيما بعد كان هو الإيمان بالقضاء والقدر
الآن أنا مروان ذو السبعة عشرة سنة أعيش مع عم محمود  رجل مسن جارنا الطيب تكفل بي بعد أن  قام أبي بقتل أمي وانتحر، رحلوا عنى وتركوا لي وجعاً يكفي سبعون عاماً أي كرم هذا.
الآن عرفت معنى القضاء والقدر  أؤمن بالقدر الذي حول كل شيء ضدي وأؤمن أيضاً إيماناً أعمى بأسباب لازلت أجهلها.
إذا أراد عم محمود أن يهون عليّ آلامي يقول لي تصالح مع ماضيك حتى لا تفسد مستقبلك لا تنبش في الماضي وانتظر ضوءاً جديداً يمكن أن يتسلل إلى قلبك الحزين فيعيد لأيامك البهجة ويعيد لقلبك نبضه الجميل.
بعض كلمات مثالية تأثيرها لحظى ينتهي على حافة أخر حرف
عم محمود لا يعجبه سعيّ للصلح لأنه يقصد بالصلح تجاهل الماضي ونسيانه وأنا غير قادر على طي الماضي، حتى نظرات الناس المحيطة بي وهمهماتهم تأبى ذلك.
ولم يقتصر الأمر على النظرات بل وايضاً القتل بالكلمات، حينها كنت في الصف الأول الإعدادي وعلى عادتي منطوي على حالي أجلس بمفردي في الفصل بعد أن خرج التلاميذ لما سمعوا صوت جرس الفسحة وكانت هوايتي هي الرسم وبتعبير أدق الشخبطة بالقلم على الورق.
لم أنتبه لصوت أقدام أحد الحمقى تقترب مني حين جاء من خلفي وراح يشد أوراقي ثم وقف ينظر فيها ويضحك ساخراً مني طلبت منه بلطف ان يعطيني أوراقي ويرحل بسلام إلا أنه رفض بسخافة، اقتربت منه ومددت يدي لاخذها فضربني ضربة في صدري طرحتني أرضاً ثم قال لن اعطيها لك يا لقيط يا ابن الخاينة
لم أشعر بنفسي حين وثبت على رقبته وضعتها بين يدي وتملكتها خنقته حتى تقطعت أنفاسه حتى جاء أحد الاساتذة وأفلت رقبته من بين يداي بصعوبة فسقط على الأرض تحت أقدامي فاقداً للوعي كقطعة قماش مهترئة فضربني الأستاذ على وجهي حتى خرج الدم من بين شفتاي، حضر الناظر واتصل بولي أمري عم محمود وهددني بالإتصال بالشرطة حتى يخلي مسئوليته إذا ما حدث أي مكروه للأحمق الفاقد للوعي.

مروان أأدخل؟ مروان، بني.
تفضل يا عم محمود.
أه يا بني مازلت على عادتك تجلس القرفصاء في سريرك وبيدك تلك الصورة والدموع تملأ عيناك هون عليك يا بني، طوال هذه السنوات لم استطع جعل الابتسامة تسكن وجهك حتى ظننت أنني مقصر معك، قل لي هل فكرت في الموضوع الذي تحدثت معك فيه بالأمس؟
أي موضوع؟!
نسيت..وعدتني بالتفكير في الذهاب إلى طبيب نفسي.
لم أجن بعد يا عم محمود!
وما دخل الجنون بالطبع أنت عاقل والله أحمد الله على هذه الهبة
أي هبة يا عم محمود؟
أنت الهبة التي وهبني الله إياها على الرغم من كأبتك...هيا ابتسم!
ها هو ابني الجميل يبتسم، أنظر إلى وجهك الذي يشرق متى ابتسمت.
هيا هيا ارتح قليلاً حتى تذهب إلى جامعتك بنشاط وهمة لن أقبل بأقل من تقدير ممتاز هذه المرة.
إن شاء الله يا عم محمود تصبح على خير
كتب الله لك الخير دائماً يا عزيزي.

غادر عم محمود الغرفة وهو لم يكتشف بعد أني لم أتجاوز ثلاث ساعات نوم متقطعة في اليوم لا تخل من الكوابيس المفزعة وقبلها بلا شعور أجد دمعات ساخنة تحرق وجنتاي  أغمض عيناي بقوة حتى لا أرى غيرهما، لا أريد دموع أكثر بعدها أنام وأدخل في رحلة كابوس جديد.
حتى استيقظ دائماً في منتصف الليل أحب وحدتي بالرغم من أنها معتمة وباردة توقظ ذكريات وصفحات قد أتلفت هذا أفضل من نوم الكوابيس.

قبل عشر سنوات "خبر في جريدة النبأ" :
جريمة قتل مروعة شهدتها محافظة الإسكندرية، بعدما أقدم "رجل" على قتل زوجته طعناً بالسكين بعد أن ضربها أربع طعنات أقدم على الإنتحار وترك رسالة كتب فيها
( اليوم استيقظت وحيداً دون زوجتي وابني، ذهبت أتجول في الشقة فتفاجئت لبرهة بأن دفتر مذكرات زوجتي أمامي، فهي لطالما خبئته عني، ولقد كنت فضولياً للغاية لأعرف ما كانت تكتبه فلم أتمالك نفسي فاتجهت إليه مسرعاً اقرأ ما فيه..وصُعِقت )
الجاني صاحب شركة للاستيراد والتصدير لديه ابن وحيد والمجني عليها ربة منزل.
ولازالت تحقيقات الشرطة جارية للوقوف على ملابسات وقوع الجريمة وسنوافيكم بالمزيد فور التواصل إلى معلومات جديدة حول الحادث.
                           .................
نهاية الجزء الأول
يتبع في الجزء الثاني

رواية أمِّت - Ammit حيث تعيش القصص. اكتشف الآن