البارت السابع 💕

1.6K 38 20
                                    

🌻اذكروا الله 🌻
عندما اختلت ريماس بنفسها فى غرفتها الجديدة التى لم تعتد عليها بعد , كانت تشعر وكأنها فى حلم غريب , انها ما زالت بغرفة نومها القديمة فى شقة خالتها حيث تفترش الأرض على السجادة المدورة التى تغطى أكثر من نصف مساحة الغرفة بألوانها المبهجة وملمسها الناعم حيث كانت متعودة على الجلوس وقراءة رواياتها المفضلة تندمج مع أبطالها الخياليين وتنسج لحياتها فصلا بقراءاتها حتى تحتل صدر الرواية وتطرد البطلة لتفوز فى النهاية هى بحب البطل , هل تستطيع أن تحول الأحلام الى أرض الواقع ؟
اتصلت بخالتها زينب , تلك السيدة التى تكفلت برعايتها منذ وفاة والديها , وقد أحسنت معاملتها بل كانت تعتبرها الابنة التى لم تنجبها , فقد كانت متزوجة من رجل طيب يعمل بوظيفة وكيل وزارة ولم يكن يملك الكثير فاحتملت معاناة الحياة معه وأنجبت له ابنا واحدا هو حسام الذى يكبرها بستة أعوام , تذكرت شجارهما الدائم وعدم توافق ميولهما الواضح , لم يرث طيبة أمه ولا كياسة أبيه.
كان يحلو له أن يضايقها عندما كانت مراهقة , وأصبح ينتقد تصرفاتها متدخلا فى كل كبيرة وصغيرة عندما دخلت الجامعة , وحمدت ربها عندما تزوج بعد أقل من سنة من خطبته لزميلته بالعمل فأصبحت لا تراه الا نادرا.
جاءها الصوت الحنون الذى طالما هدأها فى لياليها المرهقة التى أضناها السهر والصداع القاتل الذى يصيبها من حين لآخر: ر.. ريماس ... ازيك يا بنتي؟
ريماس: بخير يا زوزو , أنا بس كنت عاوزة اطمن عليكي.
زينب: أنا قلقانة عليكي , كل حاجة تمام ولا في مشاكل؟
ابتسمت ريماس لنفسها بمرارة وقد غص حلقها بالكلمات فأبت أن تخرج لتريح قلب خالتها الرؤوف , ولكنها قمعت بداخلها الرغبة الملحة بالبكاء وتنحنحت لتقول بصوت شبه ثابت وبقوة لم تعهدها فى نفسها : متشغليش بالك , كل اللي أذوا ابويا وامي هياخدوا جزاتهم .
حذرتها خالتها من مخططها الانتقامى: الانتقام مش هيريحك غير شوية , وبعدين .. مش هترتاحي ابدا , ليه متسامحيش ؟
ريماس: اسامح ؟ بالسهولة والبساطة دي بعد سنين العمر دي كلها ؟
زينب: بصي انتي دلوقتي مش عارفة تفكري كويس ومش هتاخدي القرار الصح , أرجوكي يابنتي متعمليش حاجة دلوقتي لحد ما تهدي وتشيلي الأفكار السودة اللي في دماغك دي.
كانت ريماس قد اتخذت قرارها ولن تتراجع عنه مهما كلفها , فلم يعد لديها ما تخسره , فقدت وظيفتها , بيت السيدة التى رعتها , حبيبها , راحة بالها.
ريماس:أنا مضطرة أقفل يا زوزو عشان في حد بيخبط علي بابا الاوضة سلام .
زينب:فى رعاية الله يا بنتى , ربنا يحميكي ويحفظك من كل سوء .
وكان هناك من يقف ببابها منتظرا اجابتها بفارغ الصبر , فوضعت هاتفها الجديد على المنضدة بجوارها ونهضت مرتجفة وهى تحاول استعادة شتات روحها الممزقة قبل أن تواجه القادم.
كانت ريم ابنة عمها تنتظرها بمرح فائق وهى تدلف الى الغرفة وتقول بصوت عالٍ: روحتي فين ؟ انا قلقت عليكي , ممكن نقعد نتكلم سوا شوية ؟
لم تنتظر اجابة الفتاة المذهولة أمامها بل اتخذت مجلسا على الأريكة الفخمة المصنوعة من القطيفة واتخذت وضع القرفصاء لتبدو مرتاحة وكأنها تنوى البقاء بغض النظر عن موافقة ابنة عمها, فلم تملك ريماس الا أن تجلس بجانبها وهى تشعر برغبة فى افراغ ما بداخلها من شحنات التوتر وقد ملأت ريم جو الغرفة بالروح الايجابية.
ريماس: طبعا اتفضلى ولو أني شايفة أنك خلاص اخدتي قرارك ونفذتيه😂
نظرت لها ريم بغموض لم يلبث ان تحول لضحكة عابثة كشفت عن صفى من الأسنان المنتظمة البيضاء أصافت لجمال ابتسامتها روعة وبهاءاً , ثم اعتذرت منها : أنا آسفة عشان بتطفل عليكي , بس اعذريني يا ريماس بردو واحدة عايشة في بيت كله رجالة مش لاقية حد تتكلم معاه , مصدقتش نفسي اما طلع لي بنت عم تعيش معايا وفي نفس سني تقريبا , مش كده بردو ؟
ريماس : ليه انتي عندك كام سنة؟
ريم: ٢٥ سنة
ضربت ريماس كفا بكف ريم وهى تقول بمرح: بصرة!
مما اكد لريم بالفعل صدق ظنها.
أخذت القريبتان تتحدثان بعفوية وطلاقة كأنهما قد نشأتا سوية ولم تفصلهما السنوات البعيدة عن المعرفة , ولم تجمد ثلوج الجفاء قلبيهما النابضين بالحياة , وقد انفتح لها قلب ريماس فريم تجسد معانى الأخوة التى حرمت منها ريماس بابتعادها عن مركز العائلة.
***********
فى جناحها الخاص بها هى وزوجها جلست السيدة منى وهى تشعر بالغيظ يتآكلها من تصرف هناء الغير متوقع , فبعد دخول ابنة زوجها الغائبة الى موقع متميز بالعائلة والترحيب الحافل الذى نالته ظنت هى أنها ستتحالف معها لأجل أن تحققا انتصارا عليها وتفوزا بأكبر قدر من التركة , انها تشعر بأن هناء تخطط لشئ أهم وأعظم بدون أن تحاول لفت الانتباه اليها , يا لها من متفذلكة تريد النيل من ابنة غريمتها التى حرمتها من التمتع بكونها زوجة وجدى الشرقاوى وابنة عمه وأم وحيده , وتحاول تأمين مستقبل ابنها , بيد أنها رفضت الاقتناع بمحاولة تقريب وجهات النظر بين ابنها وريم ابنة عمه , فقد أرادت منى أن تضع خططا للزواج تؤمن لابنها حظا وافرا بزواجه من ريماس , وفى ذات الوقت تبعد حازم عن نيل الحظوة الكبرى اذا ما فكر فى الارتباط بابنة عمه.
خرج السيد عادل – زوجها – من الحمام المجاور لغرفة نومهما وهو يتثاءب بكسل , لطالما كرهت منه ضعفه وقلة طموحه وتساءلت فى نفسها لماذا كان عادل الابن الأكثر خيبة بين اخوته فمحمد الأخ الأكبر مثلا لا ينقصه الطموح والسعى وراء اثبات الذات منذ أن كان شابا صغيرا لم يتجاوز عمره العشرين عاما , وكان بمثابة الظل للشرقاوى الكبير – جده – ومن بعدها أبيه , فتشرب منهما حب العمل والحفاظ على مجد الامبراطورية العظيمة التى تكونت على مر الزمان وصارت كالأخطبوط تتمدد بسرعة فائقة وتتوسع بدون حدود.
أما عن حمدي – رحمه الله – فلم يكن مولعا بالمال والسلطة ولكنه كان ذا قلب من ذهب , فهى تذكر جيدا كيف كان ساعيا وراء مشاعره متجاهلا أى أعراف أو تقاليد فترك زوجته الأولى وابنه من أجل امرأة أخرى دق لها قلبه , ورفض التخلى عنها مضحيا بكل غالِ ونفيس .
وجاء الدور على فريال – الأخت الوحيدة – لزوجها فعندما تزوجت من عادل منذ ما يقرب من الثلاثين عاما , كانت فريال ما زالت فتاة فى مقتبل العمر مدللة فاتنة تنال كل ما تشتهيه وكان والدها يعاملها كالأميرة بل لقد كان يطلق عليها بالفعل لقب ((أميرة الشرقاوية )) وأحيانا كانت ترى حماها القاسى الشديد القوى الشكيمة وهو ينحنى بخفة ليلاطف ابنته الغالية على قلبه وكان يتنازل من أجلها عن بعض من أوامره الصارمة والتى لم يكن يجرؤ أيا من اخوتها الذكور على مناقشتها.
الا أن تذكرت ما حدث لها بعد زواجها من الرجل الذى أحبته بدون رضا والدها فكان أن غضب عليها اشد غضب وتبدلت معاملته على نحو مائة وثمانين درجة , فكانت مثار شفقة الجميع لما نالها على يد أبيها من عقاب.
وقام بعد ذلك بارسالها الى الخارج حتى تستكمل دراستها ويتخلص من رؤيتها يوميا فتثير فى نفسه الضيق لما قامت به , وكانت هى قد أقسمت ألا تعود لهذا البيت أبدا طالما كان أبوها حيا , والأن فقط استطاعت أن تأتى لتمكث معهم رافضة أى تواصل معها من أى نوع , حتى من أمها السيدة شريفة التى وقفت عاجزة أمام جبروت وطغيان زوجها وهى تراه يفرقها عن أبنائها الواحد تلو الآخر , غير عابئ بلهفة الأم بداخلها على ضناها , وكان ممنوعا منعا باتا أن تذكر سيرة وجدى أو فريال طوال فترة حياتها هنا لم ترى حماها منفعلا كما كان يوم علم بزواج ابنته من ابن عمها دون ارادته , فى حين أنه كان الساعى نحو تزويج ابنه حمدي من ابنة عمه هناء ولم تعرف منى اذا كانت هناء سعيدة بزواجها من حمدى أم لا فيبدو عليها أنها قد ارتاحت عندما ترك المنزل وأقام مع زوجته الثانية مبتعدا عن كل ما يربطه بالعائلة حتى ابنه البكرى كريم.
كان هذا فى صالح ابنها سيف , أن تحاول هى تكوين جبهة مع هناء ضد حازم ابن محمد , فاذا اعتمدت على زوجها عادل فى انقاذ الموقف عليها أن تصبر للأبد , تخطط هى لتزويج سيف الى ريماس وتبقى ريم من نصيب كريم.
وحتى لو أخبرت عادل بما يدور فى ذهنها فلن يوافق على مخططها وسيقول لها " دعى الملك للمالك " فهو متواكل لا يحب أن يحفر فى الصخر بيديه مكتفيا بوظيفة غير لائقة بشركات أبيه تاركا الادارة بأكملها من نصيب محمد وابنه حازم اللذين استوليا على كل شئ من الألف للياء حتى ابنها الوحيد ليس عارفا ببواطن أمور الشغل وتسيير الأعمال واضعين له حدا بتواجده فى قسم العلاقات العامة بحجة أن هذا هو مجال تخصصه, ناكرين عليه حقا أصيلا فهو من الورثة الشرعيين.
ولكنها عادت فتذكرت كريم الذى يتولى الأمور القانونية بالشركة الرئيسية ويشرف على بقية المحامين الصغار الذين يعملون لصالحهم فى الفروع الأخرى , ولكنه مع ذلك يعرف بواطن الأمور وجميع الخفايا التى يتولاها حازم بدون علم العائلة , فعليها أن تدبر خطة محكمة حتى يخلو لها الجو هى وابنها الذى لا يدرى شيئا عن أفكارها المتآمرة , ولن تحاول اخباره فى هذه المرحلة الحرجة حتى لا يقف بطريقها فعلى الرغم من كل شئ هو متعلق جدا بعائلة أبيه ويحب كريم وحازم كأخين فقد نشأ الثلاثة بهذا البيت وترعرعوا فى كنف جدهم الذى لم يكن يفرق بينهم فى المعاملة وهى شاهدة على ذلك , وتمنت لو دامت الأمور كما كانت فى عهد حماها فلم يكن يملك أيا منهم معارضته فى أى قرار يتخذه حتى حماتها لم تملك يوما أن تناقشه ولو فى قرار يخص أولادها وحياتهم الشخصية.
" بتفكري في اي؟"
ألقى عليها عادل هذا السؤال عندما خاطبها ولم ترد عليه فانتفضت من شرودها وهى متضايقة أنه قد قطع عليها استرسال حبل ذكرياتها
- ولا حاجة , بتعمل اي ؟ هتنام ؟
قالتها وهى تراه يتمدد على السرير المزدوج بغرفتهما
عادل : لا هلعب شطرنج , ايوة هنام , ولا هو ممنوع ارتاح في اوضتي؟
كان الجفاء مسيطرا على علاقتهما منذ سنوات طويلة بعد أن كان السبب فى حرمانها من القدرة على انجاب اخوة لسيف وما أثر على حياتها بالسلب بعد أن عانت من نظرات الاشفاق من جميع من حولها.
مني: مفيش مانع , انا هسيبلك المكان بحاله خد راحتك في النوم .
وقامت لتخرج من الغرفة وصفقت الباب خلفها بعنف فلم تسمع همسه وهو يقول بضعف وتخاذل :يا ريتك تغوري من حياتي كلها .(عندك حق ولية حيزبونة😒😒)
ثم أغمض عينيه بقوة حتى يمحو أى أثر لها من ذهنه فيصفو فكره ويستسلم لسبات نوم عميق.
************
كانت هناء جالسة فى الشرفة بجانب هادئ منها يظلله الاشجار الوارفة بحديقة الفيلا والتى يمتد عمرها لعشرات السنين منذ أن قام الشرقاوى الكبير بانشائها , وعادت بذاكرتها للوراء حين كانت فتاة صغيرة تلهو بشرفات المنزل وتختبئ هى وأخوها من أبناء عمومتهم الذين يكبرونهما فى العمر ويحاولون الامساك بهما وهم يلعبون (الاستغماية) , كانت تكبر أخاها بعامين كاملين ولكنها ما زال أصغر أبناء عمها يفوقها بعام واحد , فكانت تخشى كثيرا من خشونتهم فى اللعب وعنفهم القابل لالحاق الأذى بهما , وكان جدهم دائما ما يقف الى صف الأطفال الأقل سنا , وعرف عنه نزاهته وعقله الكبير فى موازنة الأمور , لماذا كانت تشعر هناء فى طفولتها البعيدة بالوحدة حتى وهى محاطة باهتمام من حولها فقد توفت والدتها وهى تلد أخاها الصغير وعاش والدها بعدها عازفا عن الزواج بأخرى وعازفا عن الحياة نفسها , تاركا رعاية الصغيرين لأمه الحنون التى كانت تنهل عليهما بعطف خاص كثيرا ما أثار غيرة عمها عبد العظيم الذى كان يرى أنه تبالغ فى تدليلهما وتخصهما بمميزات أكثر من أبنائه الذكور الا أن ابنته فريال كانت الاثيرة لدى الجد الكبير برقتها وجمالها الأخّاذ ولانها كانت الحفيدة الأخيرة وكما يقال (آخر العنقود سكر معقود) فكانت حلاوة روحها تفوق جمالها الخارجى.
لا مجال لالقاء اللوم على أبيها فيما آلت اليه حياتها من مسار خاطئ , منذ البداية كانت تعرف أنها بلا سند منذ توفى جداها , وبقيت فى رعاية زوجة عمها – السيدة شريفة – والتى لن تنسى أبدا معاملتها اللطيفة لها وحبها الذى أغدقته عليها بدون حساب كما لو كانت ابنتها هى , ولولا وجودها لكان عمها قد أحال حياتها الى جحيم لا يطاق , فأصبح يعاملها بقسوة محاولا وضعها بطبقة غير الطبقة التى ينتمى لها أبنائه , وكان اباها دائما صامتا أمام شكواها ليس لضعف بداخله ولكن لفتور شعوره تجاه البشر عامة وأبنائه خاصة , كانت تشعر بأنه يلوم أخاها على موت والدتهما فكان يعتبره السبب فى هذا الحرمان ممن كان يعشقها بجنون ويرتشف معها رحيق الحياة.
ولن تنسى يوم زفافها الى حمدي ابن عمها ولا توسلها الى عمها حتى لا يتمم هذه الزيجة فقد كانت صغيرة جدا على مثل هذا الارتباط , ولا تعى من الحياة الا مشاعر طفولية بريئة , وهى لا تنكر أنها كانت تشعر بميل نحوه الا أن مشاعرها الوليدة تجاهه قد ماتت لحظة اعلان زواجهما , والذى كان يضمن لعمها سكوتها عن نصيبها بالميراث فى المستقبل وحقه بتولى ادارة الأعمال كاملة بدون منافسة , وحتى ولو رفضت فما كان سيحدث أكثر من أن يتنازل أبوها عن حقهما بكل هدوء وبساطة فما فعلته كان أن حمت نفسها وأخاها من الغدر بهما والقائهما خراج وسط العائلة بعد وفاة أبيها التى جاءت باسرع مما تخيلت فقضت على أى احتمال لها بالسعادة فى وضعها الجديد كزوجة أو أم.
ولم يخفف عنها أبدا احتواء حمدي لمشاعرها واهتمامه المتزايد باحتياجاتها حتى صار يعاملها كملكة بعد أن عرف بحملها المؤكد , لا تنكر أنها قد ساهمت بتصرفاتها الحمقاء ومشاعرها الفاترة فى تحويل حبه لها الى ذكرى مرة أصبح يحاول نسيانها فكان يسافر كثيرا ويبذل جهدا خرافيا للمحافظة على صورة الزواج السعيد عندما يضطر الى المبيت بالمنزل معها , وبعد أن أنجبت كريم , اعتقدت أنه يمكنها اصلاح ذات البين , بعد أن اطمأنت الى أنها قد ثبتت قدميها فى اساس هذا الصرح , بينما صار حمدي شخصا غريبا عنها لا تعرفه أبدا , وكان قد اتخذ قراره بالابتعاد نهائيا عنها.
لماذا عادت هذه الفتاة الضالة الى حظيرة العائلة بعد غياب طويل جعلها تنسى وجودها من الأساس , وهى مدركة أنها غير مذنبة بما حدث فقد كانت فى علم الغيب عندما توطد الخصام مع زوجها حتى مهجة – زوجته الثانية – لم تكن تكرهها أو على الأقل لم تكن تعتبرها غريمة لها , ولا تدرى لما أثارت رؤيتها لريماس المشاعر القديمة بالحقد تجاه هذه العائلة التى سلبتها كل ما كانت تعتز به , كرامتها , شبابها , حقها بالميراث , والأهم شعورها كانسانة سوية , لم يصمد أمام جبروت عمها سوى ناجى ... وقد ذهب الى الأبد ولن يعود مجددا.
**************
"صباح الخير"
ألقت ريماس عليها تحية الصباح بوجه بشوش مرح لا يتناسب مع طبيعة العلاقة المتوترة بينهما , فاستغربت كثيرا من جرأة هذه الفتاة.
فأشاحت بوجهها بعيدا عنها وهى تتذكر ملامح زوجها الرحل وهى محفورة على وجه ابنته
ريماس: تسمحيلي اقعد اشرب معاكي القهوة الخلوة دي ؟
قالتها ونظرت الى البخار المتصاعد من الفنجان الخزفى الموضوع أمام السيدة هناء على منضدة خشبية صغيرة.
هناء : اعملي اللي انتي عاوزاه , مش خلاص بقيتي وريثة العيلة المتدلعة؟
اتخذت ريماس مقعدا بجوارها بدون أن يبدو عليها الضيق أو التأثر بما قالته , بل ابتسمت بهدوء : أنا متدلعة طب ازاي ؟ أنتي متعرفيش حاجة عن حياتي ؟
هناء: بس دلوقتي مش هتشتكي من اي حاجة خلاص بقيتي مرفهة , بقي عندك فلوس كتير وكمان الكل مرحب بوجودك هنا اكتر مني انا اللي عشت عمري كله هنا في البيت ده .
ريماس: انتي اكيد غلطانة , انا متعاطفة معاكي جدا, وحاسة ان ... أنك قد اتظلمتى اوي .
هناء: مش معقول!
اندهشت هناء من ابدائها مثل هذا التفهم لمشاعرها وهى التى كانت تظن أنها لا تطيق حتى القاء نظرة عليها, فثار فضولها بغريزة طبيعية
هناء : اي اللي خلاكي تهتمي بيا كدا ؟
ريماس: أنتي عندك أسباب كثيرة بس تختلف عن أسبابى عشان تكرهي العائلة دي , ويمكن انتي كمان عاوزة تنتقمي.
ضربت على وتر حساس لديها , فقد طالبتها منى منذ ايام بأن تقف معها بمخططاتها حتى ينالا من هذه العائلة وكل منهما لها أسبابها الخاصة الا أنها تملصت منها بخبرة دون أن ترفض الوقوف الى جانبها صراحة.
الا أنها تفاجأت كثيرا بهذه الفتاة وجرأتها الوقحة حتى تحاول استمالتها الى صفها فى مواجهة العائلة , ولم يكن لديها علم بأن عدائها كان موجها نحو شخص واحد وهو عمها الذى ظلمها من قبل.
هناء : أنا العيلة اللي انا منها انا وابني , اسم الشرقاوى لا يمكن بنت زيك توسخه متربتش على عاداتنا ومشربتش الولاء للبيت دا .
ريماس : متتسرعيش بحكمك عليا , لسه عندي اللي هقولهولك , وأنا واثقة أن اول ما اخلص كلامي مش هترفضى أبدا التحالف دا لا وانتي كمان اللي هتطلبي تسانديني وتقفي جنبي.
كانت سماح فى هذه اللحظة قد اقتربت منهما حاملة فنجان القهوة الخاص بريماس حيث كانت قد أخبرتها بأن تجلبه لها على الشرفة الواسعة , فاندهشت حينما وجدت الاثنتان تتشاركان المجلس وكأنهما قريبتان حميمتان , لم تكن تعرف ما هى الظروف التى جعلت زوج السيدة هناء يقترن بأخرى لأن هذه أحداث من الماضى وهى لم تمكث فى خدمتهم سوى منذ ثلاثة سنوات ولكنها بالتأكيد لا تحتاج لخبرة لأن تعرف بأنه لابد من وجود عداء بين الابنة وزوجة أبيها حتى ولو لم تلتقيا من قبل.
صباح: صباح الخير يا هناء هانم , صباح الخير يا آنسة ريماس.
ووضعت الصينية التى تحمل فنجان قهوة وطبقا مليئا بالبسكويت المشكل مرصوصا باحترافية عالية , وصرفتها هناء بعد أن تلقت أوامرها بشأن تحضير الوجبة للغداء.
تساءلت ريماس بعد انصراف الخادمة عن السبب فى عدم اجتماع العائلة على مائدة الافطار
هناء : من ساعة ما عمي – الله يرحمه –مات والكل مشغول في دنيته ومبقاش في حاجة ماشية زي الاول , وكمان كل واحد عنده شغله اللي يخليه يخرج الصبح بدري امبارح بس كان استثناء لوجودك معانا.
واستشفت ريماس عدم رضا هذه السيدة عن المعاملة الخاصة التى تلقاها من أفراد العائلة, وكانت قد درست هذا الموقف ووجدت أنها لا بد ستغير رايها مائة بالمائة بعدما تفضى اليها بما تعرفه.
**************
لمحت فريال طيفا بجانبها وهى تهبط درجات السلم الرخامى , فالتفتت بسرعة لتجد ابن أخيها حازم يحاول لفت انتباهها بدون اثارة ضجة حيث همس لها: عاوز اكلمك لحظة يا عمتي.
ثم اشار لها اشارة خفية لتلحق به ووجدت نفسها تتبعه متوجهة نحو غرفة المكتب حيث كانت هذه هى غرفة والدها المميزة التى يقضى فيها أغلب أوقاته بعيدا عن الازعاج والضوضاء دون أن تعى أن هناك زوجان من العيون كانتا تراقبهما بحذر وثبات من مكان خفى.
دلفت الى الغرفة التى لم تطأها منذ خمسة وعشرين عاما ولكنها الآن خالية من صاحبها الذى أثار رعبها فى آخر لقاء لها معه , وأغلقت الباب بحرص ورائها فلا بد وأن حازم لديه سرا ما يريد أن يطلعها عليه , وقد كان ابن أخيها هذا مقربا منها أكثر من غيره فهو الوحيد الذى كان يودها طوال السنوات الماضية التى قضتها فى لندن الباردة بعيدا عن دفء الأسرة ولكنها كانت تشعر بأنها أرحم من البقاء فى ظل الأجواء المشحونة بعد خلافها الكبير مع أبيها , وكانا كثيرا ما يتقابلان فى انجلترا عندما يأتى لزيارتها.
استند حازم على طرف المكتب الخشبى ذى اللون البنى الفاتح وهو عاقدا ذراعيه فوق صدره منتظرا أن تأخذ وقتها لتستريح على مقعد جلدى أمامه قبل أن يبادرها بسؤاله الذى اثار توترها
حازم: اي اللي بينك وبين مجدي ومدرياه؟
على الرغم من أن الفارق فى العمر بينهما لم يتجاوز الاثنى عشر عاما الا أنه كان معتادا على احترامها وعدم تجاوز حدوده فى التعامل معها
فريال: اي السؤال الغريب دا يا حازم ؟ وازاي تكلمني بالطريقة دي؟
حازم : مش عارف, يمكن انتي تعرفي تجاوبي علي الأسئلة دي .
أشاحت بوجهها بعيدا عنه وهى محتارة كيف عرف بمقابلتها لمجدى.
حازم: في الاول , أصر مجدى على أنه يجيب ريماس هنا عشان وصية جدى زي ما قال وهو اللي قام بالحوار ده من غير ما يقول لحد , و بعدين أكتشف أنه كان بيتواصل معاها من ورا ظهرنا , ودلوقتي يجي دورك عشان تلعبي معاه بردو من ورانا , اي تفسيرك للي بيحصل دا ؟
فريال: أنا مش عارفة انت بتتكلم علي اي فلم انا مقابلتش .. ريماس قبل كدا الا لما جت هنا يوم اعلان الوصية , ومتكلمتش معاها , انت بقي عاوز تثبت اي يا ابن اخويا ؟
فك حازم عقدة ذراعيه واقترب خطوتين من عمته حتى بدا لها عملاقا مخيفا بطوله الفارع ووجهه العابس فشعرت بالتهديد ولكنها أوقفته عند حده : متسمحش لنفسك أبدا باستجوابى ,واقابل اللي انا عاوزاه وقت ما احب , مبقاش لحد كلمه عليا .
رفع هو حاجبيه بطريقة مدروسة كأنما فوجئ بردة فعلها ثم قال بصوت كالفحيح: بقي كدا الحال اتغير وبقيتي تعملي مؤامرات زيك زي مراتات اخواتك , بس مجدي مستفيد اي , دا اللي مش فاهمه , انتي وعدتيه تتجوزيه المرة دي لو ساعدك؟
-اخرس
هدرت بغضب وهى تهب واقفة على قدميها غير محتملة هذه الاهانة الجارحة
فريال: بأى حق تكلمني بالطريقة دي؟ اي اللي حصل لعقلك؟
لم يأبه لغضبها المتفاقم بل وكأنه كان متوقعا لهذا فأجابها بثبات يحسد عليه: عقلى مش قادر يستوعب اللي بيحصل في البيت دا من فترة , أفاجئ بان جدى ضاف شرط عجيب لوصيته وهى ان ريماس تقعد معانا هنا اضافة الى انها تستلم نصيبها فى الميراث وكأن مفيش حاجة حصلت , وشايفك راجعة بعد غياب طويل تتكلمي مع مجدي اللي بيعمل خطة ممتازة ويحبك تفاصيلها مستغل ضعفك ناحية اللي حصل زمان.
لو لم يهاجمها حازم بهذا العنف لكانت قد أخبرته بما دار بينها وبين مجدى بعد مقابلتهما , ولكنها الآن آثرت ابقاء هذا السر طىّ الكتمان فلا بد وأن حازم له مطمعا بالثروة وهى التى كانت تتخيل أنه يختلف عن الآخرين الذين لا هم لهم سوى المال.
" اي اللي مضايقك في ان ريماس تفضل معانا؟"
كان سؤالها مباشرا بسيطا ومع ذلك كانت الاجابة عليه معقدة جدا وتتطلب وقتا طويلا ليستخلص هو بنفسه ما الذى اثار ضيقه من تواجدها بالمنزل , فهو لا يعرف هل الأفضل أن تكون قريبة منه وبعيدة بنفس الوقت أم من صالحه أن تبقى بعيدة كل البعد عن نطاق حياته على الأقل فى هذه الفترة العصيبة بعد وفاة جده وقبولها السريع بالشرط , هذا لا يعنى على الاطلاق أن لم يكن يتمنى أن يراها ولكنه أراد أن تستقر الأمور قبل أن تطأ بقدميها عش الدبابير , علاوة على أنها اصبحت فى نظره ساعية نحو الثروة وليس الترابط الاسرى هو ما حرك مشاعرها.
حازم: انا مش متضايق من وجودها , على العكس أنا مبسوك اوي انها قربت من ريم وسيف وكريم , وكمان يهمنى اشوف أنّا شريفة وبالها مرتاح بعد طول معاناة مع الألم والفراق , بالمناسبة مش شايفة أنك بتعامليها بحدة وقسوة ملهومش مبرر ؟
تأففت فريال من حشرية ابن أخيها فى كل أمورها
فريال:معندكش حاجة تعملها احسن من انك تراقبني في تصرفاتى ؟
حازم : ماشي يا عمتى , اعملي اللي انتي عاوزاه بس متجيش بعد كدا تطلبي اساعدك بعد ما تقعي في المحظور.
لم تعرف عن أى محظور يتحدث , ولكنها خمنت بأنه يقصد علاقتها مع مجدى, وطمأنته: متشغلش بالك بيا , كمان مفيش حاجة تخليني أخاف من مجدى , هو بيعزنى اوي .
لم يكن حازم عالما بما حدث فى الماضى بالتفصيل ولهذا لم يجد ما يطيل به الحديث أكثر من هذا , فهز كتفيه مستسلما
فريال: عاوزاك تسيب ريماس في حالها يا حازم , ومتحاولش تسويقها.
حازم: وبتحذريني بأى صفة ؟
فريال: بصفتى عمتها زي مانا عمتك , متنساش دا .
حازم : مفيش حد بيخاف عليها أكثر منى , وأنتي بالذات معتقدش أن اهتمامك بيها دا نابع من قلبك , الكل عارف انك سيبتي العيلة للابد , ورجعتي بس عشان ... الفلوس.
رد اليها اتهامها السابق له بالسعى وراء المال
فريال:أنت مش عارف حاجة , يبقي متحكمش علي الناس .
حازم: هنشوف يا عمتى , الأيام هتثبت صدق الكلام دا .
وابتعد عنها تاركا اياها مذهولة مما سمعته على لسان ابن أخيها المفضل , لا تصدق أنه يقصدها بهذا الاتهام المشين , ولكنها أعطته العذر فهو يجهل الخلاف العظيم الذى نشأ بينها وبين أبيها بسبب ناجى , وليته موجودا الآن ليساندها ولكنه رحل الى غير رجعة.
لا يفيد الندم الآن ! ولا محاولة استرجاع الماضى الا باثارة الجراح القديمة من جديد وذرف المزيد من الدموع الحبيسة التى لا تغير الواقع , ولكنها ستتمسك بالأمل الذى أعطاه لها مجدى فربما يكون محقا
**********
كان حازم متعجلا الرحيل الى عمله بعد مشادته العنيفة مع عمته فريال التى ما يزال مشدوها من تصرفها وعدم انكارها للاتفاق الخفى بينها وبين مجدى المحامى , لماذا يشعر بحقد تجاهه؟ ألأنه قد سبقه الى ريماس وقام بدعوتها ؟ أم لأنه يدبر لشئ ما مستغلا وجود ريماس كابنة لعمه المتوفى وتشاركه فى هذا التخطيط العمة؟ لم يكن مستعدا لاستقبالها هذا الصباح وهى مشرقة وجميلة كنسمة صيفية فألقت عليه التحية
ريماس:صباح الخير يا حازم.
حازم: صباح الخير , اي اللي مصحيكي بدري كدا ؟
ضحكت بسعادة لم تعرف سرها
ريماس: انت ناسي ان انا من الكادحين الشقيانين ولا اي ؟ ولازم نجري علي اكل عيشنا؟
ابتسم لها وقال بتعاطف: بس انتي دلوقتي مش مضطرة لدا , بقيتي غنية وعندك اللي يعيشك زي باريس هيلتون.
ريماس: مش للدرجة دي!
كانت اجابتها خير دليل على جهلها التام بثروة العائلة وكانت تلقائية فى ردة فعلها فلم يشك بأنها ساذجة بريئة يتم استغلالها بطريقة أو بأخرى
حازم: طيب , لو مش مقتنعة تعالي معايا اوريكي مدي قوة امبراطورية الشرقاوية.
كان هذا عرضا لتصاحبه فلم تصدق ما سمعته أذناها
ريماس بذهول:بتتكلم جد؟ عاوزني اجي معاك ؟
حازم: دا لو جهزتي ولبستي في ١٠ دقايق بس , مش هستناكي اكتر من كدا .
ورفع اصبعه محذرا بجد وقد اعتادت ريماس على هذه الحركة منه فأشرق وجهها وجرت بسرعة الى غرفتها بعد أن أكدت عليه بطريقة ملهوفة: أوعدك انى مش هتأخر , مش هاخد اكتر من ٨ دقايق ونص .
تابعها بشغف وهو يراها تتصرف كطفلة صغيرة فى أول يوم دراسى لها, ولم يعرف لما عرض عليها أن ترافقه الى الشركة , هل شعر بقلبه يميل لها لأنها وحيدة لا تجد ما يسليها هنا , ولكن الاجابة الدقيقة التى راودته لم تعجبه على الاطلاق.
سرعان ما كانت ريماس قد جهزت نفسها وارتدت بنطلونا أسود اللون متسعا قليلا عند الأرداف وقميصا حريرا أصفر اللون له حافة مطرزة باشغال يدوية بارزة تظهر على القبة وعلى طرفى الأكمام وفى جانب من القميص , كما انتعلت حذاءا متوسط الارتفاع وعقصت شعرها الى الخلف على شكل كعكة ووضعت لمسة خفيفة من أحمر الشفاه الخاص بها ثم ابتسمت لنفسها مشجعة وشقت طريقها الى الاسفل, بعد أن علقت حقيبتها الصغيرة على كتفها.
ما أن رآها حازم حتى خفق قلبه بشدة , فقد بدت شديدة الروعة والأناقة ببساطتها والنظرة المرتسمة على وجهها , نظرة لهفة وشوق , هل يتخيل أم أنها فرحة بعرضه لاصطحابها معه الى الشركة ؟
رمقها بنظرة مقيمة حين اقتربت منه فى حين أنها كانت تنتظر أن ترى الرضا على وجهه الوسيم , كانت لدهشتها مهتمة برأيه فى مظهرها
حازم: روعة,يلا بينا
لم ينطق بحرف آخر , رائع فقط ؟ هل هذا ما أفضل ما استطاع قوله , لقد أحبطها رده المختصر ولكنها كبداية أكثر من ممتازة فهو لم يتجاهلها على الأقل.
ريماس: مش هنقولهم اننا ماشيين؟
استوقفته بعد أن شعرت بريبة لعدم اهتمامه , فقد أشار لها بالاسراع
حازم: معنديش وقت اضيعه في اني اخد اذن خروج , كمان انتي مش عيلة عشان تستني موافقة حد .
كان حانقا عليها معنفا اياها بحدة انغرزت فى صدرها بقوة , فلم يبدو عليه أى رقة أو حنان قد لمحتهما سابقا
أما هو فكره نفسه لأنه بدأ يفقد قدرته فى التحكم بانفعالاته منذ أن أقامت معهم بنفس المنزل , وأخذ يسأل نفسه لم يمض على وجودها سوى يومين وانهار خط دفاعه الأمامى متهاويا أمام فتنة برائتها , عليه أن يحذر فى الايام القادمة من انفلات زمام الأمور من يده , فهى الآن تثق به تمام الثقة وعليه أن يستغل هذا لصالحه ويبدأ فى تنفيذ مخططه.

البارت طويل اهو ياقمراتي عشان خاطركوا😘
بليز شيروه بليز وقولولي رايكم في كومنت ومتنسوش تعملوا فولو وتقيمواالبارت 💕💕😍

(عشقت صيادي)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن