إنه عامي الثاني من دونك ..تراك تذكرني كما أفعل!
مستلقية على الكنبة الرمادية التي بالسطح أتمأمل السماء من فوقي ..تترامى إلى إلى ما لا نهاية و أذكرك للمرة الألف و أذكر أيامي معك شهية و خفيفة كالظل..و أعيش احلامي كلها و تطبطب آمالي على كتفي و يهديني العمر قبلة على جبيني و أنام ...من هنا ..أراك ..من خلف كل هذه الأسوار و المسافات و السنوات الضوئية التي تفرقنا أراك كما كنت دائما ..شاهقا و مهيبا و الفوز بك مستحيل ..و تعاتبني السماء التي تعلوني و حارات مدينتي و الديار ..و حمائم المساجد و كل الكبرياء الذي بالعالم ..على تفكيري بك عتبا ..انا التي لا أملك من الدنيا سوى عائلتي و بعضا مني أخفيه للذكرى ..و الكثير منك لاعيش !أستفيق على صوت أمي و يدها التي تربت على دراعي في وقت متأخر من النهار
-عماد ..افيقي حضر عمك و الجماعه ..ياالله نوضي يزينا تبهديل !
و من دون أن أضني نفسي بالرد عليها قذفت بنفسي على كرسيي المتحرك الذي يلازمني كظلي وسرت إلى غرفتي أجاهد الدوار الذي برأسي و ألم قلبي و كل الجراح التي كلما اوشكت على الالتئام شقوها و نثروا الملح فوقها ..لن ينتهي..أدري ان عذابي لن ينتهي ..لكن رفقا
-رفقا يا رب..إرأف لحالي إنك انت الرؤوف!خالد..ابن عمي الذي قدر له أن يقاسمني رغيف الحياة المتعفن مع نكهة الخذلان الحارة ..سيطلبني اليوم من أبي بصفة عزاء رسمية..ليحيي حزنا كان مجهزا مسبقا..نخب الحزن الجاهز للأكل خالد..نحب أفراحنا الملقات في المزبلة..نخب الحظ الذي لا يعرفنا..نخب عزائنا المشترك!
خالد رجل شهم مقدام ..تحدى ظروف الحياة الصعبة التي كانت تعيشها عائلته ..فعمل بالنهار و انكب على دروسه بالليل..و بحكم أنه كان الابن البكر لعمي الطيب فقد كانت مسؤولية الدار على عاتقيه في غيابه اذ كان يشتغل خارج المدينة..كان خالد الأمير السري المنتظر لبنات الدار ..فقد شب سريعا و انطلقت رجولته لتغريهن جميعا عداي طبعا انا التي لا املك من امر ساقي شيئا و لا استطيع المشي بسبب شللي ..لم يكن علي أن احلم مثلهن ..فاللواتي يحملن اعاقة مثلي لن ينظر اليهن البشر الا باعين شفقة ! انا التي ظل في قلبي أخا و ابن عم احترمه و يحترمني ..لا يحق لي أن احلم!.. و حين رحيل خالد إلى فرنسا ليكمل دراسته الجامعية في قسم الهندسة بفضل المنحة التي وهبتها له الدولة بعد ان نجح في امتحان الباكالوريا بامتياز..افتقده الجميع ..كان محبوبا!و حين عودته..بعد خمس سنوات ...إحتفى به الجميع..كنبي مبارك !و كما كل الانبياء ..كان لابد ان يجهزوا له موتا في اليوم التالي!
لا أزال أذكر يوم اعلمتني أمي انهم طرحوا عليه موضوعي ...و أنه وافق!و لا أزال أذكر السعادة التي كانت تغمرها و النفس الذي ارتد عند حلقي ...ووددت ان ابتلعه و أموت!
كل مأتم خطوبة و أنت يا عماد بخير ...
عماد!!و أسموني عمادا!لأني الأنثى التي لا نصيب لها من حظ الإناث ..فتح الباب و اطلت اختي بسمة من خلفه و على وجهها آثار البكاء
-أختي ..
هتفت و الحزن يغلف صوتها العذب-جهزي حالك..انهم بانتظارك بالصالة منذ ما يقارب الساعة..إرتدي اي شيئ قبل أن يفقد ابي اعصابه!
-سأفعل بسمة لا تقلقي هلا اخترت لي فستانا ..ساشيع مأتمي على ذوقك!وحدك تستحقين!
تحركت بخطوات سريعة الى الخزانة دون ان تقول شيئا و راحت تقلب بيديها بين الثياب لتسحب بعد دقائق فستانا بلون الفستق و حذاء أبيضا بكعب عال
-جربي هذا!
قالت مبتسمة و هي تقترب به نحوي
-سارتديه!انا اثق بذوقك!
و اخدته منها فورا و ابتسمت انا الاخرى لئلا اخذلها..
مضت المهزلة بسرعة ..لبسنا الخواتم و اخدنا صورا لخطيبين سعيدين و عائلة سعيدة..و افترقنا!غادر عمي و زوجته و خالد ليلا بعد ان وعدونا بزيارة قريبة ..اما نحن..فقد اوصدنا الباب خلفهم و كل منا بفصل ..قبل ابي جبيني قبل أن يصعد لغرفته قائلا ان ما حدث كان الصواب..اما أمي فقد اكتفت بالصمت ..حملت نظراتها عني و لحقت به..أما عني و اختي ..فقد نظفنا الصالة و نمنا دون ان نفكر بشئ..آلامنا لن تنتهي ...كانت هذه خلاصة القول...و الروح التي خلقت لتحترق سوف تحترق !لا مفر من أقدارنا ..أدري أنه لا مفر من أقدارنا ..أنا التي قدمت إلى الحياة سهوا..حتى ان أمي لم تدرك اني باحشائها الا بعد ثلاثة أشهر من حملها بي...ولدتني بليلة عاصفة اغلقت فيها الطرقات بفعل الثلج الذي غطى شوارع المدينة..فكانت عمتي وهيبة رحمها الله القابلة بقدرتها الفطرية على التوليد..فجئت إلى الحياة من دون اسم جاهز كما العادة ..و لأن ابي كان ينتظر ولدا على احر من الجمر حتى يخلفه و يكون عمادا له.. فقد كنت عمادا رغم عضو الانثى الذي احمله ..و سجلوني بالدفتر العائلي بعد اسبوع..عماد رشيد..إسمي الذي يلاحقني مند ثلاثة و عشرين عاماو افر منه كل ليلة الى طفلة تسكنني لا تحمل اسم ولد !
و افر من كرسي المتحرك و "مشلولة" التي تلاحقني منذ عشر سنوات ..الى طفلة بداخلي تستطيع المشي و لا تكف عن الجري ...
تعرضت لحادثة مرور و انا صاحبة ثلاثة عشر ربيعا..شل ساقي و اقعدني بالبيت ...كانت نقطة تحول بحياتي ...تركت المدرسة و كل الاحلام..و بت بعدها اعد سنوات عمري خريفا يليه خريف..ما عاد في عمري الربيع..
و لما كبرت عاد حديث زواجي على السنة الجميع ..حين تقدم لخطبتي عادل ابن الجيران الذي كان يزعم ان حبه(القديم)لي فوق كل شيئ و أنه سيتزوجني رغم معارضة امه و رغم (شللي)و رغم كل الظروف لكنه و بمجرد ما اتخدت الامور منحى جديا جبن و رحل ..حين ظننت ان تكشيرة الدنيا لي بدأت ترتخي و خلت انها ابتسمت و انها فتحت دراعيها لي فارتميت بينهما... امسكتني و رمت بي الى هوة سحيقة..ظننت ان الدنيا عوضتني خسارتي بحب كبير يلم بقايا امرأة كانت تسكنني و يؤويها ..لكنها بدل ذلك راحت نحو ما تبقى مني و اخدت تسحقه ثم أضرمت النار فيه..فبت رمادا!من هنا بدأت حكايتي ..و زيجات الزواج التي كان يصنعها اهلي حتى يزوجوني و يثأروا لكبريائي و شرفهم ..و التي سرعان ما كانت تبوء بالفشل بسبب شللي ..انا المرأة المقعدة التي يرأف لحالها بعض الإخوان و يودون لو يسترون عليها و يرعونها تحت اسم الزواج لكن أنفسهم تأبى هذا الزهد.. كنت في كل مرة اتضاءل أكثر ..و أموت اكثر ..حتى رأيته ..ذات حلم..يمد يده إلي و يأخدني من بين الأنام بعيدا ..و أسير معه على ساقي الإثنتين و أضحك ..و ظل يزورني كل ليلة.. يقبل جبيني و يعتدر لي نيابة عن كل العالم فأنام قريرة العين و أنتشي!
أنت تقرأ
عماد
Romanceأهرب من إسمي إليك..تراك تؤويني..يا غريبا كما مدن الشمال ..يا حبيبا كجيده ..عماد..