الفصل الأول

903 13 1
                                    


بسم الله الرحمن الرحيم .
اللهم ادخلني مدخل صدق , واخرجني مخرج صدق .
لا إله إلا الله .
لا تلهيكم روايتي عن الصلاة وذكر الله .
____

إنها الليلة الحادية والعشرون .
الغير مختلفة أبدا عن باقي الليالي السابقة .

بل تشبهها بكل شيء.
بالظلام الذي يلف حولي، أو الظلمة الكامنة بداخلي.
بالقهر الذي يسكن فؤادي، وسيبقى جاثما به طوال العمر.
الجمود الذي حلّ بي، حتى جعلني كالصنم أو التمثال بداخل هذه الحجرة الكئيبة، المليئة بمن هم مثلي بالمصير (ربما) أقصد البقاء داخل السجن، مختلفون بنوع الجرائم التي ارتكبنها.
ولأن هذه الليالي متشابهة، وكل الأشياء تتكرر.
فإني أعيش الأيام الماضية، وكأنها اليوم.
لحظة بلحظة، ساعة بساعة.
أذوق كل تلك المشاعر المُرّة، كما ذقتها قبل عدة أشهر.
وأتجرع الآلام وحدي.
وأراني أستحق كل لحظة من لحظات الوحدة الكئيبة.
فأنا كما قيل في مثل شعبي (جنت على نفسها براقش).
جنيت على نفسي فاستحققت هذا الواقع المؤلم، وعليّ أن أتحمله.. حتى أخرج من هنا.

تغمض عيناها بشدة، وجثته تتراءى لها أمام عيناها، كفه التي رفعها لتصبح أمامها، كانت غارقة وملطخة بالدماء بالكامل.
يستنجد بأي أحد لينقذه.
ولكن الجميع تجاهله، لتسقط تلك اليد على جانب جسده.
ويصبح هو جثة هامدة.
لم يساعده أحد، لم ينقذه أحد.
وكأنهم كانوا ينتظرون رحيله عن الدنيا!
بالرغم من تلك المحبة العظيمة في قلوب الجميع تجاهه!
رحل، ليخلفها وراءه، ويتركها.. نادمة وضائعة ومشتتة.
ليتها فكرت جيدا قبل أن تتجاهله!

_____

قبل سنة.

تستيقظ لجين من نومها في وقت متأخر.
فوّتت صلاة الفجر كالعادة، إنها السادسة والنصف.
موعد الذهاب إلى مدرستها أهم عليها من موعد الصلاة، ليس بسبب اهتمامها بالدراسة بالطبع.
تتجه إلى دورة المياه لتغتسل على وجه السرعة، ثم تخرج وترتدي ملابسها، تمشط شعرها القصير.. تضع مكياجا خفيفا، مرطب الشفاه، وبعض الماسكارا.. مع أنها ليست بحاجة إلى شيء.
حاجبيها مرسومين كما يقولون، عيناها سوداويتان واسعتان.. لديها رموش طويلة وكثيفة، شفتان ورديتان مملوءتان، بشرتها بيضاء، تميل للاحمرار.
نعم إنها جميلة، جميلة جدا.
كل من رآها قال إنها بالفعل حسناء وجميلة، بيد أنها قصيرة، وليست رشيقة.. بل لديها جسم ممتلئ نوعا ما، منذ متى وأصبح القصر عيبا ...!
حسنا هذا لا يهم، يكفيها أنها كل ما مرت من مكان لفتت انتباه الجميع.
تفتخر كثيرا بجمالها، شعرها الكثيف، شديد السواد.. أكثر ما يعجبها فيها.
تعدت مرحلة الفخر، لتصبح مغرورة تماما.
تخرج من الحجرة، إلى الصالة الصغيرة التي ضمت عائلتها.
هذا والدها العزيز، الذي تحبه حبا جما.. عظيما.
تتقدم منه وتضمه بقوة وكأنها لم تره منذ زمن، تقبل رأسه وتسأل عن حاله، كعادته.. ينظر إلى وجهها:
- صليتِ يا بنتي؟
تتغير ملامحها وتتوتر، لكنها مستحيل أن تكذب عليه:
- لا، قمت متأخر.. كان عندي واجبات كثيرة، على ما أنتهي منها صارت الساعة وحدة ونص وما مداني أصحى، بصليها مع الظهر.
تبتعد عنه قبل أن يقول شيئا آخر، ليهز هو رأسه بأسى.
منذ صغرها وهو يحاول معها لتعتدل، وتصلي الصلوات في أوقاتها على الأقل.
لأنه لاحظ هذا الإهمال منها تجاه عباداتها منذ ذلك الوقت.
إلا أنها لا تستجيب إطلاقا.
هذه والدتها، صاحبة الوجه الذي يتحدث عن مشاعرها بكل وضوح، حيث لا يمكنها الكذب إطلاقا.
- صباح الخير يمه.
تقولها وتتعداها بعد أن قبلتها سريعا، يبدوا أن لجين منحت أبيها كل ما بقلبها من الحب، حتى أصبحت لا تستطيع أن تمنح والدتها إلا القليل منه.
نظرت إليها والدتها بغضب وحدة دون أن تتفوه بأي حرف، فهذه الفتاة أسخف من أن ترد عليها لتعكر صباحها أكثر، تعني بذلك ما حصل مساء الأمس.
جلست بجانب رؤى، أختها التي تكبرها والبالغة من العمر السادسة والعشرون، أنقى من الطهر أختها هذه.. تفتخر بها كثيرا، تود لو أنها تصبح مثلها.. ولكن ليس لديها الوقت لتولي دراستها اهتماما أكثر مثل شقيقتها.
بجانب رؤى، شقيقها الأكبر.. رائد، معلم الأحياء في ثانوية حيهم.
تحاول تجنبه دائما، فهو كثير الانتقاد، شديد الملاحظة.. أبدا لا يسمح لها بارتكاب أي خطأ.
وهناك سامي، الشقيق المرح محبوب الجميع، إلا هي.. الأكبر من رؤى.
ياسر، أصغر الإخوة الذكور.. يصغرها سنتين.
من تستطيع أن تتنمر عليه، هو وأصغر الأبناء جميعا، الأخت الصغرى.. المسماة (قمر).
تبا، كان من المفترض أن تكون هي صاحبة الاسم، يناسبها أكثر مما يناسب تلك الطفلة السخيفة.
ماذا أسمتها والدتها؟ لجين...!
هذا الاسم السخيف.
حتى معناه ليس جميلا، الفضة...!
بئس الاختيار.

الجزء الثاني من سلسلة ملامح الغياب: هزائم الروح حيث تعيش القصص. اكتشف الآن