خطاب ويليام

884 115 28
                                    

-

« عمي العزيز،
أكتبُ إليكَ من الموطن، يوركشاير الباردة. لقد نجوتُ و عدتُ سالمًا إلى العائلة، برغم أني قد ظننتُ في كلِ معركةٍ خُضتها، بأني سألقى حتفي لا محالة، لكنني كنتُ أنجو، أنجو و إن لم أُردْ ذلك في بعض الأحيان. لقد رأيتُ أهوالاً جعلتني أستيقظُ من غفلتي. قد سقطَ زميلي في الكتيبة في أول أسبوع، التقط آخر أنفاسه بين ذراعيّ و بالكاد يهمس بأسماء عائلته واحدًا تلو الآخر و كأنه يراهم. لن أنسى ما رأيته بأم أعيني ذلك اليوم. فزادت رغبتي في العودة. فلا زالت رائحة الدماء في أنفي، كل ليلةٍ لا زلتُ أشعرُ بجسدي مضرجًا في الوحل. و القنابل لا زالت أصواتها مدوية في رأسي. أعتذرُ عن قساوة وصفي، لكنني أحتاجُ أن أُخبرك بكل ذلك، لعلني أشعرُ بجزءٍ من روحي يعود إليّ.

و أتعجبُ يا عمي، إذ أن الحرب التي نبهتني ويندي منها مِرارًا جلعتني أرى ما عميتُ عنه، فقد كان لها وجهًا حسن وحيد، و هو أنها جعلتني أُدرك غايتي المفقودة، أن ما أبحثُ عنه طُوال حياتي ،كان دفء عائلتي، إن كنتُ حاربت و نجوت فلأجلِهم لا أكثر. لم تستحق أمي موتي، و لا أيٌ من أشقائي استحق ذلك. أعترفُ و يؤسفني اعترافي أنا ما أعماني عن الحقيقة هو تعصبي، و كراهيتي و أنانيتي. الحرب لم تصلح شيئًا، بل أنهكت ما تبقى منا.

و لن أعودُ إلى الحرب مجددًا، و لن أسمح لأخويّ بالذهاب، و لو كلفني ذلك روحي. عمي العزيز، أنا الآن في يوركشاير الباردة، سأبقى فيها حتى مماتي، سأبقى بين الحقول، و قد جاءت عائلة من الريف، ستحرث الأرض و ترمي البذور، و ستنبتُ الثمار شافية لسقم روحي. أنا الآن في موطني، فاطمئن عليّ يا عمي، و أخبرني بأحوالكم، لقد حزنتٌ للغاية عندما سمعتُ بمصابكم، و آملُ أن تكونوا في أفضل حال، و سأصلي كي تنتهي تلك الحرب، حتى نلتقي من جديد.

ابن أخيك، ويليام براون.»

قرأت ويندي الرسالة بعيونٍ ممتلئة بالدمع، ربتّ روبرت على كتفِها في حنو هامسًا "إنه بخير." أومأتُ له متمتمة تحت أنفاسها بأنه كذلك. ألقت نظرة أخيرة على الرسالة، كانت تشعرُ بشيءٍ غريب تجاه تلك الرسالة. فقطبت حاجبيها تفكر، هامسة "لحظة واحدة." قبل أن يأخذُ والدها الخطاب منها، التقطت سريعًا خطاب روزالين التي أرسلت به، ثم وضعت الورقتين إلى جوار بعضهما، تُقارن بينهما. فسأل روبرت في ريبةٍ "ما الخطب، يا ويندي؟"

زفرت ويندي في غضب مُلقية بالورقتين على المنضدة "ذلك ليس خطَ ويليام، يا أبي.. إنه خط روزالين." همست ويندي في تشتتٍ، بلا، إنها متأكدة تمامًا أن ذلك خط روزالين، لن تُخطئه أبدًا. رفعت نظرها إلى والدها الذي تلاشت الابتسامة عن ثغرِه، و قطب جبينه قلقًا.

قالت في حنقٍ "لقد كنتُ أشعرُ بذلك، كنتُ أعلم أنه لن يرسل أبدًا برسالة إلينا." بينما صدرت عن روبرت ضحكة خالية من الفكاهة "لماذا قد ترسل روزالين برسالة إلينا عوضًا عن ويليام؟" أجابت ويندي بينما تتذكر كلمات روزالين الأخيرة عن حالة ويليام النفسية، الكوابيس التي يراها و ما إلى هذا "رُبما لا يملك القدرة على الكتابة، لا يستطيع أن يصوغ كلماتٍ مناسبة تطمئننا." قال روبرت في حيرةٍ من أمرِه.

Cherry Trees | أشجار الكرزحيث تعيش القصص. اكتشف الآن