الجزء العاشر :
الغابة ، في الغابة يعرف أن القوي يأكل الضعيف ، لكن لو كان كذلك لما صنف الذئب ضمن أخطر حيواناتها ، أما الغابة التي نعيش بداخلها ففيها مواقف إن كنت خلالها حملا وديعا صرت فريسة سهلة و إن كنت أسدا تكالبت عليك الكلاب و وضعوا حدا لجمل حياتك ، و بالتالي كل من يدخل لغابات البشر عليه أن يكون ذئبا في الكثير من المواقف و إلا فستلتهمه باقي الذئاب...
تسمرت إيمان في مكانها بعد رؤيتها لتلك الصورة! صورة لفتاة مقيدة الجسد جالسة على ركبتيها تنظر نظرات خوف و انكسار و لذة في نفس الوقت إلى شخص يجلس على كرسي مقابل لها ! لكن كيف اجتمعت كل هاته الأحاسيس في صورة واحدة ؟ و لما أشعر أنني أنا هي تلك الفتاة ! و أحس أن هاته الصورة تدلني على طريق حياتي الطبيعية ؟ ترشدني لأسرتي التي ربما ظللت طريق العودة إليها لسنوات ، لكنني الآن أرى أبواب العودة لعائلتي الأصلية تبدو أقرب من أي وقت مضى ، نعم إنها عائلة المرضى النفسيين اللذين حدثني عنهم الدكتور و يبدو أن أستاذي في الجامعة هو أحد المنتمين إليهم...
ما هي إلا لحظات و كان الأستاذ بجانبها و هي تتظاهر بأنها لم ترى أي شيئ ، نسيت تماما الهدف من وراء اقترابها من مكتبه حتى أنها كادت تنسى السؤال الذي كانت بصدد طرحه ، لكنها تذكرته أخيرا لتنقذ نفسها في الوقت المناسب و تطرح سؤالا عاديا عن شيئ كانت تفهمه ، لتتذكر فجأة ما لم تفهمه و لا تفهمه ! نعم إنه ذلك الرمز على يد الأستاذ ، حاولت تأمله جيدا دون لفت أنظاره و بالفعل كان هو نفسه لتصدق توقعاتها و تبدأ رحلة رمي الطعم ، لكن الصياد هاته المرة أقل حجما من الفريسة ! و ربما أقل دهاء منها...
و بينما إيمان تحاول وضع خطة ذكية للوصول لمبتغاها المتواجد بداخلها و الذي لم تستطع اكتشافه لسنوات إذ بالأفكار التي تزور عقلها تبدو تافهة و غير مناسبة و لن تجدي نفعا ، لكن بعد لحظات خطرت ببالها فكرة صنفتها ضمن قائمة الأفكار العبقرية التي تحتاج لمخاطرة و جنون ، و كعادة تلك التلميذة فضولها يسيطر عليها و لا تتعلم من دروسهل السابقة فإن هي وضعت هدفا مهما صوب عينيها فستحققه مهما كلفها ذلك...
بعد نهاية أحد الأيام الدراسية الجامعية توجه الأستاذ صاحب الرسم الذي سيطر على عقل إيمان إلى مكتبه بالجامعة ، دخل و أغلق الباب خلفه و ما هي إلا لحظات حتى بدأت تصدر أصوات تبدو أصوات حوار :من سمح لك بالخروج ؟
أنا آسفة ، لكنني ظننته أمرا عاديا
حسنا جهزي نفسك لتنالي عقابك
حاضر
سأكون عندك بعد خمس دقائق
أنا في انتظارك يا سيدي
ليخرج الأستاذ من مكتبه مغلقا خلفه الباب ، بينما قلب إيمان يدق بسرعة فهي كانت تسترق السمع من خلف الباب و بمجرد ما أن سمعت صوت خطواته المقتربة إذ بها تهرب بأقصى سرعتها ، لقد فهمت الآن أنه كان يخاطب إحداهن عبر مواقع التواصل الاجتماعي ، لكن ماذا عن تلك الكلمة ؟ نعم ، كلمة " سيدي " ، لما لا زالت تلاحقني دون أن أعرف عنها شيئا ؟ ربما لها علاقة بذلك العالم ! لكن لما لم يذكرها لي الدكتور خلال شرحه ؟ لا بد علي أن أعرف إجابة لكل تساؤلاتي في أسرع وقت ممكن و إلا فإنني سأجن ، مهلا إنه يبتعد...
ابتعد الأستاذ بينما إيمان لا تزال مصرة على ملاحقته فهو قد أعطى موعدا لإحداهن بعد خمس دقائق و ذلك الموعد يتضمن كلمة " عقاب " و بالتالي فسيكون في مكان مغلق بعيدل عن أعين الناس ، و في مدة قصيرة خلال خمس دقائق بكل تأكيد لن يبتعد كثيرا عن الجامعة و بالتالي فتتبع أثره سيكون سهلا لكن علي الإسراع قبل أن يضيع مني...
و فعلا بعد خمس دقائق من التعقب توقفت إيمان لترى الأستاء يدخل إلى أحد البيوت المتواجدة في شارع قريب جدا من الجامعة ، لم تعلم ما الذي عليها فعله ؟ انتظرت لدقائق و أفكارها لا تساعدها بشيئ ، لتستقر في النهاية على دق جرس ذلك البيت و الهرب ، و دون أي تردد فعلت ذلك ، فتح الباب ليغلق مجددا بينما إيمان تضحك عليهم و في نفس الوقت على نفسها بعد تصرفها الغريب و الذي لن يجدي نفعا ، فتاة فضولية فعلا لكن هاته المرة لا حل لديها و لا تعلم ما الذي يجب أن تفعله لتشاهد ذلك العقاب ، كلمة عقاب في ذاتها تجعلها كالمجنونة لا تعي ما الذي تقوم به...
لحظات و ذلك الباب يفتح مجددا ، نعم إنه الأستاذ يخرج و يغادر المكان نهائيا ، هل علي أن أتبعه ؟ طبعا لا فالعقاب الآن انتهى و لا مكان ثاني أتبعه إليه ، لكن سأحاول الإقتراب من ذلك المكان و التعرف على هاته الفتاة فهي من نفس جنسي و ربما تساعدني على الوصول إلى مبتغاي ! تقدمت إيمان من باب ذلك البيت فعلا و دقت الجرس و ما هي إلا لحظات حتى فتح الباب :