المقدمة

7.8K 160 37
                                    

ظمأ...

ظمأ رهيب، حلقه جاف وأنفاسه اللاهثة تتردد بصدى، قدماه متهالكتان يجرهما بصعوبة ورمال الصحراء تقيده وتزيده بطءًا فيحترق أكثر تحت شمسها اللاهبة، والصحراء لا تنتهي.
تهالك على ركبتيه بانهزام، هو هالكٌ، أيقن هذا فترك جسده يرتخي واستسلم. قطرات المطر انهمرت فجأة فانتعشت روحه، واعتدل مستقبلًا غيثه.

رفع رأسه للسماء فرآها، لم يكن مطرًا، كانت هي... وكانت تبكي. غيث دموعها أعاده للحياة لكنّه مع هذا يحتجزه على حافة البقاء، حيٌ لكنّه ظمآن حد الموت.

"رواء"

نظراتها اللائمة ازدادت حزنًا بينما يرفع يده نحوها طالبًا السقيا لتضن بها مشيحة وجهها المليح عنه، تحركت مبتعدة فحاول اللحاق بها، تعرقلت خطواته وتعثر، واصلت ابتعادها وعاد العطش مضاعفًا.

"رواء"

هتف فاتحًا عينيه ليكتشف أنّه على فراشه، اعتدل ناظرًا حوله على نور القمر المتسلل عبر الشرفة قبل أن يمد يده يفتح النور. يلهث بقوة وحلقه الجاف يؤلمه، أسرع يلتقط كوب الماء من قربه ويتجرعه بسرعة ليطفئ ظمأه، صب آخرًا وتجرعه ثم نهض.

فتح الشرفة ودلف إليها ناظرًا عبر الظلام لحديقة سراي المنصوري؛ البيت الذي تركه ثائرًا متمردًا قبل عشر سنوات أو يزيد، ناقمًا على الدنيا وعلى الجميع وأولهم نفسه.

ها قد عاد لكنّه ما زال مغتربًا، بيته لم يعد بيته وأسرته يعاملونه كغريب، وهي...

روا القلب التي يوقن الآن أنّها ستضن بسقياها ربما للأبد، وذلك الحلم الذي كان يراوده في غربته دون أن يهتم لتفسيره، الليلة فقط وبعد عودتها سقط الغيث في صحرائه لكنّه لم يرتو.

قاوم غرقه في ذكريات يجاهد ألا يستعيدها لينقذه رنين هاتفه، نظر للساعة وتوقع شخصًا واحدًا فقط قد يتصل الآن. تأكد من ظنه عندما رأى رقمها وأسرع يرد قلقًا، وصلته شهقة باكية جعلته يهتف
"رويدا، أنتِ بخير؟"

صوتها وصله غير طبيعي
"لست بخير يا سالم، أرجوك عد"
"رويدا، ألم..."

قاطعته بسرعة

"أنا خائفة، هناك أشياء غريبة تحدث هنا"
"ماذا هناك؟"
سألها متوجسًا، وران الصمت هُنيهة إلا من أنفاسها المرتجفة
"أشعر أنّ هناك من يتعقبني"

جلس على طرف الفراش وتقطيبته تزداد

"لا أعرف حقًا، لم أعد متأكدة، أعصابي متعبة وأنا خائفة جدًا... لماذا لا تأتي؟"
همس اسمها بتعب فرددت بخفوت

"أنا لا أكذب عليك. أقسم لا أكذب، ولا أفعل كل هذا لأجبرك على العودة"
أشفق عليها وسب نفسه على توريطه لها، هي رغم كل شيء كانت صديقته ولولاها ما تجاوز الفترة التي تلت شجاره مع شاهين.

قلوبٌ عصيّة (سلسلة حكايات الحب والقدر ج٣)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن