لم أدرك من أنا حقا إلا عندما تلون حذائي بدمي
لم تفهموا شيئا ، أليس كذلك ؟
سأحكي لكم حكايتي... أنا أنس ابلغ من العمر ١٥ سنة و انا الابن الوحيد ، أمي ربة منزل و أبي عامل في منجمكنت دائما اتذمر من حالنا المادي و من طعامنا و ملابسنا و مسكنا
دخل أبي للبيت في يوما ما و معه صندوق ثم قال لي بسعادة :" لقد و جدت ذلك الصندوق فجلبته لك.. خذ.. افتحه"
أخذت الصندوق من يديه قائلا :" هل تشعر بالسعادة لأنك وجدت لي صندوقا قديم و ردئ!"رأيت سعادته تنكسر في عيناه ثم قال :" فقط افتحه يا بني"
فتحته لارى حذاء... كان جميل فقلت :" إنه جميل... سأجربه" فرح ابي و نهضت انا و ارتديته ثم قلت :" ساريه لاصدقائي " و خرجت من البيت لم أدرك حتى انني لم اشكره
ذهبت لاصدقائي و تسكعنا معا حتى جاء ولد كان يريد أن يصادقنا و لكنني تنمرت عليه أنا و أصدقائي... و تلك كانت المرة الأولى... شعرت بحواف حادة في الحذاء تؤلمني و ضاق على قدمي فجأة فقلت :" اااه"
نظر لي اصدقائي و سألوني "هل أنت بخير" فقلت " أنا بخير" فزاد الألم ثم صرخت قائلا " قدمي تؤلمني" فاوصلني أصدقائي للمنزل وأنا متكئ عليهم
صرخت أمي عندما رأتني :" ماذا بك يا بني ؟؟!"
قلت :" قدمي تؤلمني" ثم ساعدوني بالجلوس على الاريكة
حاولت أن اخلع الحذاء ولكني لم أنجح في ذلك... قلت لاصدقائي و حاولوا هم أيضا أن يخلعوه من قدمي و لكنهم فشلوا
جاء أبي وقال :" ماذا يحدث ؟"
فقلت :" قدمي تؤلمني و لا أستطيع التخلص من ذلك الحذاء "
حاول أبي أن يخلع الحذاء من قدمي و لكنه فشل هو أيضا
اصابني الهلع في تلك اللحظة :" لماذا لا أستطيع التخلص من ذلك الحذاء؟!!"
ذهب أصدقائي و تركوني بتلك الحالة فغضبت على أبي قائلا :" انت من جلب لي ذلك الحذاء المشؤ.. " و قبل أن انتهي من كلامي اصابني ألم لم اشعر بمثله في حياتي فكانت سكاكين تنحر في قدمي و كان الحذاء يضيق أكثر فأكثر
فهلع أبي لي قائلا :" هل انت بخير يا بني ؟!! ماذا بك ؟ بماذا تشعر ؟؟؟"
فغضبت أكثر و قلت لأبي و أمي :" اتركوووني وحدي " فزاد الألم أكثر و أكثر و تلون حذائي بدمائي ولم أستطع فهم ما يحدث
نمت في مكاني من كثرة البكاء و الألم و أمي و أبي ينظرون لي من بعيد خائفين لا يعلمون ماذا يحدث… شعر أبي بتأنيب الضمير لإنه من جلب لي هذا الحذاء... فذهب لصديقه الطبيب و طلب منه إن يراني ليساعدني
جاء الطبيب و قال لي :" أين تشعر بالألم"
قلت :"قدمي"
قال :" لماذا ترتدي الحذاء في البيت و قدمك تؤلمك إذا ؟"
شرحت له ما حدث من البداية فنظر متعجبا للحذاء قائلا :" لم أكن أعلم انه حقيقي"
قلت :" عفوا ؟"
قال :" كان جدي يروي لي حكاية من الاساطير عندما كنت صغير"
قلت بفضول :" ما هي ؟"
قال :" يحكي انه كان هناك ملك صغير حكم بلدته بعد موت أبيه الملك الكبير... ولكن كان ذلك الملك الشاب مغرور.. ظالم.. يأكل حق الفقراء.... و يسجن الابرياء بدلا من المجرمين الأغنياء... ملك فاسد جعل بلده مليئة بالفساد... و كان هناك رجلا حكيم إسمه رسلان... لم يرض بما يراه... فارسل هدية للملك الشاب....حذاء... جميل و راقي... أعجب به الملك و ارتداه بالفعل... و لكنه عجز عن خلعه… استدعى الحراس و الأطباء لخلع الحذاء وحاول التخلص منه بكل الطرق ولكنه فشل في ذلك فظل به... وكلما اقبل الملك على فعل ما كان يفعله من فساد كان الحذاء يعاقبه بألم شديد... كان يشعر بقدمه تتقطع... أدرك حينها لما أرسل ذلك الرجل الحكيم هذا الحذاء له.... توقف عن فساده عندما أدرك من وجعه كم هو شخص سئ.. ...قام بإصلاح كل أفعاله واعتذر طالبا السماح من الاشخاص الذين ظلمهم حتى تغير من اعماق نفسه إلي شخص جيد فاستطاع حينها ان يخلع ذلك الحذاء... و كذلك لقنه الرجل الحكيم درسا لم ينساه و بسبب حذاء رسلان عادت البلد لتصبح كما كانت يعمها الخير و يحكمها ملك عادل و حكيم… ولم يعلم أحد أين اختفى الحذاء بعد ذلك "أصبت بالقشعريرة من تلك الحكاية العجيبة و قلت وأنا انظر للحذاء :" اتقصد ان هذا هو حذاء رسلان ؟"
قال الطبيب :" على ما يبدو انه هو… لم أكن أعلم إنها قصة حقيقية….ولا أعلم كيف وصل إليك و لكن اختار القدر إن يصل الحذاء لك لتصلح اعماق نفسك"
نظر الطبيب لحذائي و قال :" يبدو أيها الشاب إنه ليس بيدي شئ لاساعدك… انت فقط من يستطيع أن يساعد نفسه"
فقلت له ما أفكر به :" سافعل ذلك… ساصلح كل شئ "
ابتسم لي الطبيب مبتهجا ثم نهض و أخبر والدي انني سأكون بخير دون أن يشرح لهم أي شئ
بعدما ذهب الطبيب ناديت على أبي و أمي فجاؤوا إلي بسرعة و جلسوا حولي ليخففوا عني وجعي و هم لا يعملوا لما يحدث ذلك و لكن ضمتني أمي إلي حضنها و طبطب أبي على يدي ليخفف عني
قلت :" أنا أسف يا أمي… انأ أسف يا أبي.. سامحوني على كل لحظة كنت ابن عاق لكم… أنا أسف حقا… لن أكون ذلك الابن العاق مرة أخرى اعدكم بذلك"
قال ابي :" سامحناك يا بني فليس لدينا ما هو اغلى منك "
و قالت أمي :" لم ازعل منك يوما يا صغيري"
جعلني كلامهم اشعر كم كنت شخصا سئ بشكل مريع معهم.. لا يستحق الوالدين ان يعاملهم أحد بتلك الطريقة أبدا مهما حدثحينها قل جزء كبير من شعوري بالألم و لكنه مازال يؤلمني قليلا
انتظرت اليوم التالي و نهضت لاذهب ل" مالك " الولد الذي تنمرت عليه بالأمس
عندما رأني رأيت الكره في عينيه و قال :" اجئت لتتنمر على مرة أخرى ؟!"
قلت له :" لا.. جئت لأعتذر و اعوضك عن كل مرة تنمرت فيها عليك"
نظر لي متعجبا ثم قال :" اتلك لعبة جديدة تلعبها انت و اصدقائك علي ؟"
قلت :" لا صدقني… انا اعتذر منك حقا… وجئت لارجو منك السماح"
فكر "مالك" للحظات ثم قال مبتسما :" حسنا لقد سامحتك "
أدركت حينها كم هو شخص طيب فبالرغم من تعدد المرات التي تنمرت فيها عليه ففي المقابل سامحني في لحظات بأبتسامة… فقلبه الأبيض الكبير لم يستحق أبدا اي لحظة حزن جعلته يعيش فيها… ابتسمت له أنا أيضا و حينها خف الألم قليلاذهبت أنا وهو بعد ذلك لأرى أصدقائي و عندما رأوه ضحكوا و قال احدهم :" كيف علمت اننا نشعر بالملل يا أنس "
قلت :" ماذا تعني؟"
فقال ساخرا :" جلبت لنا أضحوكة لنتسلى "
حزن " مالك " و كان سيذهب فاستوقفته ثم نظرت للمتحدث و قلت " مالك ليس أضحوكة… لقد أصبح صديقي الان"
فقال أحدهم :" إذا أصبح هو صديقك… فلا تصادقنا بعد الان فلن نصبح اصدقاء لاضحوكة "
قلت بثقة :" بالطبع لن أصبح صديق لاضحوكة"
نظر لي " مالك " متفاجئ
فضحكوا قائلين :" أتركه إذا و تعالى معنا "
قلت :" و لكنني كنت اقصدكم آنتم بال(اضحوكه)"
ثم نظروا متفاجئين متعجبين و لكنني قلت :" هيا بنا يا مالك هؤلاء لا يستحقوا إضاعة وقتنا"
حاولت أن أصلح كل شئ في ذلك اليوم و ساعدني مالك على ذلك واعتذر من كل من قلت أو فعلت له شيئا سئ
أصبحت في اليوم التالي لا اشعر بالألم و استطعت اخيرا ان اخلع الحذاء ولكن العجيب إن قدمي كانت سليمة لا أعلم أن كان إصلاح نفسي داوى جروحي أم إنها لم تجرح أبدا و كان العقاب شعور فقط… ولكن هذا لا يهم… المهم إنه جعلني اتغير
كنت ارتديه كل يوم عند خروجي فذلك الحذاء كان أجمل هدية حصلت عليها… ولكن عندما كنت ارى حال من كانوا أصدقائي كنت أحزن… لذلك قررت ان اهدي هذا الحذاء لأحد منهم كي يتغير للأفضل هو أيضا… فلن يتغير أحد إلا بعد أن يدرك كم هو سئ… أخذت الاذن من أبي لفعل ذلك ثم ذهبت بالحذاء لاعطيه لأحد أصدقائي القدماء مع مالك.. فلقد أصبحا أنا و" مالك" بعد ما حدث أعز أصدقاءسألني مالك حينها :" لماذا تعطيهم هذا الحذاء… إنه عزيز عليك كنت ترتديه دائما ولم ترد أن ترتدي غيره أبدا ؟"
قلت :" لإنه ليس مثل أي حذاء…هذا حذاء أرسله لي القدر من شخص حكيم… نقطة تحول في حياة من يرتديه….إنه حذاء رسلان… وقد حان الوقت ليصبح حكاية شخص آخر "
