الفصل الأول

460 6 0
                                    

الفصل الأول :
رفعت خصلات شعرها بخفة و مسحت قطرات العرق التي ظهرت على جبينها ، فقد كان أحد الأيام الأشد حرارة و بالبرغم من حبها الشديد لعملها الذي بدأته منذ سنتها الأولى في الجامعة و هاهي تكمل سنتها الثانية إلا أنها تنهدت بتعب ، فمنذ وفاة صاحب المكتبة السابق و أخذ زوجته العجوز مكانه و هي ترهقها بالعمل فلسوء حظها كانت مهووسة نظافة و لا يمر أي يوم بالأسبوع إلا و هي قد نظفت جميع الرفوف ...
رن هاتفها معلنا عن وصول رسالة ، و ما أن قرأت إسم المرسل " حبيبي " حتى إرتسمت إبتسامة واسعة على شفتاها ، و أخذت تقرأها بهمس : " مستنيكي قدام المكتبة ، عشان أروحك "
رمت الفوطة التي كانت تحملها بين الكتب و ركضت للداخل تحمل حقيبة اليد الخاصة بها ، ثم إتجهت نحو السيدة حنان صاحبة المكتبة لتقول : مدام حنان ، أنا خلصت شغل النهاردة ممكن بعد أذن حضرتك أستئذن
رمقتها حنان بنظرتها المعتادة ( الصارمة ) : ممكن يا آنسة ، بس حاولي متتأخريش بكرة زي ما حصل النهاردة
أومأت لها مبتسمة ثم خرجت مسرعة ، لتنهض حنان من مكانها مسرعة حتى تراقب عملها ...

ما أن رأته حتى إبتسمت له بخجل ، ليقترب منها قائلا : إزيك يا حبيبتي ؟
- تمام الحمد لله و أنت يا سفيان ؟
سفيان : بخير يا رهف ، بس أنتي مش عاجبني وشك مرهق و شكلك تعبانة
و ما أن انفرجت شفتاها حتى ترد عليه حتى قاطعها قائلا : مش انا قلتلك يا حبيبتي بلاش منه الشغل ده ، مش كفاياكي دراسة
ليعبس وجهها قائلة : ما أنت عارف إلي فيها يا سفيان ، لو مش هشتغل هسمع كلام ملهوش أي لازمة من منى
سفيان بغضب : أنا مش عارف أبوكي وقع ع الست دي إزاي !
لتقاطعه قائلة : عيب يا سفيان ، حتى لو هي مش طايقاني بس هتفضل مرات أبويا و أم أخواتي البنات و مرضاش الكلام عليها
توقفا امام البناية التي تسكنها رهف مع والده و زوجته و أخواتها ، ليلتفت سفيان لها مبتسما ثم يقول و هو يقرص خدها باصبعه برقة : يا ناس جايبة القلب الطيب ده منين
لتضحك رهف بخجل ثم تودعه ذاهبة ل ( منزلها ) بينما يتبعها سفيان بعيناه مبتسما و ما أن تحرك مبتعدا حتى رأى أخت رهف ( ندى ) التي تصغرها بسنة واحدة تنظر له من النافذة بغضب ، نظراتها التي لم يفهمها أبدا ...

ما أن صعدت اول درجات البناية حتى ظهر امامها ذلك الذي تنبذه منذ أول لحظة رأته بها ، قطع طريقها مقتربا منها فقالت بصوت يكاد يسمع : إبعد يا خيري عن طريقي
ليبتسم و هو ينظر لها بطريقة مقززة قائلا : إيه ! مش سامع ، علي صوتك شوية يا مزة أصله زي صوت الهدير
نظرت له بغضب و حاولت إبعاده ليمسك بيدها ، فترتعد من لمسته و تقول : لو لمست شعرة مني مرة ثانية يا خيري ، هقول لأختك منى و تشوفلك حل يا مقرف
ليضحك بصوت عالي : تصدقي خفت منك يا قطة
أبعدته عن طريقها و ركضت نحو البيت بينما هو يصرخ خلفها : بمزاجي يا قطة ...

- أخيرا شرفتي ، يلا غيري هدومك و تعالي ورايا المطبخ
لم يكن هذا إلا ترحيب زوجة والدها بها ، لتغمض رهف عيناها بقلة حيلة و تدخل لغرفتها فهي لا تريد أن تمسك منى أية خطأ منها و تضعه أمام والدها ...
و ما أن ألقت حقيبة يدها على سريرها , حتى دخلت ندى للغرفة بدون إستئذان
لتلتفت لها رهف و تقول : في إيه يا ندى ؟ عايزة حاجة !
لتصرخ بها ندى قائلة : يا بجاحتك يا شيخة ، مش مكسوفة من نفسك يعني
رهف بعدم فهم: في إيه يا ندى ، هو أنا عملتلك إيه ؟
لتضحك ندى بغيض : عملتيلي أنا ، ده أنت عملتي للعيلة كلها
لتدخل منى في تلك الأثناء على صوت صراخها : في إيه ؟ صوتك عالي ليه يا ندى ؟
ندى : تعالي يا ماما ، و شوفي البيئة إلي عامللنا فيها محترمة ، شفتها من البلكونة و هي في حضن سفيان و بيبوس خدها كمان أكملت جملتها و هي تنظر لها بتشفي
لترتبك رهف قائلة : أنا أعمل كده ؟ ده كان
لتقاطعها منى صارخا و هي تمسكها من شعرها بقوة : و لسه هتقولي حاجة و هتفتحي بقك ، مش كفاية قاعدة على قلبي من سنين لا كمان عايزة تشوهي سمعة البيت إلي قاعدة فيه ، و تشوهي صورة بناتي إذا أنتي متعودة على الكلام ده من خالتك و يا عامل أمك كمان احنا طول عمرنا الشرف كله
لتدفعها رهف بقوة عندما ذكرت والدتها المتوفاة و خالتها التي تعزها كثيرا : أنا ممكن أسمحلك أنك تتطاولي عليا أنت و بنتك ، لكن يوصل الموضوع لأمي مستحيل أسكت ، أمي إلي أنت عايشة ف البيت إلي جهزته طوبة بطوبة و للأسف ملحقتش تعيش فيه أيامها الحلوة عشان سبب أنتي عارفاه كويس أما خالتي فهي أشرف من الشرف و محدش يقدر يتكلم عليها حرف واحد حتى
لتضحك منى بسخرية و تقول : أه الشرف ، ضحكتيني يا بنت سعاد ع أساس مكناش شايفينها ايام ما كانت حامل و يا عالم رمت إبنها فين يعني مش كفاية عار و قلة أصل
تجمعت الدموع في عيناي رهف ، ثم حملت حقيبة يدها و أبعدت منى و ندى عنها قائلة : إبعدوا عن طريقي
و ما أن خرجت من غرفتها حتى وجدت والدها أمامها : رايحة فين ؟
مسحت دموعها مسرعة ثم قالت : أنا كنت رايحة لبيت خالتي ، وحشتني من فترة و عايزة أزورها يا بابا
علي : مفيش خروج
رهف : بس يا بابا
ليقاطعها قائلا : بقلك أدخلي اوضتك ، و انت يا منى تعالي أتصلي بأم سفيان ، حددي معاها معياد الفرح مفيش داعي يطول أكثر من كده
لنتظر له رهف بذهول ، غير مصدقة فطالما أتخد هذا القرار يعني أنه سمع مشاداتهم الكلامية لكنه لم يفعل أي شيء غير تسريع زواجها من سفيان ! إذن فقد صدق ما قيل عنها ...

دخلت ندى إلى غرفتها و هي تشعر بالغضب الشديد ، فبدل أن تضع رهف في مأزق ، هاهي تفتح الباب أمامها حتى تتزوج سفيان الرجل الذي لطالما حلمت به منذ أن وقعت عيناها عليه أثناء عمله في أحد محلات الصاغة حتى أنها أصبحت تتردد كثيرا للمحل بسبب و بدون سبب لعلها تجذب إنتباه فارس الأحلام الذي سارع بعدها بشهور بخطبة أختها الكبرى التي كانت تعمل في أحد المحلات المجاورة لمكان عمله ...
لتدخل ورائها أختها أحلام صاحبة الثانية عشر عاما و اختها الصغرى نور التي تصغر الأخيرة بعامين ...
أحلام : هو إيه الي حصل يا ندى ؟
لتقول نور بعدها بحزن : هي رهف هتمشي من البيت و تسيبنا ؟
لتتمتم ندى قائلة : يا ريت ثم تكمل بصوت مسموع لهما : إسمعي أنتي و هي ، رهف مش أختكو هي بنت أبويا من مراته الاولى ، أنا أختكو الكبيرة فاهمين
أحلام : بس !
لتقاطعها قائلة : قلت إيه ؟
أحلام و نور معا : أنت أختنا يا ندى

ليلا ...
كانت الدموع تغطي وجهها بالكامل ، بينما تحتضن الوسادة محاولة كتم شهقتها من حين لأخر أثناء بكاءها ...
فعندما تحدثت منى مع والدة سفيان ، لم تحصل على الإجابة التي ترضي والدها بل مثلما إتفقا منذ البداية فسفيان غير جاهز أبدا للزواج ...
و عندما هاتفته ، لم يكن رأيه إلا منقولا من حديث والدته فرغم حبه الكبير لها ، لا يناقش الحاجة خديجة في القرارات ...
ليتأخذ والدها قرارا أخيرا بمنعها من العمل حتى يقرر سفيان الموعد الذي يناسبه ... لكنه لم يسمع منها ، لم يسمع تبريرها ، لم يسمع أي شيء ...

أرائكم في أول فصل ؟ الرواية هذه فكرتها عندي من فترة طويلة جدا و كاتبة نص أحداثها على الورق ، حماسي ليها فوق الوصف 🙏 أتمنى تعجبكم ⁦❤️⁦
قراءة ممتعة ⁦⁦❤️⁩

دوائر العشق { حكايات بنات }حيث تعيش القصص. اكتشف الآن