~3~

515 37 66
                                    

السادسة إلا ربع صباحاً، السماء صافية، موشحة بألوان الشروق البديع، ما بين أزرق الليل الداكن، والبرتقاليّ الشمسيّ، والتدرجات ما بينهما، وانعكاس الأشعة فوق حبات الندى الصافية، والنسيم المنعش المشبع برائحة ساعات الفجر الأخيرة، صباح مثالي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، يرد الروح كما يقولون.

لكنه وعلى عكس ما يكون من سرور عادة في هذا الوقت، كان بائساً حزيناً، يجر حقائبه ببطء خلفه ليضعها في صندوق السيارة الخلفي، وقلبه معلق بباب غرفة سيهون المغلقة منذ البارحة، لايمكنه التراجع، ولا يمكنه المضي قدماً.

عالقٌ في دوائر الحيرة، وألم يفتك بفؤاده، لا يمكنه ترك سيهون خلفه، ولا الذهاب بدونه، أو على الأقل وهو غاضب منه، لا يمكنه ترك الأمور معقدة والإنسحاب!

وللمرة السابعة يصل باب الغرفة ينوي الدخول، ويرجع خالِ الوفاض، يذهب ويعود ويدور في دوائر مفرغة، بلا نتيجة أو تقدمٍ ملحوظ، وقبضته متكورة بقوة، تائه لا يعرف ماذا يفعل، خائف من ترك سيهون وفقده كما ترك زوجته سابقاً وفقدها، فسيهون أخر من بقي له...وبسببه ولأجله يعيش، لا سبب أخر يبقيه حياً غيره.

ولأن الرابط بين القلبين المحبين قوي، خرج سيهون من غرفته شارداً مستسلماً، وكأنه شعر بتردد كاي وخوفه، ورحِمه من عذاب واقع، لهف قلب الثاني واقترب منه بتوْقٍ يطالع وجهه الحزين بحزم، في فمه كلام يأبى الخروج، وفي قلبه رغبة باحتضانه.

-ستأتي صحيح؟
سأله كاي بصبابة جليّة، يرجو أنه اتخذ القرار الصائب وقرر الذهاب معه، ليريحه من تأنيب الضمير، وينقذه من دوامة الأفكار العنيفة.

نظر له سيهون ببرود وتعالٍ، ثم هفَّ شعره الأسود الحريري للأعلى بغرور وقال بتعجرف: اتبعني بحقائبي. ومشي أمام كاي متمختراً بدلال، وعلى ظهره تمركزت حقيبته الصغيرة، بحلق كاي بخياله مطولاً وابتسم، ألف طلب مثل هذا الطلب.

لذا سارع بإخراج حقائب سيهون المُعدة مسبقاً، ولحقه إلى السيارة مسرعاً بعد أن أغلق الأبواب بإحكام، ووضع الحقائب مع خاصته، وبادر بالجلوس في مقعد السائق مبتهجاً بمرافقه سيهون، الذي لم يعر بهجته أي اهتمام، بل أشاح بوجهه عنه وشرد في العالم وراء النافذة.

-أحضرت لكَ الحلوى التي تحبها، كنت متأكداً أنكَ لن تتركني أرحل وحدي.
قال كاي بابتهاج وابتسامة واسعة وهو يناول سيهون الكيس البلاستيكي الملون المليء بالحلوى، أخذه الثاني بتهكم وعبوس، وأدار المسجل ليصدح بأغنيته المفضلة، ويطالع كاي ببرود من خلف نظاراته السوداء، ثم يعود إلى ما كان عليه قبلاً.

لم يعترض كاي، ولم يبدي أي رد فعل منزعج، بل ازدادت ابتسامته اتساعاً، يحب عناد سيهون وحركاته الطفولية!

لم يعترض كاي، ولم يبدي أي رد فعل منزعج، بل ازدادت ابتسامته اتساعاً، يحب عناد سيهون وحركاته الطفولية!

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.
تايتان||Taitanحيث تعيش القصص. اكتشف الآن