إلى ذاتي الفوضويه :
الهرب غير مستمر سيصفعك الحائط بنهاية الطريق, لا تملك قدرة على تسلّقه و لا هدمه لأنه "حائط الحقيقه" الذي ظننت نفسك تجاوزته طوال تلك السنوات, النقاشات المؤثره,الحوارات المفتوحه,المشاريع المؤجله,النصائح المتجاهله و جميع ما هو قيد الإنتظار سيصفع وجنتك الرطبه! لاشيء قابل للنسيان الأبدي كل ماهو مضمور و متخفي سيطغى .
دموعك,أعصابك,حتى القدر الضئيل من السعادة المضمورة ستطفوا على ملامح وجهك و لا يمكنك الهرب منها .. لن تجدي الأقنعة نفعها و لن تختفي الندوب و إن جفت الجراح!
أهرب .. خذ وقتك في الركض .. لا تلفت للخلف .. أمضي قدما قدر المستطاع لأن نهاية مارثونك هو "حائط الحقيقة ".
يظل والديك يحثانك على الإلتزام بالدين و تستمر انت في تجاهلهما حتى تقع في حفرة لن ينتشلك منها غير الله, لكنك تتجاهل فضله و تستمر في الركض,اللهو,الإنغماس في الذنوب.. حتى تقع في حفرة أعمق ستدعوا الله ان يساعدك كما المرة الماضية و يستجيب الله لدعائك و ينقذك, تستمر انت في اللهو و تجاهل العبادات و لايزال الله مستجيبا لك إلى ذاك اليوم الذي تنقبض فيه روحك .. عندما تسترجع ذاكرتك أيام حياتك في خمس ثوان و يتذوق جسدك عذاب القبر في الحفرة الأبدية إلى يوم البعث .. تجلس الذنوب على كفة الميزان الرابحة و تخسر الكفة الأخرى "كفة الحسنات" تجتاحك الحسرة و الندم و تدرك وقتها قيمة نصح والديك .. عندما يصفعك حائط الحقيقة الذي طالما هربت منه في دنياك..
و غير والديك الكثير, يظل المعلم يحثك على المثابرة في دراستك بينما انت مستمر في تجاهله كما تتجاهل منبه الصباح و زقزقة العصافير فجرا .. ستهرب من كونك إنسان فاشل لا قيمة له,تتجاهل ملاحظات أقاربك رغم النقص الذي تتعايش معه,تلعن من يستصغر ذاتك و ذاتك أصغر في الحقيقة,مشبع بالخطأ من رأسك حتى اخمص قدميك و لا تبالي,ستتخذ من الظروف و الإمكانيات و الأشغال و غيرها من الحجج عذرا لك و لكن ذاتك لن تغفر .
تأنُ ذاتك بصوت خفيض مرتعش :"انقذني انا اغرق في البرك, انا بلا هوية .. اعترف بي ارجوك"
صوت ذاتك واضح لكن ذهنك المشوش و الصخب الذي يملأ عقلك هو من أطمسه!
فعلت الكثير من أجل الناس, متى يحين الوقت لتفعل من أجلك!
تخطيت مرحلة الطفولة,لم يعد يغذيك حليب الأطفال,تغلبت على وحوش الكرتون,تعلمت دخول الحمام لوحدك,لم تستهويك لعبة الغميضة و صرت أستاذا في اللباقه و المجاملات..
أصبحت وحدة مجتمع لها حقوق و عليها واجبات,مهوس بالأفلام الأجنبيه و أخبار الفنانين,و مثقل بالأعمال المتراكمة ..
ضمن الرعيه في مؤخرة القطيع او ربما تتصدر أوله "هذا لا يهم لأنك ضمن القطيع مع النسخ المتشابهة" يستيقظون باكرا أيام العمل و يطيلون النوم في العطلات _و كأن الحياة تقتصر على مدرستك أو مكان عملك_ تقع في صنف الأغلبية و تمارس حياتك كما يفعل الآخرون .- كيف تقضي أيامك!
= مملة جدا .
- أجل أنا كذلك..أرأيت متشابهون و مشتركون في نفس الأحلام حتى!. الوالد شغله الشاغل هو الحصول على وظيفة ذات معاش تؤمن مستقبل أبنائه, الأم مهمتها المكوث بين جدران المنزل و القيام بالأعمال المنزلية و عناية الأطفال و قد تضطر للتخلي عن نزهة او احتفال مع الصديقات في سبيل قيود العائلة, أما المراهقون فترتبط أغلب أحلامهم بالتحرر من قضبان العائلة و الوطن و الأخلاق أحيانا, بينما يتمنى كبار السن ان يدفنوا في حضن الوطن ..
اخلق لنفسك عالما مختلفا في زمن يكثر فيه التشابه .
لماذا تهرب من ذاتك! انت لست جيدا و لست سيئا أيضا, كل ماعليك هو مصادقة ذاتك .
حان الوقت المناسب لتنطلق كصاروخ يتجاوز الغلاف الجوي, متجها إلى الفضاء حيث البعد, من للأرض الرماديه إلى الكواكب و المذنبات و النجوم ..
إرتكب الجنون,أرقص و غني حتى يكسر زجاج النوافذ, أغطس في المحيطات و جاري الأمواج الهائجه, ارسم و إن لم تمتلك الموهبه إكتفي بالخطوط و الدوائر, اقرأ حتى يصاب رأسك الصداع, أكتب ما يجول في خاطرك و لا تحبسه في حنجرتك, سافر بين الغيوم و انت مستلق على فراشك المهترئ, افتح لعقلك مجال التفكير و الإبتكار و الخيال, تعلم مهنة تحبها أو اكتسب خبرة "إلقاء النكات مثلا" ,حافظ على علاقاتك اللطيفه مع الأصدقاء, خصص عشرة دقائق بعد منتصف الليل لصلاة القيام, عش برضى و طور من قدراتك, اضحك,اقرأ,اضحك,اقرأ,اضحك,اقرأ حتى تشيب و تتجعد ملامحك, افعل ما تهواه و أخرج من المألوف .
لحظة صراحه :
إستئنف هذه اللحظه و اجعلها خالية من الزيف و النفاق , سألتك سابقا لماذا تهرب من ذاتك! لكنك لم تجب , المواجهة صعبة و لذاتك حق ؛ سأترك لك حرية الإجابة ..
إزفر عنك النفاق و إستنشق الصدق .. نحن في شهر تموز عند الساعة العاشره مساءاً .. أمواج البحر هادئة و نسمات الهواء منعشة و خفيفة .. على رمال الشاطئ و تحت ضوء النجوم نتحدث .. الملوحه تعبق المكان .. أغمض عينيك و أيقظ جوارح الخيال .. حيث يتضارب الموج في خجل من الهدوء السائد .. رائحة البحر تسكن كهفك الصغير "أنفك" .. مذاق المياه المالحة كزّ منه لسانك .. ملمس الرمال هو الأحن و الأدفئ .. لحظة إسترخاء .. لحظة راحه .. لحظة صراحه ..
تنفس بعمق و أخبرني إن كنت راضيا عن مسيرتك أو لا؟
لا نهاية للطرقات ؛ كلها متفرعة و متصلة ببعضها .. مهما سرت و توقفت و سرت و تقدمت فأنت في أول الطريق ، أمامك خيارين إما مواصلة السير أو الإنعكاف لطريق فرعي يناسبك .. لا إختيار يسع التراجع و لا توجد عوده لنقطة الصفر .. كل شيء يمهد لك الإستمراريه و لا أحد يستمر في العيش !.._أغلق الكتاب و صلي على رسول الأمة، لا تكمل معي إن أصابك القلق و لا تعد قرائته مرة أخرى ، وصولك إلى هنا يعني أنك لامست ما أكتب و تأثرت به .. إلى هنا و كفى_.
أحب المتمردين أمثالك ، الذين إن أوصيتهم بالإكتفاء جاعوا لإلتهام المزيد من الحروف المركبة ، الكلمات المفككة انت من يصوغها .
سأعلمك سري الذي لم يعد سرا بعد الآن ..
لقد مشيت مع القطيع لخمسة عشر عاما في سلام و إعتيادية .. الإنحراف عن مسيرتهم يتطلب شجاعة و لم أكن شجاعة بما يكفي !
هوجمنا ذات مرة و حاولنا الدفاع عن بعضنا حتى نجونا ، تعرضنا لهجوم حاد المخالب في المرة التى تليها ، دافع عني القطيع لكنني تخليت عنه .. هربت و استمريت في الهرب .. إلى أن ارتطمت بحائط الحقيقه .. تلمست جمجمتي و تنهدت بأريحية ؛ لم تتهشم رغم الألم .. ها أنا أكتب بسوداوية و روحي مفعمة بالشغف و الألوان و الحياة .. على رأس الألم تعرفت على ذاتي ، بحثت عن ميزاتي و تقبلت عيوبي ، هكذا انحدرت إلى منعطف الرضى .
في الختام دعني أخبرك أن : وراء كل شخص عظيم تجارب عظيمة ، امنح ذاتك حق التجربه و انطلق ..
تم الإنشاء بتاريخ ٢٠٢٠/٧/١٣
مع تحياتي لكم…
مُنى محمود أبوختالة .