إهداء…..
إلى مقاومتنا الباسلة …..إلى الأسرى في سجون الاحتلال
إلى شهداء القضية الذين رو بدمائهم تراب هذا الوطن
إلى شعب الجزائر وكل بلاد المغرب العربي …إلى أحرار العالم
كما ابرق شكري الخاص إلى من ساندتني في عملي هذا الكاتبة المغربية بشرى المعلوم كل الشكر والتقدير لها
مع سلامي الخالص من ارض فلسطين لمقر سكناها ب مدينة سيدي بوعثمان /مراكش المغرب.
عائد للوطن
بلغو شوق قلبي للديار
لقبر أبي عمار
وقولي لذاك التراب
لن أصمت
مادام في الفم لسان
لن أصمت وبيدي قلم
سأكتب أشعاري
على الطرقات
ستحاكي خطوات
من هنا من هذا الرصيف
سأصنع لي جدار
أعلق عليه الأشعار
من يافا من حيفا من غزة
سأجمع شتات الكلمات
ما تبقى من أشلاء
سأعبر كل الحدود والمعابر
رغما عن ذاك الصهيوني
أنادي من خلف الأسلاك
ونظرة الشوق تصرخ
تكسر الجدار
أنا آت إلى ظل عينيك
من مخيم اليرموك ….من جباليا من النصيرات
من المغازي من دير عمار
أنا آت من كل مكان
لجأت فيه مهجر الديار
أنا آت إليك يا فلسطين
وبالقدس سأحتفل بأول ديوان
في حبك يا جميلة البلدان
من أشعار الكاتبة بشرى المعلوم المغرب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحب والحرب وجهان لعملة واحدة بك يا فلسطين
الحب وهو في طبيعته شيء جميل شعور بالسعادة ورغبة في الانطلاق بحرية نحو أفق الحياة يدفعك لتقاوم أشد الصعاب رغبة مقاوما عقبات الحياة الملقاة في طريقك الحب نعمة ربانية تحيي القلوب الجافة وحتى الميتة منها وان قلنا فلسطين فأي حب أقدس من حبك يا فلسطين حبك رغم كل هذا الدمار والحصار ستظلين بحب شعبك صامدة تقاومين تغسلين سواد سمائك المغتصبة وتزرعين على شفاه أطفالك بسمة العيد وفرحت الربيع كل المواسم بك جميلة رغم كل هذا الدمار.
أحمد شاب فلسطيني مكافح، طويل القامة، أنيق المظهر ابيض البشرة ، متفوق بدراسته حصل على معدل مجموعه 94.9بالثانوية العامة فكان الأول بين أقرانه وهو كغيره من الشباب يطمح لتفوق بكل أمور الحياة والالتحاق بالجامعة لإتمام دراسته الجامعية بأحسن جامعات الدول العربية ولما لا حتى الدولية.
فرح احمد كثيراً، وفرح أهله، وأصدقاؤه، وأهل قريته وأقاموا له حفلاً في وسط القرية، بدأ المهنئون يتوافدون إليه؛ لتهنئته بهذا النجاح والتفوق ، حقق أحمد أول أحلامه، وهو التفوق في الثانوية العامة، وكحال الكثير من أبناء الشعب الفلسطيني، فإن ظروف أحمد المادية، لا تسمح له بتحقيق أحلامه بسهولة؛ لذلك بدأ أحمد يعمل في قطاع البناء، حتى يوفر قسطه الجامعي، عمل أحمد شهرين في احد البنايات ببلدته فكانت هذه الأشهر تمر ببط ء شديد ممتزجة تعبا وأحلام بريئة تصبو لمستقبل أفضل .
في يوم من أيام دوامه بالعمل، وقف احمد ليرتاح قليلا ممر يده على جبينه المبتل عرقا ، فأخذته أفكاره بعيداً إلى هناك، إلى مقعده في الجامعة، إلى ساحات الحرم الجامعي، فابتسم بسمة جعلت عيناه تشع أمل لتزيح عنه كل ذلك التعب وتمنحه شي من الراحة لفكره المرهق فجأة صاح صوت داخل تلك الأمنيات أيقظه لواقع مرير صوت معلم البناء، ينادي عليه :
هييي احمد وقت العمل لا وقت التفكير
نعم نعم قادم
عاد المسكين إلى عمله وقد تدلت أعضاء جسمه المرهقة على أكياس الاسمنت ترجوها الراحة لعلها تكون احن من الزمن عليه.
أنهى أحمد عمله الساعة الرابعة عصراً، وذهب إلى بيته دخل ليستحم غسل عنه الإسمنت الذي علق بجسده، أحس وكأنه يزيل عن جسده المنهك، كل تلك الأوجاع والآلام، وتناول وجبة ً لذيذة من يدي أم أحمد، كانت أم أحمد قد أعدت له المسخن، وهو أكلة فلسطينية لذيذة، ألقى بجسده المتعب على سريره ونام بعمق بعد يوم عمل شاق في البناء، فالعمل في البناء مرهق جداً، وهو غير معتاد عليه، أراح أحمد جسده لبعض الوقت.
استيقظ على صوت جرس البيت، سمع أمه تقول:
تفضل بني سأوقظه الآن، فقد حان موعد صلاة المغرب، دخلت أم أحمد الغرفة، وقالت : هانت مستيقظ يا أحمد جاء علاء لتذهبا سوياً إلى المسجد, أجاب أحمد ومازال ينفض عن عينه النعاس بيديه: حسناً يا أمي ها أنا قادم,ونهض من سريره رغماً عنه وكأنه يحمل أثقال الدنيا على كتفيه، توضأ وذهب مع صديقه علاء إلى المسجد،التقى أحمد في المسجد ببقية أصدقائه، وبعد الصلاة، قضى وقتاً جميلاً معهم، خفف عنه بعضا مًن أعباء الحياة.
وبعد عودته إلى البيت، فتح جهاز اللاب توب الخاص به، ليلقي نظرة على حسابه الشخصي أخذ يقلب الصفحات، لتقع عيناه على خبر يقول أن هنالك منح دراسية لطلبة الثانوية العامة المتفوقين في دولة عربية وبدأ أحمد بقراءة الخبر بكل تفاصيله، وكأنه غريق وجد طوق النجاة، وما إن تأكد من صحة الخبر حتى هاجت عيناه دمعا حجبت عن نظره تتمة الأسطر، فصاح كالطفل فرحا يجوب الغرفة شمالا يمين ويرجع ليحدق مليا بالخبر وهو ينادي أمه الحضور بأقصى صوته ،حضرت مسرعة تدرك جنون ودلها مستغربة ،فصاح فرجت يا أمي فرجت واخبرها سر فرحه فسقطت دمعة من عينها وحضنته لصدرها معانقة إياه وهي تغزد من شدة فرحها حتى التفت حولهم كل العائلة.
قام أحمد في اليوم التالي بكل الإجراءات الرسمية ، وانتظر بفارغ الصبر،الرد على طلبه بالحصول على المنحة ،وفعلاً بعد عدة أيام حصل أحمد على الرد ، فتح أحمد بريده كالعادة ؛ليتفقده،لعله يجد رداً، فظهرت رسالة من الموقع الذي تقدم من خلاله بالطلب فتح أحمد الرسالة ويداه ترتجفان،داعيا ربه التوفيق ،فكان له ما طلب بتيسير من ربه بنيله القبول بالجامعة برسالة محتواها ؛ مرحبا احمد لقد توصلنا بطلبك ونهنئك على تفوقك مقعدك بالجامعة الأمريكية بلبنان يناديك ،مسيرة موفقة والسلام . مرت أيام قليلة بعد قبوله بين تحضير وتجهيز من لوازم تسجيل وسفر
حضر أحمد حقيبته،وهو يعيش حلم الدراسة في الجامعة ،يفكر ويتخيل كيف ستكون الجامعة،ويخطط لمستقبله ،كانت أم أحمد تقف تتأمل ابنها ،فتارة تبكي فرحاً ؛لأن ابنها سيحقق حلمه ،وتارة تبكي حزناً ؛لأنه سيفارقها ،ودع أهله وكل المقربين من قريته ،وانطلق بسيارة الأجرة إلى الجسر،والجسر هو الحدود المصطنعة، التي وضعها الاحتلال بين فلسطين والأردن الشقيق ، نظر أحمد إلى قريته مودعا ً لها بأعين ذابلة ،وكله إصرار أن يعود إليها،وهو يحمل شهادته بيده،حتى تفتخر به،فصار ينشد بصمته قصيدة عذبة شجية :
رح رجعلك يا وطني
وحبك بقلبي يشهد شوقك قبل غيابي
رح ارجعلك وبيدي شهادة
لكون فخر لك يا وطني
ووعد إلك وعد الحر عبادة
بعرف الشوق قاسي
والله ما تفرق جبيني سجادة
رح ادعيلك يا وطني
الله يحميك من الشر والأذى
رح اشتاق للحارة للعمة والجارة
وحضن امي وابو محمد
رح اشتاق لصلاة بك يا قدس
وشوقي شعل ناره
أتمم إنشاده وعيونه غارقة بالدموع حتى بكت لكلماته الطيور والشجر ولان كل ما بالأرض من صخر .
وصل أحمد إلى الجسر،واعتبره نافذة ينظر من خلالها إلى المستقبل الذي يتمناه ولكن هيهات أن يتركه الاحتلال، يعيش حلمه دون أن يقض مضاجعه جلس أحمد ينتظر دوره للدخول،وعندما حان دوره نظر الجندي الصهيوني إلى هويته ،وبمجرد أن قرأ اسمه حوله إلى غرفة،جلس أحمد على كرسي في تلك الغرفة ينتظر،كانت هناك طاولة أمامه،وكرسي آخر في الجهة الأخرى للطاولة أحس أحمد ببرودة الغرفة، وظلمتها رغم وجود ضوء ،كانت ملامح وجهه توحي بالتعب،تنظر إليه فترى نظرات القلق تبدو على محياه فقد أتعبته الهموم رغم صغر سنه أخذ يفكر ماذا سيفعلون به هل سيقتلون حلمه ،هل سيرجعونه ، جلس ينتظر وكأن عاما ً مرّ عليه فنظر إلى ساعته لم تمر سوى ساعتين ،ولكنها كانت كأنها دهر،نفض أحمد عن نفسه الخوف والقلق وذكر نفسه بقوله تعالى:-(قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون).
في هذه اللحظة نزلت على روحه السكينة،وهدأ روعه ذلك هو تأثير كلام الله في نفس المؤمن صحح أحمد جلسته فإذا بباب الغرفة يفتح دخل رجل يرتدي الزي العسكري، وقال:- (صباح الخير يا أحمد) رد عليه أحمد:-(صباح النور).
جلس الضابط الصهيوني على الجهة الأخرى من الطاولة وهو يتصفح ملفا ً بيده، وقال:- (أحمد هاد أنت صاحب مشاكل، ماذا تفعل إلى أين أنت ذاهب؟) أجابه أحمد وهو واثق بربه، فقد استمد قوته من كلام الله أجاب:- (لقد حصلت على منحة دراسية، وسأذهب لأكمل دراستي)، استمرت المقابلة لمدة ساعة وضابط المخابرات يوجه أسئلته لأحمد، يبحث عن أي شيء ليوقع أحمد، ولكن أحمد بتوفيق من الله، وبذكائه استطاع أن ينجو من هذا الضابط اللعين نهض الضابط من مكانه، وقال وهو يقطب حاجبيه:-(رح نسمحك تروح أحمد، بس مابدنا مشاكل فاهم).
بدت علامات الغضب على وجه أحمد، ولكنه ضبط أعصابه، وخرج من الغرفة، متوجها إلى شباك الجوازات، لإتمام إجراءات مروره .
وانطلق في رحلته نحو المستقبل، متوكلاً على ربه مصمماً على تحقيق حلمه، لم يكن أحمد يعلم ما تخبئه له الأيام.
وصل أحمد في ساعة متأخرة، كان مرهقا أنهكه السفر، ما إن وطأت قدماه أرضية مطار بيروت بلبنان حتى أحس بشوق شديد لوطنه وكأنه غاب لسنوات حمل حقائبه وغادر المطار متجها نحو ممر الخروج استقل سيارة أجرة إلى عنوان سكناه أوصله السائق إلى العنوان الذي حددته له الجامعة ، من شدة تعبه لم يلتفت لشيء لا لشكل البناية ولا لعدد الدرج وكان انتباهه قد دخل في سبات عميق ، استقبله أحد الطلاب القدامى مرشدا إياه سريره بالغرفة لم يتبادلا أطراف الحديث كثيرا وتركه ليرتاح فارتمى احمد على سريره بعدة مشقة ونام.
وفي اليوم التالي استيقظ من نومه، كان في غاية السعادة، نهض من سريره نشطاً، اغتسل وصلى صلاة الفجر، وأثناء سجوده شكر ربه على هذه النعمة العظيمة، وتناول فطوره، رن المنبه في الساعة التاسعة صباحا لقد حان موعد ذهابه إلى الجامعة؛ ليكمل إجراءات التسجيل، دخل أحمد بوابة الجامعة تعجب من حجم الجامعة، وجمالها. ووقف حائراً، أين يذهب؟ وماذا سيفعل؟
كان مرتدياً البذلة الرسمية ذات اللون الأسود رافعا شعره معطراً برائحة شذية
أخذ أحمد يمشي في ساحتها وبين الكليات على غير هدى، تعب أحمد، وجلس تحت شجرة في الساحة في هذه الأثناء، كان عبد الرحمن أحد طلاب الجامعة متجها ً إلى قاعة المحاضرات عندما لمح أحمد، الذي بدت عليه ملامح الحيرة، تقدم عبد الرحمن ومد يده لسلام قائلا : (السلام عليكم) رد أحمد : (وعليكم السلام).
هل تريد شيئا؟:سأله عبد الرحمن هل أنت بحاجة إلى مساعدة؟
رد احمد بسرعة كطفل ضائع نعم أخي بحاجة إلى من يرشدني لمقر التسجيل أجابه على الفور (على الرحب ).
ثم سأله من أين أنت تبدو غريباً عن المنطقة أجاب : أنا فلسطيني أتيت للدراسة في الجامعة لقد حصلت على منحة دراسية، وأصدقك القول أني تائه، فمنذ الصباح وأنا أبحث عن مكتب التسجيل، قال له الشاب بلهفة:(أهلا بك، وبكل فلسطين وأهلها، أنا عبد الرحمن من الجزائر نحن نحب فلسطين كثيراً).
أحمد والابتسامة تعلو وجهه (وأنا أحمد تشرفت بمعرفتك ونحن نحبكم كثيراً).
أخذ عبد الرحمن أحمد إلى الكافتيريا، وجلسا يحتسيان كوباً من القهوة، وتبادلا أطراف الحديث، وفيما بعد توجها إلى مكتب الإدارة؛ لإتمام إجراءات التسجيل بعد الانتهاء شكر أحمد عبد الرحمن على المساعدة التي قدمها له، قال عبد الرحمن:(هذا أقل ما أقدمه لأخ لي من فلسطين)، وتبادلا أرقام هاتفيهما، وافترقا على موعد اللقاء في اليوم التالي.
وهذا ما سار عليه الصديقين فأصبحا يلتقيان يومين وكأنهم أصدقاء منذ زمن وفي الأسبوع الأول لدراسة بينما كان احمد رفقة صديقه عبد الرحمن متجهين صوب مقهى الطلاب بالجامعة لمحت عينا عبد الرحمن أخته ياسمين وصديقتها الفلسطينية فاطمة.
فتمتم قائلا احمد لست الفلسطيني الوحيد هنا، كيف لم افهم، سأخبرك لأختي صديقة فلسطينية يجلسان هناك هيا لأعرفك بهم،وقف الصديقين معا على طاولة ياسمين وصديقتها والقيا التحية معا فردتا بدورهم السلام ثم دعتهم ياسمين الجلوس فتبادلا أطراف الحديث وتعرف كل من احمد وفاطمة على بعضهم البعض وفي حديثهم فخرا وعزة لنتمائهم إلى فلسطين .
وفي اليوم الموالي بينما كانت فاطمة وصديقتها يصعدان الدرج لقاعة المحاضرة لمحت احمد فتبادلت شفاههم بسمة خفيفة من بعيد، عندما رأت ذلك الشاب يمشي بكل أناقته، بلحيته التي زادته جمالا ورجولة كان رائعا ً بكل تفاصيله، وهو يمشي مع عبد الرحمن شقيق ياسمين ، لاحظت ياسمين نظرات فاطمة المعجبة بالشاب الجديد، وقالت لها، وهي مبتسمة ما بك يا فاطمة؟
أحمر لون وجه فاطمة، وكأنه حبة فراولة
وأجابتها وهي تشعر بالخجل:لا شيء ياسمين، لماذا تسألين؟
أجابتها ياسمين مبتسمة: لماذا أحمر وجهك إذا؟
آه والآن فهمت إني أشم رائحة فلسطين وخاصة عطر احمد يا فاطمة
جرتها من يدها ودخلتا حجرة المحاضرة
جلست فاطمة وصديقتها جنبا لجنب بالمحاضرة، وتفكيرها مشغول بأحمد ، ولكن بكل تأكيد فإن فاطمة بنت فلسطين، فتاة خلوقة وذات دين، لا تسمح لنفسها بارتكاب أي خطأ لذلك لم تقابل أحمد، تتحدث إليه، إلا لدقائق عندما تلتقي ياسمين بأخيها أحيانا بالجامعة ، فقد كان يدرس احمد وصديقه عبد الرحمن شعبة مختلفة عن فاطمة وصديقتها لهذا لا يلتقيان إلا ناذرا ،
بدأ أحمد حياته الجامعية، وبدأ دوامه اليومي في الجامعة، كان أحمد طالب مجتهد، يحضر المحاضرات، ويتابع دروسه في البيت، ويعمل بساعات فراغه بمطعم جوار السكن الجامعي مرت سنة على هذا النحو وسار احمد يتأقلم مع جو الجامعة وحياته الجديدة،التقى احمد عبد الرحمن بالجامعة فاخبره انه سمع أن هناك ندوة مفتوحة بوجه الجميع للعلوم السياسية بالجامعة ينظمها أستاذ جامعي بهذه الشعبة ،ستحضرها فاطمة وأخته ا ن أحب الحضور، فرافقه احمد والتقيا بالأخت وصديقتها تم دخلا سويا الندوة،فالتقت نظرات احمد وفاطمة من جديد لتزيح عيونها بالأرض وتوردت وجنتاها خجلا، لاحظت ياسمين نظراتهما وابتسمت لبراءة صديقتها
وقالت:(كيف أنت يا أحمد)، ارتبك أحمد المسكين، وأنزل نظره إلى الأرض وأجابها: (الحمد لله)، خجلت فاطمة كثيراً، استدركت ياسمين الموقف وقالت :(لم يبقى لبداية المحاضرة إلا بضع دقائق ستكون شيقة إن شاء الله ).
بدأت المحاضرة، والحديث كان يدور حول الحروب العربية مع إسرائيل، استهل الدكتور الحديث قائلاً: (لقد وقعت حرب بين ستة دول عربية والصهاينة في بداية بنائهم لما يسمونها دولة إسرائيل، هزمت ستة جيوش عربية في حربين متتاليتين وسمي بعدها جيش إسرائيل، الجيش الذي لا يقهر).
لم يستطع أحمد تمالك نفسه ووقف واستأذن من الدكتور وتحدث قائلاً: (إن إسرائيل دولة مزعومة، أقيمت على جثث الأطفال والنساء بدعم غربي، وتخاذل عربي ومن يظن أنه جيش لا يقهر، فليأتي إلى فلسطين، ويرى كيف أن جنودهم المدججين بالسلاح، يهربون من أمام أطفال لا تتجاوز أعمارهم الخامسة عشرة عاماً، إنها دولة ضعيفة(أراد الدكتور أن يحرك النقاش)، سأل: ما اسمك يا بني،
أجاب أحمد: اسمي أحمد.
فقال:(برأيكم من يؤيد رأي أحمد)؟
رفع الطلاب أيديهم دون استثناء مؤيدين. قال الدكتور:(إذاً لماذا ما زالت فلسطين تحت الاحتلال؟(رفعت فاطمة يدها مستأذنة):لأن العرب متخاذلين، واستسلمنا لهم، اقصد العرب، فنحن في فلسطين قاومنا بكل ما أوتينا من قوة، ألم ترى ملحمة مخيم جنين؟ وكيف أن مخيماً صغيراً استطاع هزيمة جيش بأكمله، بدباباته وطائراته، هدم المخيم ولكنه لم يستطع، النيل من مقاومته،فالمقاومة مازالت مستمرة هكذا فعل مع كل مدن الضفة،
في هذه اللحظة، تحدث عبد الرحمن (وقد استخدم الصهاينة نفس الأسلوب أثناء اجتياح عام 2002، فهم جبناء جداً ليقاتلوا وجهاً لوجه،
غزة العزة خاضت حربين متتالية في كل حرب تفاجئهم المقاومة الفلسطينية، مرة بسلاح جديد، ومرة بصاروخ، وأخرى بطائرة بدون طيار، ترعب أركانهم، وتدمر معنوياتهم، الفرق بيننا وبينهم أننا نقاتل على حق نبتغي رضا الله، وهم يقاتلون على باطل، يبتغون الحياة الدنيا، وشتان بين الاثنين،
وبالطبع لابد أن تتحدث ياسمين هنا فهي تعشق فلسطين وأهلها، ورأينا كيف أن الجنود الصهاينة، كانوا يصرخون تحت أقدم المقاومة في ناحل عوز، وكيف أن هم خطفوا الجنود من دباباتهم،
تأثر جميع من بالمحاضرة بكلامهم، وخاصة الدكتور، الذي قال نعم صحيح، اليوم الفلسطينيون أكثر وعياً من ذي قبل، وأيقنوا أن باستطاعتهم أن يطوروا أسلحتهم بأيديهم، وأثبتوا ذلك في عدة مواقف، وأصبحوا يعتمدون على أنفسهم لا ينتظرون الجيوش العربية، التي صدئت أسلحتها، اليوم يصنعون سلاحهم بأنفسهم،
أضافت فاطمة :(أنا من غزة، إسرائيل تحاصرنا منذ عشر سنوات، لأننا اخترنا خير المقاومة، ونرفض كل الحلول السلمية، التي تمس بثوابتنا الوطنية التي ضحى من أجلها كل الفلسطينيين مابين مستشهد وجريح وأسير ومحاصر يمنع عنا الكهرباء ويقمن بتجويعنا، وتغلق كل المعابر أمام المرضى والطلبة، يحرمونهم الحق في العلاج الذي بسببه استشهد الكثير من الفلسطينيين على المعابر. اسأل كل معابر فلسطين ستجيبك أرواح معلقة عليها سببها خذلان العرب وبطش المحتل.
انتهت المحاضرة، وأثناء خروجهم
قال الدكتور لأحمد وأصدقائه: أعجبني انتمائكم لفلسطين، ووعيكم بقضيتكم،
وكيف تدافعون عنه، سيتم تحرير فلسطين على يد أمثالكم، من الشباب الواعي والمخلص لدينه، وقضيته، وفقكم الله يا أبنائي.
بعد المحاضرة الشيقة خرج أحمد وصديقه عبد الرحمن إلى الكافتيريا، كان الشابان متحمسان جدا جلسا وطلبا كوبين من الشاي، قال أحمد والحنين والشوق، قد أخذ منه كل مأخذ، ارتشف رشفة من كوبه، وقال :(آه يا عبد الرحمن، كم أشتاق لأمي كثيرا وللشاي الذي تعده ذكرتني رائحة الشاي، بذكريات كثيرة)
عبد الرحمن: وكيف هي فلسطين؟ أخبرني عنها ، وعن المسجد الأقصى،
تنهد أحمد وقال:فلسطين آه ما أجمل فلسطين إنها جميلة بأهلها الطيبين، بأصالتها، بشجر الزيتون برائحة الزعتر تعبق في المكان، إني لا أرى أجمل منها، بيتنا الذي تشتم فيه رائحة الأجداد، وجباله الشامخة، كشموخ المقاومة أما القدس فماذا أقول لك عن القدس؟ إن الأقصى يأن تحت وطئه الاحتلال،والتدنيس والتهويد،كل يوم يتم تدنيسه من قبل قطعان المستوطنين، منعونا من الصلاة فيه إلا فئة كبار السن،حرمونا رؤيته ولكن هيهات فنحن أبناء فلسطين،نرفض الذل،كنت أقفز فوق الحواجز والأسوار،وأسير بين الحارات،حتى أصل إلى القدس،وأرى المسجد الأقصى وقبة الصخرة وأصلي فيها وهناك المرابطات من القدس وما حولها،ممن يستطيع الوصول للمسجد الأقصى يدافعون عن الأقصى أمام قطعان المستوطنين،بأرواحهم وتكبيراتهم التي تعلو في المكان،عند دخول الصهاينة لساحات المسجد. أخرج أحمد هاتفه وأخذ يقلب الصور حتى وجد صورته في المسجد الأقصى،وقد كتب عليها،دخلت القدس، وصليت بالأقصى، رغما ً عن أنوف الصهاينة،ضحك عبد الرحمن عندما قرأ ما كتبه أحمد وقال:(أنا أعشق القدس دون أن أراها،وسنحررها بإذن الله.
أحمد: عبد الرحمن حان وقت المحاضرة لنذهب،
عبد الرحمن: قبل الذهاب للمحاضرة أود أن تشرفني الليلة على العشاء
أحمد: شكراً لك، ولكن لا أريد أن أثقل عليكم،
عبد الرحمن: لقد صدر القرار وانتهينا، الليلة ستتناول العشاء عندنا
أحمد وهو يضحك: حاضر سيدي
ضحك الاثنان، وانطلقا لحضور المحاضرة، بعد الانتهاء من المحاضرة، تواعدا على اللقاء أمام سكن أحمد،
حل المساء توجه عبد الرحمن إلى مكان سكن أحمد، وأحضره إلى بيته حيث أعدت أم عبد الرحمن بمساعدة ياسمين ، أطباقا شهية بين ما هو لبناني وجزائري، تناولا الطعام، شكر أحمد عبد الرحمن وعائلته على العشاء وجلسا لتناول الحلوى والشاي بشرفة المنزل، وبدا يتبادلان أطراف الحديث.
كان عبد الرحمن متشوقاً لمعرفة المزيد عن فلسطين، وقد أحب طريقة حديث أحمد عن فلسطين، استهل الحديث بقوله: كيف أحوالكم في الضفة؟
أجاب أحمد: الضفة هي الشموخ والانتفاضة، هي جبل النار، هي شهداء والمشاعر تفيض منه شوقا ً إليهم، ولتجمعهم معاً على مائدة الإفطار.
اشتقت ل أبو احمد: ذاك الرجل طويل القامة الذي يميل شعره إلى البياض الموقر يبلغ من العمر خمسين سنة ذو البشرة الحنطية ،اما أم احمد فهي طويلة قليلا بشرتها بيضاء لا تفارق الابتسامة وجهها خاصة بوجود احمد تبلغ من العمر أربعون سنة.
إخوان احمد: محمد يصغر احمد بسنة متفوق في دراسته ابيض البشرة اخضر العينين
محمود: أصغر العائلة متوسط في دراسته لديه موهبة لعب كرة القدم ويعشق مشاهير كرة القدم العالمين،
أما البنت أماني : فتاة جميلة بيضاء البشرة متفوقة في دراستها تميل لكتابة القصص القصيرة تدرس سنة أولى جامعة بفلسطين.
اخبره عن كل عائلته فردا فرد وعبد الرحمن يحدق به وهو كله أذان صاغية منبهرا به خاصة لما علم ان ذلك المهندس شاعر أيضا
سلامي لكم يا أحبائي من هذه الشرفة
أبعت لكم سلام
لعل الريح توصل ما ب من شوق
فيحدث الوصال
لكم مني أعطر السلام
مر منتصف الليل ولازال احمد وعبد الرحمن يتحدثان وبرودة المكان وهبتهم شيء من الراحة
مرت السنة بمرها وحلوها وتلتها سنتان حيت قضى احمد بلبنان ثلاث سنوات دون أن يزور أهله لضر وفه القاهرة داعما نفسه بنفسه وكما العادة اجتاز احمد تلك السنوات بتفوق بدراسته وأيضا توطدت العلاقة بينه وبين صديقه عبد الرحمن وعائلته وصارت بينه وبين فاطمة قصة حب جميلة منحته دعما وكانت له حافزا لتجاوز صعاب الغربة
وبوسط السنة الرابعة في عطلة الربيع قرر احمد أن يتقدم لخطبة فاطمة من بيت عمتها التي تقطن أيضا بلبان وهي سيدة متوسطة العمر متزوجة بدكتور لبناني اخبر فاطمة بقراره بعد أن اعلم أهله هاتفيا برغبته في خطبة فاطمة فرح الكل واستعد أبو احمد وزوجته دخول لبنان لخطبة فاطمة
ولكن هل سيتركهم الاحتلال يعيشون فرحتهم وكلنا نعرف الإجابة، فالاحتلال لا يدع الشعب الفلسطيني، يعيش فرحة دون أن ينغص عليه، بأي شكل من الأشكال،
بعد وصولهم لشباك التفتيش على الجوازات، منعوا والد أحمد من المرور، وذلك بحجة، أنه ممنوع من السفر لأسباب أمنية.
لقد كان والد أحمد أسيراً محرراً، تم الإفراج عنه في صفقة وفاء الأحرار الأولى.
حزن أحمد كثيراً وغضب غضباً شديداً، فوالده لن يتمكن من حضور خطبته، والسبب أولئك الجبناء، قامت أم أحمد بتهدئته، وانها ستأتي بمفرها فرح احمد فرحا ناقص فقد اعتاد على ذلك وتمتم قائلا بعيون مبتلة ناراً ستحرق بني صهيون في يوم ما
ازداد كره أحمد للصهاينة، وفي قرارة نفسه، كان يرد د دائماً، (سننتصر عليكم وستخرجون من هذه الأرض الطاهرة ذليلين).
وصلت أم احمد لبنان بعد صلاة العشاء؛ فالرحلة بالطائرة، لم تستغرق سوى بضع ساعات، فاصطحبها ابنها رفقة صديقه لتناول العشاء ليلتها بضيافة أم عبد الرحمن وزوجها الجزائري ، وطمأنوا الأهل على وصولها بالسلامة لأرض لبنان .
وفي اليوم التالي جلس كل من بالبيت ملتفين حول أم احمد وكأنها فرد من العائلة يضحكون ويتمازحون
نطق عبد الرحمن شرفتينا يا أم أطيب صديق عندي وهو مقبلا يدها
أم أحمد: الله خليك يا ولدي، لقد شكر أحمد بك كثيرا وقد أحببتك قبل أن أراك،
عبد الرحمن: هذا من طيب أصله وأنا أحببتك يا خالتي كثيراً، وأريد منك طلبا، أريد أن تقومي بطبخ المسخن، فمن كثرة ما يخبرني عنها أحمد، أريد أن تذوقها
أم أحمد:تكرم عينك يا ولدي،
أحمد: دائماً همك الأكبر هو بطنك،
ضحك الجميع.
قال أحمد: أمي أخت عبد الرحمن، وهي صديقة فاطمة
أم أحمد: من خلق ياسمين يظهرانك عرفت تختار
ياسمين:والله يا خالة فاطمة مثل الملاك
أم أحمد: نريد منك أن ترتبي لنا موعداً مع عمة فاطمة، حتى نذهب لزيارتهم
ياسمين: حاضر خالتي سأرتب موعداً غداً بإذن الله.
أم أحمد:توكلنا على الله، اللهم اجعله خيراً. ثم قامت رفقة أم ياسمين خلينا نعمل المسخن للأولاد لو ما في مانع
تمدد أحمد على سريره، واضعاً يده تحت رأسه كالعادة، وسرحت به أفكاره،
غد اً سأرى فاطمة آه كم اشتقت لها، لا أصدق نفسي، سأتزوج الفتاة التي أحببتها، وبقي المسكين العاشق، على هذه الحال حتى غلبته عيناه ونام أخيراً.
رتبت ياسمين لأحمد وأمه موعداً، مع عمة فاطمة وذهبوا إلى بيتها.
دق أحمد الباب، وهو متشوق لرؤية حبيبته فتحت عمة فاطمة الباب، حزن أحمد فقد خاب أمله ظن أن فاطمة ستفتح لهم الباب، استقبلت عمة فاطمة أم أحمد بحفاوة وأدخلتهم إلى الصالون.
جلس أحمد، وبدأ الحديث بين أم أحمد وعمة فاطمة، كان أحمد جالساً جلسة العاشق المشتاق يترقب دخول حبيبته من الباب،وهو على أحر من الجمر غائبا عن الحوار ، يتصنع الاستماع لحديثهن، ولكنه في الحقيقة كان يفكر بحبيبته، ولماذا لم تظهر حتى الآن؟
دخلت فاطمة إلى الصالون، وأحمد كان ينظر إلى الأرض مشغول التفكير قالت فاطمة بخجل شديد: السلام عليكم، رد أحمد بسرعة قبل الجميع وعليكم السلام، وبالطبع صافحت أم أحمد وقبلتها، وجلست، لم يستطع أحمد أن يواري نظره عنها، فو مشتاق لها كثيراً، أم أحمد أخذت تتحدث معها، وما زال أحمد ينظر إليها انتهت الزيارة على أن يتم الرد على طلب خطبتهم خلال أيام حتى تتم استشارة والد فاطمة في الوطن
عاد أحمد إلى سكنه الجامعي بعد أن اخذ أمه لبيت أم عبد الرحمن فقد أصرت أن تجلس بضيافتها كل مدة مكوثها بلبنان .
مرت الأيام بطيئة، وكل يوم يتصل أحمد بياسمين، ويسألها إن كان هناك رد من أهل فاطمة، وتكون الإجابة بالنفي.
بعد عدة أيام، رن هاتف أحمد وكان المتصل عبد الرحمن: السلام عليكم ، أحمد: وعليكم السلام
عبد الرحمن: بدي سمعك شي
احمد: خير إن شاء الله
عبد الرحمن : خير والله خير بدي الحلوان،
أحمد: هيا تكلم
اختلطت الأصوات بالهاتف وأم احمد سمعتوا زغروته وياسمين تصيح مبروك احمد أهل فاطمة وافقوا
أحمد بفرح شديد: الله يبشرك بالخير، يا وجه السعد اطلب أي شيء، كيلو كنافة، أي شيء.
وهما يضحكان فرحا أغلق أحمد الهاتف
وباليوم الموالي مر احمد على أمه وأم صديقه ليصطحبهم معه لبيت عمة فاطمة لتحديد موعد الخطوبة، وبالفعل تم تحديد موعد للخطوبة وعقد القران، وفي يوم الخطبة، وبعد عقد القران، جلس أحمد بجانب حبيبته، وأمسك يدها، وقال: وأخيراً لقد أصبحت خطيبتي، يا لكم تمنيت هذا اليوم، الحمد لله.
ابتسمت فاطمة خجلاً،
وتوالت الأيام، وعادت أم أحمد إلى فلسطين وعاد أحمد وفاطمة إلى جامعتهما، فقد اتفق الجميع، على أن يكون الزواج بعد تخرجهما من الجامعة.
كان الحبيبان يلتقيان، في الجامعة، بالكافتيريا او أمام قاعات المحاضرات ويخرجان معا لتناول الغداء في المطعم، أمضيا أياماً جميلة معاً.
وفي أحد الأيام،
في ساعات المساء، اتصل عبد الرحمن بأحمد؛ ليطمئن عليه، فقال له: أحمد تعال لزيارتي؛ حتى نتسلى قليلا ونتكلم، فأنا لم أرك منذ فترة، فقد أخذتك خطيبتك منا أو أنك ربما لا تريد أن تطعمني من المقدوس الذي صنعته خالتي أم أحمد، قال ذلك وهو يضحك،
ضحك أحمد وقال: تعال أنت، إلى بيتي فقد اشتقت لك كثيرا وتكرم عينك أبو بطن كبير، سأطعمك من المقدوس الذي صنعته أمي.
)ففي فترة الخطوبة استأجر بيت ليعده سكنا لزواجه بفاطمة فهذه السنة الخامسة ولم يبقى لتخرجه سوى سنة واحدة(
عبد الرحمن: ما دمت ستطعمني مكدوس فلسطيني، سآتي فوراً، أحمد: أهلاً وسهلاً بك، سأكون بانتظارك.
جلس أحمد ينتظر عبد الرحمن، وهو يجهز له عشاء فلسطينياً مكدوس ولبنة بزيت الزيتون،
طرق عبد الرحمن الباب، وأدخله أحمد وكان قد جهز الشاي،
دخل عبد الرحمن وقال: آه رائحة الشاي.
أحمد: تفضل، أكبر همك بطنك، أليس كذلك؟ تعال لقد وضعت العشاء أمام التلفاز
عبد الرحمن: ما شاء الله، لبنة بزيت فلسطيني، هيا اجلس أريد أن آكل
ضحك الاثنان، وجلسا يتناولان الطعام، ويشاهدان أحد القنوات الفلسطينية.
كان هناك تقرير عن المقاومة الفلسطينية
عبد الرحمن يسأل أحمد: من هم المقاومون؟ وكيف يتم اختيارهم؟ وهل هم جيش؟
أحمد: هم أبناء الشعب الفلسطيني من خيرة الشباب، متعلمون ومثقفون، عمال وموظفون، أساتذة جامعة ومهندسون، يتم اختيار من يحب وطنه،
وينتمي إليه، وعلى استعداد أن يموت من أجله، وفي سبيل التحرير وعودة الحقوق لأصحابها، وأن يكون ذا أخلاق.
عبد الرحمن: يا الله لو أنني جندي معهم، أقاتل كما يقاتلون، واستشهد في سبيل الله، ومن أجل الأقصى، وأروي بدمي تراب تلك الأرض الطاهرة.
أحمد: اصبر ففي علمنا ندعم المقاومة؛ فالمتعلم أول من يقاوم، وآخر من ينكسر.
بينما هما جالسان يشاهدان التلفاز، إذ بخبر عاجل أسفل الشاشة
مصادر إسرائيلية تتحد ث، عن تسلل عدد من المقاومين، داخل موقع إسرائيلي، شمال القطاع واشتباكات تدور في المكان، أحمد وعبد الرحمن: الله أكبر الله اكبر حي الله المقاومة، وبعد عدة دقائق خبر عاجل، مقتل عدد من الجنود، وخطف آخر، واستشهاد اثنين من المقاومين، وبدا بالتكبير مرة أخرى.
اتصل أحمد بفاطمة، وأخبرها ما حدث في غزة.
فقالت: نعم أنا أتابع، حي الله المقاومة.
بدأت الحرب وهي حرب 2014 أطلقت عليها المقاومة "حرب العصف المأكول"
بعد ساعة تقريباً أعلن عن الحصيلة النهائية للعملية مقتل خمسة جنود، واختطاف سادس، واستشهاد مقاومين، وانسحاب باقي أفراد الخلية بعد قليل إذ ببيان لأحد الفصائل الفلسطينية يتبنى العملية وينعى الشهيدان وإذا بأحد الشهداء هو شقيق فاطمة الأكبر.
ما إن سمعت فاطمة بالخبر، بدأت بالبكاء اتصلت بوالدتها لتتأكد من الخبر
رد عليها شقيقها الأصغر، فقال: نعم استشهد أخي في العملية قالها وهو يبكي: بيتنا ممتلئ بالناس، أتون يهنئونا، باستشهاده، ويقفون بجانبنا.
هذا هو الشعب الفلسطيني يحيون المقاومة، وما قام به أخي أروع مقاومة، قررت فاطمة العودة إلى غزة، بصحبة عمتها. ذهب أحمد لمواساتها، وبعد أن قام بتهدئتها بعض الشيء، طلبت منه السماح لها بالعودة إلى غزة.
فقال لها أحمد: تمهلي قليلاً، فالوضع متوتر، والمعابر مغلقة، وإسرائيل تستعد للهجوم على غزة؛ لاستعادة الجندي المختطف، بالإضافة أن إسرائيل لا تسلم جثامين الشهداء، الذين ينفذون العمليات، يبقونهم في الثلاجات، كنوع من الانتقام، ويحرقوا قلوب أهلهم، قالت فاطمة وهي تبكي: أحمد لا أستطيع الانتظار، أتمنى أن تسمح لي بالذهاب .
أحمد: حسناً كما تشائين، بدأت فاطمة بتجهيز نفسها؛ للذهاب إلى غزة بصحبة عمتها، أوصلهم أحمد إلى المطار، حيث ستنقلهم الطائرة إلى مطار العريش المصرية.
ما إن وصلت فاطمة إلى مصر، بدأت إسرائيل هجومها الجو ي العنيف على قطاع غزة، المعابر مغلقة، وفاطمة محجوزة على معبر رفح، لا تستطيع العودة ولا الدخول، وأحمد لا يستطيع فعل شيء، أخذ توتر أحمد يزداد وخوفه الشديد على حبيبته فاطمة يفقده أعصابه، يحاول أحمد الاتصال بفاطمة، وبقي على اتصال مستمر معها، أعصابه منهارة.
عبد الرحمن بجانبه، ويحاول تهدئته، اصبر يا أخي ما بعد الضيق إلا الفرج.
قال أحمد: إذا بدأت الحرب على غزة، وبدأ الاحتلال بالقصف سيدمرون ويقتلون عبد الرحمن: (قل لن يصيبنا إلا ما كتب ا لله لنا). جلس الاثنان يشاهدان الأخبار.
المذيع: قامت الطائرات الإسرائيلية، بضرب عدد كبير من المباني السكنية، والتجمعات المدنية، والمقاومة تدك المدن الصهيونية، وتضرب عمق الأراضي المحتلة، وتوقع عدد من الإصابات والقتلى جلس أحمد وعبد الرحمن كل يوم يتابعون الأخبار، ويشاهدون أشلاء الأطفال، وعشرات الشهداء يسقطون يومياً، من النساء والأطفال.
المذيع: والمقاومة تشتبك مع الاحتلال على الحدود وتوقع عشرات القتلى من الجانب الصهيوني، بعمليات إنزال خلف خطوط العدو، والاشتباك من نقطة صفر.
أحمد وعبد الرحمن: (الله أكبر، الله أكبر).
المذيع: شعب الضفة ثار لغزة، بعدة عمليات فردية، ما بين عمليات الدهس، والطعن في مناطق مختلفة، ومسيرات متجهة إلى حواجز الاحتلال وفي نابلس جبل النار، خرجت عدة مسيرات للتنديد بالعدوان على غزة وتهتف تأييداً للمقاومة، وتنتهي هذه المسيرات بالاشتباك مع الجنود، بين ضرب للحجارة من قبل المتظاهرين، وإطلاق نار من قبل الصهاينة، استشهد شاب، وأصيب عدد آخر، اتصل أحمد بأهله، ليطمئن عليهم، لأن المسيرات كانت قريبة من بلدته، أخبره والده أن شقيقه محمد، أصيب برصاصة في المواجهات، على حاجز حوارة، جنوب نابلس.
أحمد فقد توازنه، أمسكه عبد الرحمن الذي كان يقف بجانبه، فمنذ الأحداث وهو لا يفارق أحمد، استرد أحمد توازنه، وقال:أخي في المشفى، لقد أصيب بعيار ناري، في المواجهات الأخيرة.
لم يعلم أحمد ماذا يفعل، أخوه مصاب وحبيبته محجوزة على المعبر، وأهل فلسطين، أهل غزة الحبيبة ما بين جريح وشهيد، آه إنه مصاب كل فلسطيني، وجرح كل عربي حر وشريف, الشهداء يسقطون يومياً، بفعل آلة الحرب الصهيونية، في اليوم الخامس للحرب، تم الإعلان عن هدنة إنسانية بين الاحتلال والمقاومة، لعدة ساعات، لإدخال الاحتياجات الطبية لمشافي القطاع، تم بموجبها، فتح معبر رفح، لبضع ساعات فحسب تمكنت فاطمة من الدخول إلى القطاع، ووصلت البيت استقبلها والدها، وبدا بالبكاء، ركضت إلى داخل البيت باحثةً عن أمها، وجدتها جالسة في غرفة أخيها تحتضن ملابسه، وتشمها وتقبل صورته، احتضنت والدتها بقوة،وانخرطتا بالبكاء، ووالدتها تقول ذهب الغالي يا فاطمة، وتجهش بالبكاء، أمسك والد فاطمة بها واحتضنها وقال لأمها :(لقد سبقنا للجنة، الله يرضى عليه).
وجميع الأهل جاؤوا للسلام على فاطمة،وبدؤوا بالبكاء معهم، موقف أبكى الحجر، لم تقوا فاطمة على البقاء واقفة، فجلست على الكرسي، وأمسكت قميص أخيها واحتضنته بقوة.
وقفت بعدها رغماً عنها وخرجت، نظرت فإذا كل شيء حولها مدمر، بيوت مدمرة طائرات استطلاع، صوت يزن في السماء، وسيارات إسعاف في كل مكان العائلات تترك بيوتها، وتذهب للمساجد، ولمدارس الغوث.
أحمد بقي مشغولا على فاطمة، اتصل بها عدة مرات ولكنها كانت في حالة لا تسمح لها أن تجيب على الهاتف، ازداد قلقه ولكنها ما لبثت أن اتصلت به بعد أن هدأت قليلاً، وطمأنته على حالها، اطمئن أحمد على حبيبته، ولكن عقله بقي مشغولا على أخيه محمد، الذي كان موجود في المشفى، وبجانبه عبد الرحمن يحاول طمأنته، والتخفيف عنه، وقف أحمد حائراً، ماذا يفعل؟ ينظر إلى ما يحدث في فلسطين، من حرب ودمار، قتل للأطفال والنساء، قصف للبيوت حتى وصل بهم الإجرام حداً
لا يوصف، فقاموا بقصف المساجد، والمدارس التي تأوي المشردين، وقصف المستشفيات، التي تعج بمئات المصابين؛ بفعل القصف. فكر أحمد وفكر كيف يمكن أن أقف بجانب أهل غزة، خطرت في باله فكرة، وبسرعة اتصل بصديقه عبد الرحمن، وطلب منه أن يلتقيا في أحد الأماكن العامة، جلسا، وقال أحمد: عبد الرحمن، لا يمكن أن نبقى مكتوفي الأيدي، نشاهد قتل أهلنا، ولا نحرك ساكناً عبد الرحمن: أنا أوفقك الرأي، والله إن قلبي يعتصر ألماً، ولكن ماذا نفعل؟
أحمد: نحن نمتلك صوتنا، نمتلك أقلامنا، نمتلك أن نؤثر في الشعوب، المثقفين الطالب المتعلم، نمتلك أقوى سلاح، سلاح الإيمان والدعاء، والتضرع إلى الله، بأن ينصر غزة وفلسطين، يجب أن نحشد الجماهير، ونخرج لنسمع صوتنا للعالم، بأن أهل فلسطين ليسوا وحدهم بدأ أحمد وعبد الرحمن، بحشد الجماهير من داخل الجامعة، ومن خلال تنظيم الندوات واللقاءات، والنشر على مواقع التواصل الاجتماعي، واتفقوا على تنظيم مسيرة كبيرة تخرج من الجامعة، باتجاه العاصمة، تهتف للمقاومة وغزة، وتلعن كل متخاذل عن نصرة فلسطين، والتنديد بمن يشارك بحصار أهلنا في غزة، وبدأت تلك الفعاليات تنظم يوميا ً, وانتقلت من داخل أسوار الجامعة إلى الخارج، فهي ليست مقتصرة على الطلاب، بل اشتملت على جميع قطاعات الشعب، من طلاب وعمال ومهندسين وأساتذة الجامعات، ومؤسسات المجتمع المدني، وأحزاب سياسية، بعد انتهاء إحدى الفعاليات المناصرة لأهلنا في غزة، قال عبد الرحمن: أحمد لا يجب أن نكتفي فقط بالشجب والاستنكار، وتنظيم الفعاليات، يجب أن نوصل شيئاً للأهل في غزة، من مستلزمات طبية، وطعام وحليب للأطفال,
أحمد: معك حق يا عبد الرحمن يجب أن نقوم بشيء عملي، وفي ذلك اليوم نظما فعالية لجمع التبرعات لمساندة أهل غزة، ألقى أحمد كلمة، قال فيها: أيها الشعب الحر، شعبنا في غزة، يقتل ويجوع ويحاصر؛ لأنه اختار خيار المقاومة، يجب أن ندعمه بكل شيء، طعام ومستلزمات طبية، ندعمهم مادياً ومعنوياً بكل ما نستطيع. بدأت الحملة، ولم يحل المساء، إلا وقد تم جمع الكثير من التبرعات من أموال وطعام، ومواد طبية، وقد قامت إحدى المستشفيات الخاصة، بالتبرع بكافة المستلزمات الطبية، وعدد من سيارات الإسعاف، والنساء تبرعن، بحليهن من الذهب، لدعم أهل القطاع الحبيب, فرح أحمد وعبد الرحمن فرحا ً كبيراً لنجاح التجمع الشبابي الذي أقيم من أجل فلسطين، وما حققه من دعم شعبي، مادي ومعنوي, أحمد ذهب إلى البيت في ساعات الليل؛ ليرتاح بعد يوم متعب وشاق، لكنه رغم الألم والإرهاق، لم يستطع النوم؛ فالتفكير في فاطمة لازمه، كان مشتاق لها كثيراً، وأخذ يتساءل؟كيف هي الآن؟ وكيف هي حياتها؟ ماذا حدث لها؟ هل ما زلت على قيد الحياة أم أنها أصبحت من الشهداء؟ تلك الأسئلة لازمت أحمد ولم يستطع النوم حتى ساعات الصباح الأولى، نام وهو يفكر بحبيبته فاطمة.
في اليوم التالي توجه أحمد إلى الجامعة، وفي أثناء المحاضرة اهتز الهاتف الجوال، فإذا هي مكالمة من حبيبته، عندما رأى اسمها شعر أن روحه ردت إلى جسده، وأنه عاد للحياة، فهو يتصل بها منذ أيام، وهي لا تجيب. أحمد كان غير قادر على الرد؛ لأنه في المحاضرة، كانت رغبته شديدة، بأن يخرج ويرد عليها، ولكن لا يمكنه مغادرة المحاضرة، كان في شوق لسماع صوتها، والاطمئنان عليها، وكيف هو حالها، هناك الكثير من الأسئلة، التي كانت بحاجة ملحة للإجابة، ينتظر أحمد انتهاء المحاضرة بالثانية، كانت فاطمة في هذه الأثناء تأخذها أفكارها، وتتساءل، لماذا لا يجيب؟ ما الذي يشغله؟ غضبت فاطمة كثيرا وتركت له رسالة قد عدت للبنان وألقت الهاتف أنهى أحمد دوامه، وانطلق مسرعاً إلى البيت، استحم، ورتب نفسه، وأخذ يضع العطر، فهو ذاهب لمقابلة حبيبته التي عادت من شراك الموت
وصل إلى بيت عمة فاطمة، طارقا الباب على مهل لتفتح له فاطمة الباب ، فنظر إليها أحمد وكأنه يراها لأول مرة فقد تزينت،وكانت تلبس فستاناً طويلاً ذا أكمام قصيرة ورفعت شعرها،بقي ينظر إليها بدهشة حتى سمع صوت عمتها تقول: تفضل يا بني، دخل أحمد وجلس، كان يفكر،كم هي جميلة فاطمة، وخلوقة،حمداً لله أن رزقني زوجة مثلها .
عمة فاطمة: قبل ذهابنا إلى غزة كنا سنتحدث بأمر الزواج لكن وقع ما وقع ومع ذلك نحمد الله فقد اعتاد الفلسطينيين أن يشيعوا شهيدا ويزفون عريسا بليلة واحدة
أحمد: نعم يا عمتي، أريد بعد إذنك تحديد موعد الزفاف، لأقوم بترتيب الأمور، وإحضار أهلي إلى هنا.
عمة فاطمة: حسناً يا ولدي حدد الموعد الذي يناسبك.
أحمد: بإذن الله سيكون في التاسع عشر من هذا الشهر.
عمة فاطمة: توكلنا على الله. سهر أحمد ليلتها في بيت عمة فاطمة. في اليوم التالي، اتصل أحمد بأهله، وأخبرهم عن موعد الزفاف، وأخبره والده، بأنه سيحضر هو ووالدة أحمد لحضور الزفاف، وبعد عدة أيام، بعد ترتيب كل ما يلزم، توجه أبو أحمد وأم أحمد إلى الجسر، ولكن كان لهما موعد مع الاحتلال لينغص عليهم فرحتهم، ويدمر سعادتهم، فقد تم إرجاعهم إلى فلسطين ومنعهم من السفر. كانت وطأة الخبر على أحمد كبيرة، وغضب غضبا ً شديداً، وتوعد الاحتلال بالانتقام، الانتقام لكل الآلام، الانتقام لدماء الشهداء والأطفال، والجرحى، الانتقام للأسرى، والانتقام لفلسطين.
سمعت فاطمة بالخبر، واتصلت بأحمد لتخفف عنه. بقي موعد الزفاف كما هو، وقاموا بكل الترتيبات اللازمة، وبالرغم من عدم حضور عائلة أحمد وفاطمة، إلا أن أصدقاءهم رفقة عمة فاطمة وزوجها وأم وأبا عبد الرحمن، وقفوا إلى جانبهم، وساعدوهم وخففوا من تأثير غياب الأهل، انتهى الزفاف، وتوجه أحمد وفاطمة إلى منزل أحمد، دخلت العروس بيتها خجلة.
أحمد: تفضلي يا حبيبتي، لا تخجلي. دخلت فاطمة مع أحمد إلى غرفة النوم، جلست فاطمة على السرير، وأحمد جلس بجانبها، وأمسك يدها، يا لله كم انتظرت هذه اللحظة، يا لجمالك ما شاء الله حبيبتي سأعوضك عن كل ما قاسيته من آلام، سأكون زوجك وحبيبك وأهلك، وسأجعلك أسعد زوجة في الدنيا.
فاطمة وأنا سأكون نعم الزوجة بإذن الله، فأنا أحبك كثيراً و سأفعل أي شيء لإسعادك. في صباح اليوم التالي لعب عبد الرحمن وياسمين دور أهل أحمد وفاطمة، وأحضرا لهما فطوراً، كما هي العادة الفلسطينية.
عاش أحمد وفاطمة حياة جميلة ،كان أحمد يعامل فاطمة بحب واحترام ،وفي المقابل كانت فاطمة جنة أحمد في الدنيا ومصدر سعادته، مضت السنين،وهما بعيدان عن أهلهما ،ولكن مما خفف من صعوبة الفراق ،ولوعة الشوق ،أن فاطمة أنجبت طفلين جميلين، إسماعيل وبشرى ، سما مولوده الأول الذكر على اسم أبيه إسماعيل فرحت العائلة بذلك المولود رغم بعده إلا إن عائلته أظهرت فرحها وقامت بتوزيع الحلوى في البلدة كذلك فرح أهل فاطمة في غزة الذين لم يتمكنوا من زيارة ابنتهم بسبب الحصار المفروض على غزة منذ سنوات.
كان أحمد يعود إلى البيت بعد تعب يوم طويل، فيجد أطفاله في انتظاره بشوق كبير، وعندما يحتضنهما يشعر براحة كبيرة،وسعادة لا توصف تنسيه مشقة العمل مساءا بمقهى صغير خاص به ودوامه نهارا بإحدى الشركات بعد تخرجه بشعبة الهندسة الالكترونية ،وهاهي فاطمة تنتظر دورها ،أنزل أحمد ولديه من حضنه وتوجه إلى زوجته الحبيبة،وعانقها وقبلها،كانت أسرة سعيدة،لا أقول خالية من الهموم والمشاكل،ولكن أحمد وفاطمة، شابان مثقفان،يعالجان مشاكلهما بروية وحكمة،وقاما بتربية أولادهما ،تربية دينية ،كانا يتمتعان بأخلاق حميدة،كان إسماعيل وبشرى يسردان على مسمع والدها كل ليلة ما حفظا من القران الكريم رغم صغر سنهم الذي لم يتجاوز خمس سنوات بالنسبة لإسماعيل وثلاث سنوات لبشرى، بالطبع كان أحمد يقوم بمتابعة إسماعيل في حفظ القرآن،وفي تعليمه الصلاة،وكانت والدته حريصة على حصوله على درجات عالية في مدرسته بعد الالتحاق بالمدرسة، وتزرع فيه الأخلاق الإسلامية،من خلال اللعب والقصص الدينية ،هكذا تكون الأسرة متعاونة،لكل واحد فيها دور يقوم به،كانت بشرى صغيرة فلم تذهب إلى حلقة تحفيظ بعد ،لكنها كانت تردد ما تسمعه من أخيها بكلمات متلعثمة،فيضحك والداها فرح ً بها،كل إنسان يرغب بأسرة مماثلة،كان أحمد برغم سعادته بأسرته ،إ لا أنه لم ينسى وطنه،وأهله ولم يتخاذل عن واجباته ،فهو يعلم أن من واجبه الدفاع عن وطنه،والعمل لتحريره وكان يشاركه في هذا صديقه عبد الرحمان فهو يعتبر أهل فلسطين أهله، وأن من واجبه العمل لتحرير أرض المسرى وتطهيرها،كان الصديقان،يمشيان معاً في درب الجهاد في سبيل الله. عاش أحمد حياة مستقرة مع زوجته وأولاده وعمله، لكن بقى وطنه المحتل يشغل باله،ففكر أحمد في طريقة، ليشارك إخوانه المقاومة، التي عشقها، وتحمل كل شيء من أجلها، ونفي إلى خارج الوطن في سبيلها بعد وصل خبر دعمه خارجيا لوطنه للمخابرات الإسرائيلية ، كان أحمد وعبد الرحمن جالسان في المطعم يتحدثان،
أحمد: كيف لنا أن ندعم المقاومة؟
عبد الرحمن: أن ندعمهم مادياً.
أحمد: نعم بالمال، وطرق أخرى أكثر فعالية، نعم يجب أن نشارك معهم في القتال ضد الاحتلال، يجب أن نشاركهم بعقولنا وفكرنا
عبد الرحمن: نعم نحن مهندسون، ويجب أن نسخر ما نعرفه في خدمة المقاومة،
أحمد: نعم نعم، يجب أن نعمل على تطوير وسائل المقاومة،
عبد الرحمن: يجب أن نعمل على تطوير الصواريخ، أن تكون أكثر دقة في الإصابة، وتضرب لمسافات بعيدة، كما يجب أن نعمل على تطوير طائرات الاستطلاع للمقاومة.
أحمد: نعم يجب أن نبدأ البحث في طرق تطويرها.
عبد الرحمن: من الغد بإذن الله سنبدأ العمل، ونضع المخططات الهندسية، والبحث في سبل انجازها، نلتقي في بيتنا بعد صلاة المغرب كل يوم.
أحمد: لقد تعرفت على مقاوم، يعمل في وحدة الهندسة لدى المقاومة، سأحاول التواصل معه من خلال الخطوط الآمنة، وبسرية تامة، للتعرف على آخر مراحل التطوير التي توصلوا إليها، إلى الملتقى غداً بإذن الله، توكلنا على الله. بدأ أحمد وعبد الرحمن، في وضع الأفكار والاستراتيجيات التي سيقومون بالعمل بها، بتوظيف ما تعلموه في الجامعة
،وخبراتهم العملية في سبيل الوصول إلى أهداف محددة، فمن يريد النجاح يجب أن يضع أهداف مسبقة، مدروسة بشكل دقيق، والسير خطوة بخطوة، فما يسعون إليه ليس بالأمر السهل، استمر عملهم في الليلة الأولى، حتى ساعات الصباح، كانوا يتركون العمل فقط للصلاة ثم يعودون مرة أخرى لاستكمال المخططات الهندسية، وفي كل صلاة يجددون النية، ويستعينون بالله لتحقيق مرادهم، بالطبع كان أحمد قد أخبر زوجته بأنه سيتأخر في المطعم بسبب العمل، ذهب أحمد إلى بيته، تناول الإفطار مع عائلته فهم معتادون على ذلك، وذهب بعد ذلك إلى عمله في الشركة، وبعد عودته إلى البيت، أخذ قسطاً من الراحة نام خلالها بضع ساعات، استيقظ مع أذان المغرب، تو جه إلى المطعم، ووجد عبد الرحمن في انتظاره، استعان أحمد بعامل يحل مكانه في المطعم أثناء غيابه، كل هذا لم يشغل أحمد عن عمله وبيته، ولم يدع زوجته تشعر بما يقوم به، ليس لعدم ثقته بها، ولكن على المقاوم أن يكون حذرا ً في كل تصرفاته وكلماته، يذهب إلى البيت، يأكل مع عائلته، ويلعب مع أطفاله، وفي الليل يذهب إلى بيت عبد الرحمن، ويخبر زوجته أنه ذاهب إلى المطعم ،مبرراً زيادة ساعات عمله في المطعم،بأن هناك عامل مريض،وأنه يذهب للعمل مكانه حتى يشفى. واصل أحمد وعبد الرحمن العمل في سبيل الوصول لنتيجة؛ تمكن المقاومة من إحداث تطور في سلاحها، تمكنها من التفوق العسكري على الاحتلال، فهي كما هو معروف، فإن المقاومة تستغل وقت الهدوء في الإعداد، والتطوير.
أحمد يحاول القيام بواجبه، الذي هو واجب كل فلسطيني، دعم المقاومة، بكل ما يستطيع، بروحه ودمه، بماله وبأفكاره وعلمه، وأحمد سخر كل ما يستطيع للمقاومة، قضى عمره بعيد اً عن وطنه في سبيل دعمه للمقاومة. واصلا أحمد وعبد الرحمن طريق العمل في أفكارهم التي وضعوها بعد دراسات وتخطيط أفكارهم لأكثر من شهر قضى ليله في التجارب والبحث تمكنا من التوصل إلى شيء يمكن المقاومة من زيادة القوة التفجيرية للصاروخ وتمكنت من أحداث خسائر أكثر في المنطقة التي يقع فيها وقام بعمل مخطط هندسي ونقله لصديقه في غزة عبر رسالة مشفرة حتى لا تتمكن مخابرات الاحتلال من كشفهم وصلت لغزة الرسالة وبدأ العمل بها لم يتوقفا واصل العمل في أحداث تطور في الطائرات تمكنها من تغطيه لكن بقيت أفكار وخطط فهي موجودة في غزة من قبل ، فالمقاومة تمتلك من الخبراء والعقول ما يكفيها، وهي تعمل ليل نهار وكل يوم تتوصل للنتائج جديدة تمكنها من زيادة قوتها العسكرية.
قال عبد الرحمن:يجب أن ندخل الأرضي المحتلة، ونكون في مواجهة مباشرة مع الاحتلال، لا يمكن أن نقف مكتوفي الأيدي.
احمد:وأنا أوفقك الرأي سأبدأ العمل للعودة لفلسطين الفترة المحددة للإبعاد قاربت على الانتهاء سأتواصل مع المحامي ليبدأ في الإجراءات.
وبمدة مكوث احمد بلبنان صار له ثلاثة أولاد أولهم إسماعيل وبشرى وأخرهم عبد الرحمن الذي سماه على صديقه المخلص .
وبعد شهور قليلة تمكن احمد من استفاء أخر يوم له بالاستبعاد للعودة لوطنه فلسطين
أحمد: كيف سأذهب وأتركك لا أريد العودة لفلسطين حتى نبقى مع بعض لا نفترق.
عبد الرحمن :سأعود لفلسطين معك ولن أتركك.
أحمد: ألم تقل لي أنني لن ادخل ويختم على جواز سفري صهيوني .
عبد الرحمن: قال بلى وأنا عند كلامي.
أنا سأدخل بجواز مزور كسائح أجنبي وأنا ما زلت اعمل هذا الموضوع. اعذرني أحمد , لأني لم أخبرك من قبل عن هذا الموضوع ,كنت أنوي أن أفاجئك .
عبد الرحمن: سأدخل فلسطين وأعيش فيها وأقاتل عدوي وأنال الشهادة على أرضها وأمزج الدم الجزائري بالدم الفلسطيني.
,انتهت فترة الإبعاد التي كانت مقررة ,فقرر أحمد العودة إلى الضفة إلا أن المخابرات رفضت. وضع أحمد محامية للتباحث مع المخابرات.
باع أحمد المطعم الذي افتتحه لتيسير له الأمور في الغربة من سكن ومستلزمات الحياة فالبلد التي يقيم فيها الحياة فيها باهظة التكاليف من سكن وأمور الحياة المتنوعة خاصة بعد الثورة السورية ونزوح اللاجئين السوريين إلى لبنان وهي بطبيعتها منطقة سياحية,وافقت سلطات الاحتلال على عودة أحمد على أن يبقى تحت أعين المخابرات والعهد بعدم العودة إلى المقاومة ونشاطها وهذا ما رفضه أحمد.
قرر أحمد العودة إلى أرض الأجداد إلى أرض التين والزيتون الأرض التي رويت بدماء الشهداء التي أحبها وأعشقها ,وعمل من أجلها وما زال يعمل حتى تعود أرض حرة عربية.
في الصباح تجهز أحمد رفقة زوجته فاطمة وعائلته الصغيرة ،إسماعيل،وبشرى،وعبد الرحمن.
وكان عبد الرحمن وياسمين معهم ليوصلهم إلى المطار ستكون اللحظات الأخيرة التي يلتقوا فيها في أرض بيروت كان البكاء سيد الموقف بين فاطمة وياسمين
.
كذلك أحمد وعبد الرحمن قلوبهم تبكي على فراق سنين جمعتهم بحلاوتها و مرارتها سنوات لم يفترقوا يوماً,
لكن قالها أحمد:- البلاد طلبت أهلها, ورد عبد الرحمن :- وطلبتنا نحن الجزائريين.
أنا مازلت عند وعدي شهراً وسأكون عندك في بلدتك الجميلة التي أحببتها .
أقلعت الطائرة وبقي النصف الآخر لفاطمة وأحمد عبد الرحمن وياسمين
والدموع مازالت تنهمر من الجانبين ,وصلت الطائرة عصر إلى مطار عليا في عمان, إسماعيل ابن احمد بلد من هذه ؟رد أباه هده بلدتي تنتظر ذلك البطل قد تزينت بعلم فلسطين .
إسماعيل لما يقتلون الأطفال لم يفعلوا لهم شيء سنقتل أطفالهم أيضا
أحمد:لا بل نعمل كما وصنا رسولنا الكريم لا تقتلوا طفلاً ولا تقلعوا شجرة إلى أخره ....
وصل احمد رفقة أسرته فاستقبلته كل العائلة ومر على وصوله شهرا ليلتحق به صديقه عبد الرحمن وبداك الشهر وقعت اشتباكات بين شباب فلسطين وجنود الاحتلال بعد قيام احد الشباب بعملية استشهادية الشيء الذي زاد من حدة إرهاب المستوطنين ومهاجمتهم للبيوت القريبة من المستوطنات وإشعال النيران في المركبات.
بدأ الشعب انتفاضة على الصهاينة في كل مكان وفي كل الوسائل من إطلاق نار ودهس وطعن .
كانت بداية عملية مهند الحلبي في القدس وقتله عدد من المستوطنين واستشهاده وتبع عمليته عدد من العمليات إلى أن وصلت إلى الداخل المحتل .
عبد الرحمن: أحمد لن نقف مكتوفي الأيدي عما يحدث لأبناء الشعب الفلسطيني انظر كيف يموت الأطفال على الحواجز لمجرد أنهم يشتبهون بهم أنهم ينوون تنفيذ عمليات طعن .
ومنظر الطفل أحمد مناصرة وهم يشتمونه هو وابن عمه الذي استشهد كان حافزاً لأحمد وعبد الرحمن ليقوموا بدورهم ويدخلون الانتفاضة كأبناء الشعب الفلسطيني.
أحمد:- سأبدأ البحث عن سلاح وإعداد عدداً من القنابل اليدوية التي يسمونها "أكواع" , يقومون بإعدادها من الألعاب النارية يرمونها باتجاه قوات الاحتلال الغاصب وتحت انفجارات قوية وإن إصابة الهدف تحدث إصابات .
قاما بالبحث عن السلاح وعاد إلى أصدقائه القديمين الذين يعملون في هذا المجال وهو تجارة السلاح اشتريا قطعتي سلاح مصنعة محلياً من أحد المخيمات القريبة من نابلس.
وبدا بالتدرب وإعداد التجارب على القنابل تدرباً جيداً تجهزاً في السلاح العتاد اتفاقاً مع عدد من الشباب من الداخل المحتل وهم على معرفة بأحمد أثناء الاعتقال ,ودع أحمد عائلة بطريقة لا يعرفون أنه ذاهب إلى تنفيذ عملية,كان في الصباح حاملاً عتادهم وذهبا باتجاه القدس قفزا عن الجدار وكان شباب القدس بانتظارهما سلمنا على بعض بعد فراق عدة سنوات وبدئا بالمشي حوالي ساعتين بين الجبال ,وصولا لمنطقة التنفيذ لكن عبد الرحمن ,طلب الصلاة في الأقصى قبل العملية ,قال إحدى الشباب أنا سأدخلكم للأقصى ابقي السلاح مع الشباب والحقوا بي دخلا بطريقة مباغتة للجنود صليا العصر في المسجد الأقصى ,ودموعهم تنهمر أخذوا جولة في ساحات الأقصى, ثم التقطوا بعض الصور و شاركوها بموقعهم الاجتماعي ,ثم خرجا من الأقصى باتجاه الشاب الذين ينتظرونهم في السيارة ودعا بعض ذهب أحمد وعبد الرحمن باتجاه الهدف المرسوم وهو باب العمود قبلة الشهداء الأرض التي رويت بدماء الشهداء .
بدأ العمل بإلقاء قنبلة من أحمد باتجاه الجنود وبدأ عبد الرحمن بإطلاق النار ورد الجنود فحدث اشتباك ,لمدة خمس عشرة دقيقة قتل فيها جنديان وأصيب اثنان استشهد عبد الرحمن القي على الأرض, واصل أحمد إطلاق النار,وأحمد يردد لا تموت يا عبد الرحمن سنموت معاً,بعد دقيقتين أصاب سلاح أحمد عطل وبدأ عليه إطلاق النار من كل صوب من الجنود ارتقى احمد شهيداً وامتزج الدم الجزائري بالفلسطيني في باب العمود, تناقلت وسائل الإعلام منظر الشهيدين , وهما مستلقيان على الأرض المقدسة.
هذه قصة حياة شاب فلسطيني يحكي حال كثير من شباب فلسطين كيف يضحون بدمائهم وأرواحهم فداءً للوطن وللعرض وشرف هذه الأمة .
قسماً لو توقفت الأرض عن الدوران .. ولو أثمر شجر الزيتون رمّان .. ولو الماء تجمّد من الغليان .. ولو أصبحت الروح في السقيان .. ولو الدم انتهى من الشريان .. لن أحبّ غيرك يا (فلسطين) طول الزمان.
سنعيش صقوراً طائرين، وسنموت أسوداً شامخين، وكلّنا للوطن .. وكلّنا "فلسطينيين
أحمد عبد الجليل عبد الله