الفصل التاسع

163 4 0
                                    

تنهدت جيليان , تود لو أنها تعرف ما يدور في نفس لِيام .
فتطرد الشك من قلبها .
لا تريد أن تخسره أو تظلمه , لا تملك أحدا سواه .
والدتهما ستبقى معهما حتى يجدا جوليا , أو ييأسوا تماما من عودتها أو إيجادها .
فجأة خطرت عليها فكرة ما , لتعتدل في وقفتها بحماس .. وتقول :
- لديّ فكرة , هل ستساعداني ؟
- لم نأتِ للعب على أي حال .
تجاهلت نبرة زياد الساخرة , وشرحت لهم فكرتها بسرعة .
بالرغم من أنها اعترضا ورفضا تلك الفكرة السخيفة الطفولية , إلا أن رغبتهما في ايجاد جوليا كانت أقوى من أي شيء , ولم يكن هناك مانع في ارتكاب أي حماقة بهما بلغت درجتها .
وماهي إلا لحظات حتى تعالت أصوات زياد ولِيام , وهما يخوضان شجارا حادا .
وهي تقف مختبئة خلف جذع الشجرة .
وتوصيهما بأن لا يضربا بعضهما حقا .
حتى حصل ما أرادته تماما .
فُتِح باب من اللامكان , وظهرت من خلفه عجوز طويلة .. ترتدي تنورة واسعة وقميص أوسع , بعينين حادتين وشعر أبيض مرفوع .
خلفها رجلين أطول منها , يرتدون لباس أبيض .
اتجهوا جميعا ناحية زياد ولٍيام .
قبل أن يقتربوا تسللت جوليا , واتجهت ناحية الباب المفتوح بخطوات أشبه بالركض .
حين أبصرها لِيام وهي تدخل , أمسك بكف زياد .. وهربا متجهين ناحية السيارة .
حين وصلا ضحكا بشدة , غير مصدقين ما حصل .
مسح لِيام وجهه , وقال بنبرة مرحة :
- بدونا كالأطفال حقا .
شغل المحرك وابتعد بالسيارة عن المبنى , وأوقفها وهو يشعر بالقلق على جيليان .
ليحميها الله ويحفظها حتى تخرج بسلام .

جيليان ...
دخلت داخل المبنى , لتتفاجأ من هيبته .. رغم الظلام الذي يحل بالمكان , إلا من بعض الأنوار الخفيفة الموجودة في الأركان .
سارت بخطوات بطيئة , لتجد نفسها في مطبخ واسع وكبير .
كان المكان هادئا وساكنا , شعرت بالرهبة وهي تخرج من المطبخ إلى ممر ضيق .
ما هذا الظلام ؟
ما بهم ؟
هل هم بشر أم جن ؟
لم يعيشون في هذا الظلام الدامس ؟
أسرعت بخطواتها , منحرفة يمينا .. حين سمعت الخطوات من خلفها .
لتجد نفسها في صالة واسعة , المكان الوحيد الذي به أنوار مضاءة .
والمكان الوحيد الذي به بعض البشر .
بضعة فتيات شابات , ترتدين لباسا موحدا .. بلون فاتح .
بأكمام طويلة وياقة دائرية , يصل إلى نصف الساق .
كانت قبل أن تدخل إلى الصالة , كادت تشعر بالدوار من كثرة الأبواب على جانبي الممر , يمينا وشمالا .
حين سمعت أصوات من خلفها مرة أخرى , فتحت أحد الأبواب القريبة من الصالة .. ودخلت .
لتسند ظهرها على الباب , وتتنهد براحة .

أجفلت بخوف , وهي ترى أمامها فتاة سمراء , تستلقي على ظهرها .
تقرأ كتابا .
وحين دخلت جيليان فجأة , فزعت وجلست , لتسأل بتلقائية :
- من أنتِ ؟ ماذا تفعلين هنا ؟
ازدردت ريقها , وابتسمت بإرتباك وهي تلتفت وتقفل الباب من الداخل بالمزلاج , ثم تجلس بجانب الفتاة التي عادت إلى الوراء , مقطبة حاجبيها بخوف وغرابة , أمسكت بكفها بسرعة حين رأتها تنوي الصراخ :
- اهدأي رجاء لن أفعل شيئا , فقط سأسالك بعض الأسئلة وأغادر , رجاء .
صمتت الفتاة وهي تنظر إلى جيليان , حجابها ولباسها المحتشم .
ثم قالت :
- من تكونين ؟
لم ترد جيليان أن تعرفها بهويتها , ولكن ملامح الفتاة الوجلة جعلتها تجيب حتى تبعث الطمأنينة في قلبها :
- أنا شقيقة إحدى الفتيات التي .. ربما كانت هنا .
بعد صمت قصير :
- أريد أن أتأكد , هل كانت موجودة هنا حقا أم لا .. وماذا حصل معها .
- من ؟
- جوليا .
كان إسمها كافيا لجعل الفتاة تفتح فمها بذهول , ثم تندفع إلى جيليان تسألها بإنفعال :
- جوليا ؟ هل تعرفيها ؟ هل رأيتها قريبا ؟

الجزء الثاني من سلسلة ملامح الغياب: هزائم الروح حيث تعيش القصص. اكتشف الآن