الفصل الأول

1.7K 72 45
                                    

_____ ليـــلة النسيــــــان ______

بحثت عنها كثيرا لكنني لم أجدها ، كانت تظهر لليلة واحدة ثم تتبخر في الهواء ، لم أرها سوى أربع مرات ولا أدري إن كنت متعاطفا معها ، أشفق عليها أم أحتقرها؟!  في البداية كانت نظرتي إليها أنها مجرد فتاة مدللة تنفق أموال والدها ببذخ وطيش ، تغرق في أخطائها لتستمتع ، أما آخر مرة رأيتها فيها كانت تبدو ضائعة ، حزينة منهزمة ، كانت عيناها تحمل ألما كبيرا ..

اليوم وقد مرت سنة كاملة على أخر لقاء ، ستأتي ، آمل ذلك !
الخامس والعشرون من أيلول ككل سنة..فى هذا اليوم الذي تظهر فيه ثم تختفى، هذه المرة لن أدعها تختفي مجددا .

بالمناسبة أنا إسمي ماجد ، أصبحت الآن في الرابع والعشرين من العمر ، وإن سألتني ماذا أفعل في مكان كهذا سأجيبك أنني اضطررت للعمل هنا من أجل مصاريف دراستي الجامعية
أعلم أن العمل كحارس في بار ومراقبة المخمورين ليس عملا شريفا ، لكنه الذي يعيلني. على كل حال ، لم أجد له بديلا ولم أرد أن أكون عبء على والدتي ، يكفيها ماتكابده من أجل أختاي منذ وفاة والدي ، كل ما كان يهمني هو رفع بعض المسؤوليات عنها وقد فعلت ، على فكرة كان هذا عملي في الأربع سنوات التي مضت وما أن تخرجت من كلية الحقوق ، حتى بدأت ابحث عن عمل شريف يغنيني عن هذا المكان ،
أبناء الحارة ينادونني ( يا متر) حتى أصبحت أتساءل إن علموا أنني حارس ببار هل سيبادلونني ذات الاحترام ؟ بالطبع لا !  هذه الحارة دونا عن غيرها فاضلة وأهلها (ناس طيبين ) يسمونها  (حارة الحج فاضل) ،طبعا لاوجود للحج فاضل ، سميت كذلك نسبة لإمامنا وشيخنا (الحج محمود )، (الراجل الفاضل) الذي 
يحبه ويقتدي على إثره الجميع ، إذن أنا أسكن في حارة (الحاج فاضل ) بالإسكندرية ، في البيت الذي تركه لنا والدي وسلم من أهله بعدما أخذوا أرضنا مقابل نصيبهم في البيت  مع والدتي الست (واهبة) وأختاي التوأمين
  (فيروز وفردوس) .

لقد تحدثت كثيرا والوقت مضى بي ، إنها الثامنة مساءا ، عليّ أن أستعد للذهاب إلى مكان عملي القديم الذي تركته ، لكنه مسموح لي بإرتياده متى ما شئت ، واليوم إنتظرته لسنة كاملة لا أود أن أفوت ولو جزءا بسيطا منه ، لنرى ما سيحدث !

_____________

أرخى الليل ستراه المخملي الأسود  الذي اتشحت به كل المدينة إلا من أنوار المتناثرة هنا وهناك ،  أيلول في الإسكندرية يحمل مذاقا مختلف وسحرا خاص ، نهارا دافيء وليل منعش ، حتى حفيف المطر الرائق يبعث البهجة ، كانت هذه المدينة بالنسبة لماجد جزء من روحه ،يحبها جدا ، رائحتها ، بحرها ، الموسيقى وأشعار الأبنودي و النقشبندي ، المقاهي وصوت الزهر وغرغرة الشيشة  ، محلاتها ، وحلوياتها ، رائحة الكشري ،وحمص الشام والذرة المشوية ، صوت البواخر والقوارب والمراكبية .. أصايص الزهر في الشرفات والسطوح وكلمة أيووه من ثغر الصبايا ...كانت بكل تفاصيلها عالمه الذي لن يتنازل عنه .

الخامس والعشرون من أيلولحيث تعيش القصص. اكتشف الآن