آلام الحلق التي أيقظتني اليوم منعتني حتى من محاولات الكلام. لا بد أنه الحفل الموسيقي الذي حضرته البارحة. والذي أعددت له لوقت طويل . بقايا ذكراه عالقة على سطح ذاكرتي . فناني المفضل الذي انتظرته شهورا يغني لساعات متواصلة.
جسدي مرهق وعيناي غائرتان بفعل السهر . والآلام في حلقي تطوقني كأصابع غليظة تخنقني. وكلما ضاق الخناق آلمني غياب الصوت واشتياقي . تتعثر أنفاسي وتزداد صعوبتها , أشهق وأزفر في انتظار لحظة سكون يطمئن بها الغائب ليعود.
بحثت عن هاتفي وبعثت رسالة نصية . فكرت كثيرا حتى وصلت لصيغة مطمئنة لا تشي بكم الفزع الذي يتملكني. كتبت: هل صوتي معك؟ فجاء الرد: بل قلبي معك, وأضاع برومانسيته ماتبقى من رصيد الهاتف. وهذي رسالة ضاعت سدى وقضت على الرصيد.
حدة الأمطار في الخارج تعني استحالة توفر نقاط بيع, إن لم تغمرني وأغرق قبل الوصول . البرق والرعد لا يهدآن ولا يترفقا بحدة قلقي في كل بارقة راعدة.
السماء تلبس القاتم الكئيب من ألوانها والشمس كأن لم تكن قبلا, فلا تعلن عن نفسها بشيء.
قهوة, وشاي الينسون, ومضمضات الملح, ثم محاولات الهدوء . الجلوس لاحتساء الأكواب واحدا تلو الآخر. محاولات استرجاع أبيات شعرية قديمة ثم محاولات تذكر الصوت . هل كان رخيما, حادا, عاليا , ضعيفا؟ أذكر الإشادة به مرة وسخرية به أخرى . لا أملك أي تسجيل. لا أملك سوى ذكرى لكرهي الرسائل الصوتية.
الغلاف الأسود المحيط بالمنزل يزداد قتامة,كما تزداد الأمطار صبا. وشعور بالتهديد أو الخطر يتعاظم .
قررت العودة لفراشي والسماح لليوم أن يعاود البدء في وقت لاحق, شددت الألحفة وأرخيت الشال عن عنقي بيأس. ثم قفزت متحفزة حين تذكرت مكانا يحوي صوتي : فيديو لحفل مدرسي أديت به أبيات شعرية. أديتها غيبا, ولا أذكر منها شيئا الآن, سوى اللحن المصاحب وصخب المستمعين الذين لم يحفلوا بالحديث, وأدوا التصفيق في آخر الأمر- فقط - ليكون آخر الأمر.
شرعت بالبحث وكلي أمل. وجدته فازددت حبورا. السواد يزداد. سياط الأمطار على الأسفلت , على السقف, على كل ما يعكر حديث السماء للأرض.
وضعت الفيديو بجهاز التسجيل . أمام لحظة الوجود , لحظة الإدراك لا شيء في الكون يهم ما دام صوتي معي .
وابتلع الجهاز الشريط.
وانقطع التيار.
تمت