مقدمة:
لا تطلب من أحد مزيدا من مودة، من أراد البقاء فليبقى ومن أراد الرحيل فليفتح له الباب على مصراعيه، أعرف جيدا أنك ستتألم وستبقى ليال طوال تبكي بلا نوم، ولكنه وقت وسيمر ومع مرور الوقت ستجد جرحك يبرأ بعد كل ليلة.
إن كنت ممن يجرحهم الفقد والشوق تعال معي نتجول قليلا بين هذه السطور، أما لو كنت ترى أن ما يعانيه الحاكي هنا هو شيء تافه بالنسبة لك فما عليك سوى أن تغلق هذه الصفحات وأن تمحوها من ذاكرتك ولتذهب أنت وعبقريتك لتنفذ فكرة مفاعلك النووي بعيدا عن هنا.
الفصل الأول:
التائه
******
وصلت إلى منزلي أخيرا بخطوات متثاقلة وظهر منحنٍ وقلب تخترقه غصة قوية من حين لآخر، كان لقائنا الليلة غير كل ليلة، تغيرت نظرتي لها كليا، كلماتها التي رمتني بها جعلت عقلي يتحرك بلا وعي مثل عقارب ساعة خربة فقدت التحكم في حركتها الديناميكية، فدارت حول نفسها وتوقفت عند اللازمان مرارا وتكرارا، فقد كنت أقف في الطريق ألف مرة كل متر أفكر في حديثها وما قصدته ولماذا آسيت أنا منه.
أفكار عدة تصول وتجول في عقلي تسببت لي بصداع شق رأسي نصفين، وما أن وصلت حجرتي حتى ارتميت على السرير مخبأً رأسي داخل وسادتي وغططت في نوم عميق، حينما استيقظت لم أدري حينها في أي ساعة كنت فقط عادت لتهاجمني نفس الغصة ثانية كل مرة أعنف من ذي قبلها، اعتدلت ملقيا نصف ظهري إلى الخلف مستندا برأسي على الحائط مغمض العينين، محاولا التنفس فكنت أسحب شهيقا طويلا وأخرجه ببطء شديد علها تذهب عني تلك الغصة، ولكن كان كل ذلك دون جدوى، حسنا الآن وقد استعدت وعيي قليلا و علمت أخيرا وبعد توسلات عديدة لعقلي لاستعادة نشاطه انني ملقى على سريري داخل حجرتي، لقد آن الأوان لمعرفة كم هي الساعة الآن، حقا أشعر وكأنني أريد معرفة في أي يوم وأي سنة نكون، بدت لي شاشة الساعة وكأن بها أكثر من مائة شرخ وألف ألف حشرة صغيرة تتبختر حول تلك الشروخ، مسحت عليها بيدي مراراً وتكرارا ثم فركتها في بنطالي وأنا أميل برأسي إلى الخلف ساحبا نصف الأكسجين الذي في الحجرة إلى تجويفي الصدري ثم عاودت النظر للساعة، نفخة زفير قوية مع إغماضة عصبية للعينين راميا الساعة على الكومود بجانبي، لا جدوى من تلك الساعة الخربة، كانت المفاجأة حينما دققت النظر ناحية النافذة لم تكن الساعة خربة إذن نفس الشروخ ونفس الحشرات ظهرت على النافذة درت في الحجرة بعيني، يا ويلي نفس الصورة تتكرر في كل مكان، على الحائط وعلى السقف، يا فتى ما بك، لعن الله تلك الليلة! لم يكن يجدر بك أن تقابل تلك الفتاة فيها، هدئ من روعك يا فتى ذراعيك وقدميك تتحركان، لم تتمكن منك أي جلطة إذن فما يحدث لك هو هلوسات من يستفيق من نومته في ليلة مرعبة، تحامل على نفسك قليلا وقم إلى دورة المياه إغسل وجهك علك تستفيق.
وقفت قليلا مستندا بيديّ على الحوض منحني الظهر رأسي يميل إلى الأسفل عنوة ليس بتحكمي عيناي ترتعشان كمصباح خرب ينير ويأفل ومع كل نفس أستنشقه أشعر بدوار غريب، ملت أكثر ناحية الصنبور بعدما فتحته ورشقت بضع حفنات من المياه إلى وجهي ثم أغلقت المياه بيد ارتفعت بثقل وما أن أغلقت الصنبور حتى ارتمت يدي إلى الاسفل كيد شخص ملقى على الأرض يختبرون ما إذا كان لم يزل على قيد الحياة أم ذهب إلى عالم بعيد، استدرت خارجا من المرحاض ولم أزل أتحسس طريقي حيث أن عيناي تأبى الاستفاقة بعد، حينها سمعت صوتا يقول (استفق يا فتاي، كفاك هروبا، استفق) عيناي تجحظان وظهري ينفرد وعادت الدماء تضخ في رقبتي التي كبلها الجمود منذ بداية تلك الليلة حيث دارت رقبتي في كل اتجاه في ذهول.
******
الفصل الثاني:
استدرت ودرت بعيني أبحث في كل الأرجاء ولم يزل الصوت يناديني، الرعب يملأ جسدي وزاغ بصري، صرخت بكل قوتي: