زحام

45 0 0
                                    

تحت الشمس الحارقة  في يوم صيفي حار في قاهرة المعز و على جانب طريق مزدحم و يمتلئ بالسيارات المسرعة, يقف هو. ينتظر فرصة ليضرب ضربته. هو مضطر لخوض تلك المعركة كل يوم و لكن النصر ليس حليفه دائما.

بغض النظر عن حرارة أو برودة الطقس, و بغض النظر عن صحته أو مرضه, دائما ما يكون هناك يحارب على أمل أن يعود إلى منزله بما يكفي لتستمر أسرته في الحياة ليوم آخر. يمتلك أحد عشر عاما فقط و لكن يبدو كما لو كان يمتلك أحد عشر عقدا.

يبدو أن الحظ سيبتسم إليه أخيرا إذ لاحظ أن السيارات بدأت تتوقف. من النادر في ذلك الوقت من اليوم أن يتوقف الطريق. ربما حدث تصادم ما في نهاية الطريق أو أن سيارات الحراسة لأحد السياسيين البارزين أغلقت الطريق لمروره.

لا يهم ذلك الآن. لقد حان وقت الهجوم.

حمل حقيبته من الأرض و بمجرد ابطاء السيارات للدرجة الكافية, اندفع نحوهم. فحص بعينيه الذكيتين السيارات القريبة و سائقيها بسرعة قبل أن يختار هدفه. بمجرد وصوله إلى السيارة, كانت قد توقفت تماما.

بدأ بتفحص السائق مرة أخرى. رجل وسيم في ثياب مهندمة في النصف الثاني من عقده الثالث يقود سيارة حديثة و نظيفة من الداخل. لا يبدو أنه يمتلك أطفالا و غلا لما كانت السيارة بتلك النظافة. ربما زوجة أو خطيبة؟ ربما صديقة؟ ربما عدة صديقات؟

اتخذ قراره فورا و مد يده داخل الحقيبة و هو يضعها على الأرض بجوار السيارة من الجهة اليمنى للسائق و أخرج منها لهبة بلاستيكية على شكل جرو صغيرجميل. مد يده من نافذة السيارة باللعبة و ابتسم.

"لعبة جميلة جدا و هتكون حلوة على التابلوه. تعرف؟ امبارح  في عربية فيها تلت بنات حلوين اشتروا كل اللي كان معايا. اشتروا سبعة زي دي كل واحدة على شكل حاجة مختلفة" قالها الصبي للسائق الذي لم يعره اهتماما و استغل فترة التوقف لينظر في هاتفه

لم يكن الرجل الصغير لييأس بهذه السهولة فتابع بابتسامته الواسعة "دي بخمسة جنيه بس يا أستاذ عمر هتخسر إيه؟"

"اسمي مش عمر" أجاب السائق دون أن يرفع رأسه عن الهاتف

أدرك الصبي بأنه حقق انتصارا فأضاف بابتسامة أكبر "أنا عارف بس انت شبه الممثل ده في الفيلم المشهور...مش فاكر اسم الفيلم بس كان شبهك بالظبط. كان زيك برده محبوب من البنات و كان اسمه عمر. هتشتريها؟"

ابتسم السائق ولكنه لم يرد و لم ينظر للبائع

لاحظ الصبي أنه يقترب فاستمر "بأقولك ايه..أنا بحب الفيلم ده جدا و أنت فكرتني بيه عشان كده هأعمل معاك صفقة. تاخد اللعبة دي و معاها كمان علبة مناديل و الاتنين بعشرة جنيه بس بدل أتناشر. كده يبقى معاك اللعبة تفرحها بيها و معاك المناديل تديهالها لما تتخانق معاها و تخليها تعيط"

انفجر السائق في الضحك و نظر أخيرا للصبي قائلا "بتحاول تخلق طلب على المنتج أنت مش كده؟" نظر الصبي للسائق في حيرة قائلا "يعني ايه مش فاهم؟"

ابتسم السائق مجيبا " دي حاجة عندنا في التسويق و هي بالظبط اللي أنت عملته دلوقتي" 

لم يفهم الصبي معنى "التسويق" أيضا و لكنه لم يرد إضاعة وقت أكثر فأخرج نفسه من حيرته وسأل مجددا بعد عودة ابتسامته "طيب...هتخلي يومي و يومك أحسن و تشتري العرض المميز ده؟"

اتسعت ابتسامة السائق و مد يده مخرجا محفظته ليدفع للصبي

"متشكر جدا يا أستاذ عمر" قالها الصبي و هو ينهي الصفقة مع السائق الذي عاد للضحك من جديد

حمل الصبي حقيبته و نظر حوله ليختار هدفه القادم. كانت السيارت مازالت متوقفة و يبدو أن الطريق سيظل مغلقا لفترة

هذه أخبار عظيمة فعندما يتوقف العالم بالنسبة لهم فهو بالكاد يبدأ بالنسبة له.

🎉 لقد انتهيت من قراءة زحام 🎉
زحامحيث تعيش القصص. اكتشف الآن