_4_

244 31 81
                                    

...

دفعته فأصدر صريرا حادا. كان المكان مظلما جدا لكنه سرعان ما أضيء عندما أشعلت السيدة العجوز شموعا.

كان منزلا فخما بأتم معنى الكلمة رغم كل الغبار الذي يكاد يردمه و شباك العنكبوت التي اتخذته وكرا لها.

فضاء صغير فرشت فيه زربية حمراء ينفتح على الاتجاهات الثلاث.. على اليمين غرفة و على اليسار أخرى أما من الأمام فقد استقرت سلالم عريضة خشبية..

انقطعت عن تأملي عندما قالت السيدة:
- تفضلي من هنا يا ابنتي..
و أشارت إلى جهة اليمين فتبعتها.

فتحت الباب لأجد نفسي في المطبخ. مطبخ عتيق خال من الأواني عدا تلك الفناجين الجميلة. حضرت لي الشاي و جلسنا على كرسيين خشبيين نحتسيهما و نتجاذب أطراف الحديث حتى قلت:
- ألا يوجد تيار كهربائي؟
- لا لقد انقطع منذ سنتين و لا أملك المال الكافي لتسديد الفاتورة.

شعرت بالاستغراب فسألتها:
- و لكن كيف تملكين هذا القصر و لا يمكنك تسديد الفاتورة؟
ابتسمت العجوز و قالت مفسرة:
- أنا لا أملك المال لكنني أملك هذا القصر فقد ورثته عن جدي الأكبر.

بادرت بسؤالي دون تفكير:
- إذن لماذا لا تبيعينه و تشترين منزلا صغيرا تتكفلين بدفع فواتيره؟

أظنها استاءت من سؤالي. أجابتني بصوت حزين:
- إن هذا المنزل مليء بالذكريات و هو كل ما تبقى لي من ذكرى أبنائي و إخواني و والداي. لقد عاشوا جميعا هنا. لا يمكنني الاستغناء عنه بهذه السهولة.

قالت ذلك ليعم صمت قطعه رنين هاتفي الذي أيقظ السيدة من تفكيرها الكئيب.

أخذته فإذا به اتصال من أبي. أجبت فكانت المكالمة كالآتي:
- ألو..
- نغم أين أنت؟ لقد تأخر الوقت! إنها العاشرة ليلا..
- حقا؟! عذرا أبي لقد مر الوقت سريعا. لم أتفطن إليه. سآتي حالا..
- حسنا..

﴿أسفك لن يغير شيئا﴾حيث تعيش القصص. اكتشف الآن