ليقطع أمير الصمت و ليبدأ حديثه من جديد
أمير : من أنتى و لما تجلسين هنا ؟
نسمة : سرقنى الوقت بالغابة فحل الظلام و لم أجد للبيت سبيل . فجلست بتلك الشجرة ألتقط أنفاسى حتى يحل الصباح فأعود الى أهلى و كوخى الجميل .
أمير : تسكنين بكوخ .؟!
نسمة : نعم . إنه على أطراف الغابة . أعيش فيه مع أهلى .
أمير : جميل . أذن أنتى فقيرة و من أسرة فقراء .
نسمة وقد أستشعرت بحديثه بشئ من الإهانه . و هل يعيب المرء يوما ضيق حاله إنما يعيب المرء خلقه ايها ألأمير .
تدارك أمير كلامها سريعا : لم أقصد الإهانة صدقينى . فأنا كما تعلمين أمير أعيش بالقصور و لم أتكلم مع أحد الرعية من قبل . لكن الوضع تغير الأن . حتى أصبحت واحد من العوام . و يمكن أكثرهم فقرا فأنا لا أملك لنفسى حتى شربة ماء . أو حتى مأوى ألجأ اليه .
نسمة : كيف حدث ذلك و أنت أمير ؟
أمير : دعينا نجلس صغيرتى فأنا أيضا أود الحديث لعل الهم يزول . و أمامنا الليل طويل لنحكى فيه عن الهموم .
نسمة : صغيرتك !!! لما ناديتنى بهذا الإسم ؟
أمير : وقد نظر بداخل عينها و كأنه يبحث عن إجابه للسؤال : لا أعلم صغيرتى فهذا ما شعرت به معك . إذا ضايقك هذا أعتذر و لن أعيده من جديد .
نسمة : لا فقد إستحسنته منك و لا أعرف لما فقد وقع بنفسى موقع جميل . هيا احكى لى قصتك من البداية و لكن قبل ان تبدأ خذ منى هذا الماء ليرويك و لتشاركنى طعامى و إن كان ليس بالكثير . لكنى أثق انه سيكفينا إلى ان يشرق الصباح .
أمير : شكرا لكى صغيرتى . فأنا فعلا أشعر بالعطش و الجوع .
*******************
نسمة : ها قد إنتهينا من الطعام و الماء فلتتكلم سيقتلنى الفضول .
أمير : قبل أن أبدأ أود سؤالك . ما سر تلك الفاكهة و كأننى لم أتذوق مثلها من قبل انها شهية و ذات مذاق فريد لا يوصف .
إبتسمت نسمة بخجل و توردت وجنتيها قبل أن تقول : قبل ان تأتى أكلت من تلك الثمار و لم أجد لها طعما أبدا فكنت فى ذهول و أعتقدت أن الخوف هو من منعنى استطعامها من مرارتها التى ألقتها بحلقى . و لكنى الأن أشعر بكلامك فقد تغير مذاقها و كأنها من الجنة .
أمير : و كأنك تكملين كلماتى . تقرأى ما بداخلى من أفكار . أيعقل انكى تقرأين الأفكار ؟!
نسمة : لا . انما قلت ما شعرت به . يمكن السبب وراء ذلك يكون الصحبة . فبالوحدة نجد كل شئ مر و بالصحبة نزيل من الحياة كل طعم المرار .
أمير : لا . هذا كثير كنت سأقول تلك الكلمات . كيف دخلتى إلى عقلى بدون أذن مرور .
نسمة و قد زادها الخجل توردا فأرادت أن تغير من سير الحديث : وعدتنى أن تقص لى حكايتك هيا فأنا أستمع يا أمير .
أمير : لكى هذا صغيرتى . فأنا مثقل بالهموم لكنى لا أعرف ان كان الحديث سيزيل همى أم سيزيد الهموم .
نسمة : بالكلام تطيب الجروح فهى تخرج السم من الجسد لتجعله بعد ذلك يضمد الجروح . فلتروى لى أمرك فقد أستطيع مساعدتك يوما أيها الأمير المجروح .
أمير : فلتسمعى اذا صغيرتى . ولدت أميرا و لى عهد للعرش . و لانى ولى العهد كانت تربيتى تزداد قسوة يوما بعد يوم فلا تظنين انى مدلل بالقصور . تعلمت و قرأت و سافرت و تعلمت القتال و النزال و كيف ادير الحروب . تعلمت الفن و الموسيقى و الصيد وركوب الخيول . كنت وحيدا وسط قصرى الكل يطيعنى فأنا الأمير . و لى من الأخوة الكثير كنت منبوذ بينهم يكرهونى فأنا ولى العهد الذى سيحكم بيوم من الأيام . و عندما حان الوقت لأعتلى العرش قاموا بالإستيلاء على عرشى بخدعة و تركونى وحيدا . بل هناك من أراد قتلى حتى لا أطالب يوما بالعرش من جديد و هناك من رأى أن يتم عزلى بعيدا لأخر البلاد و فى أثناء ترحيلى قمت بالفرار و جعلت من الغابة لى ستار تضللهم و تساعدنى على الفرار . بقيت وحيدا لأيام . وشعرت بالراحة بوحدتى فقد رفعت عن كاحلى العديد من المهام التى طالما أثقلت كتفى و الأهم من ذلك إبتعدت عن الناس بما فيهم من كذب و نفاق . سرت بالغابة أتلمس من أزهارها النقاء . أتعرفين ما تحمله الأزهار ؟
نسمة : انها تحمل الود و النور . تعطى جمالها فقط لمن تريد و تحمى نفسها بالشوك . تعلم انها ضعيفة لكن ضعفها سر قوتها و جمالها . تمنح عطرها فقط للقريب أما من إختار البعاد عنها لا يشم ريحها و لو بعد سنين . تعلم جيدا انها خلقت للزينة و الجمال . تزبل لو إستحوذ عليها أحد و إقتلعها و ان تركها تعيش . تعشق النور حتى تحين لحظتها و تصل الى زوال . تسلم أوراقها للخريف يقتلعها ورقة وراء أخرى و كأنه موت بطئ . لكن جذورها حية و بأول الربيع تزهر من جديد . زهرة أخرى نقية تبدأ الحياة من جديد .
أمير : لا هذا كثير . أقسم ان بك شئ غريب تتسللين الى نفسى و تبوحين بما فيه . أنتى ساحرة من نوع غريب !!!
نسمة : أنا أتكلم بما يجول بخاطرى و قد سبقتك الى الوصف أيها الأمير .
أمير : أتعلمين . قد علمتى كل شئ عنى و لكنى الى الأن لم أعلم اسمك صغيرتى ؟!
نسمة : اسمى نسمة .
أمير : ياله من اسم جميل . حسنا يا نسمة . سأعقد معك إتفاق و لكى الإختيار فيما تشائين . سيسطع الفجر قريبا و نستطيع معه ان نتسلل و نخرج من الغابة و سأدلك على الطريق لأهلك على أن تعدينى ان تظلى معى رفيقا لدربى حتى أصل الى مدينة والدتى فهناك سيتغير الحال أكيد . لن أتولى العرش و لكن ستتغير حياتى هناك أعلم ذلك . سيعود لى بعض ما أخذ منى أولهم حقى بالحياة و أن أكون بأمان فهذا حقى و ان كنت لا آآمل منهم الكثير . فقد ضاع الأمل منى ولا يسعنى إلا ان أعيش الحياة . أعلم اننى لن اسامح من ظلمنى يوما و لكن لن أحاربه سأتركهم و أترك عالمهم المقيت .