جلست على إحدى ضفاف طفولتي، و أول ما اصابني رائحة ألِفتها قبل عقدٍ ونصف، و تيار الذكريات الذي سرى أسرع من المد.
سألت النهر أما إشتقت لعبثنا بكَ أيها الوحيد المهجور؟ أما اشتقت إلى يوم كنت أُنِسُ وحدتكَ بالجلوس على ضفتك و الحديث عن خباياك، و تأمل السلطعونات التي بَنَتْ في ضفافك داخل الطين بيوتها. أتذكر كيف كنتَ تغرقها بمدك فتخرج فألتقطها بالعصى... و آه كم قرصة قُرِصنا!... أتذكر حين كانت تسبح فيك السلاحف، و الضفادع، و الأسماك، و في الأيامِ التي تصفو بها كنتُ أرى كل ما في جوفك من حياة... أنتَ من علمني دراسة الطحالب، و نموها، و مواسمها، و تركيبها، و الضفة الأخرى التي كانت لغزاً عميقاً لا طالما حلمت بالعبور إليه.
أتذكر حين حملني جدي و سبحتُ فيك أول مرة؟ طفلٌ ترعرع على مياهك، و تحت شجرة السدر التي كانت تضللنا في أيام الصيف الدافئة.
يا صديق طفولتي العزيز لقد هرِمت، و اهملوك حتى صرت بقايا حياةٍ سابقة.
قمت من على الضفة حاملاً ذكرياتي القديمة، و ممتناً لك يا صديقي.