الفصل السادس

435 11 0
                                    

المسافات بيننا تزداد

الأمر يزداد صعوبة لي في الوصول إليكِ

المسافات بيننا تحمل كل أسرارنا

تتركنا عاجزين عن الحديث... ولا أعلم لماذا

Spaces – One Direction

تنهد طارق بعمق وهو يمرر يده بخفة على ملامح وجهه, مرجعا جسده للخلف على مقعد السيارة الأمامي خلف عجلة القيادة, فقد كان أسبوع عمل من الجحيم... منذ مقابلته مع أندلس بعد عودته مباشرة للعمل وهو لم يلمح منها شعرة مرة أخرى, كان يعلم جيدا أنها تتجنبه كما لو كان الطاعون ذاته, ظل يخبر نفسه أن هذا هو للأفضل, وأنه تزوج من الأساس ليريحها من وجوده ولكن كل تلك الكلمات التي كان يقولها لذاته لم تمنع ذلك الشعور من الألم في قلبه مهما حاول, لا يعلم ما الذي يجعل قلبه أحمقا هكذا... متعلقا بأذيال امرأة لا تطيقه, وما يغيظه أكثر أن بين يديه الآن امرأة تمنحه كل ما في قلبها من عاطفة يعلم جيدا أنها صادقة... عاطفة هو أكثر من جائع لها, إلا أن الحقيقة التي يجب أن يتعايش معها يوميا هي أنه ما سيسكن جوعه هذا هو امرأة لن تمنحه ذلك مطلقا... امرأة يعلم جيدا أنها لو خيرت بين أن تقتله برصاصة أو تتركه ليموت عطشا لفعلت كلاهما, ارتسمت ابتسامة سخرية مريرة على شفتيه وهو يفكر أن قلبه يلهث فقط خلف تلك المرأة, شعر بالمرض... بالمرض من حالته المثيرة للشفقة هذه, هو لم يعهد نفسه بهذا الضعف يوما... فقط أندلس هي الوحيدة القادرة على أن تجعله هكذا, الوحيدة القادرة على دس السم في طعامه ليتناوله هو مسرورا فقط لأنه يعلم بأنها هي من أعدته!!!

هز رأسه في شاعرا بالاشمئزاز من ضعفه المقيت ذلك, وهو يترجل خارجا من سيارته متوجها نحو الحديقة الخلفية للمنزل الذي جمعه يوما مع أندلس, فقد جاء اليوم ليمضيه مع سيف ليبيت معه هنا أيضا كما اتفق معها قبل الزواج, يستطيع أن يفعله معه ما يشاء إلا أنه لن يصطحبه لمقابلة مريم, كان هذا هو شرطها الوحيد وحين اعترض أخبرته بكل هدوء أنه هو من تنازل عن حقه في سيف عندما أخبرها أنه سيتزوج عليها, وكأنه كان يدري بأنها ستمسك كلمته تلك ضده حرفيا, هو كان يقصد وقتها بأنه لن يسلبها إياه ولكن عقلها الذي لا يدري كيف يعلم تعامل مع كلماته تلك بتلك الطريقة, وقتها يذكر بأنه كتم غضبه على الرغم من أنه كان على الحافة حقا, فأندلس رغم كل تمالكه هذا لأعصابه أمامها إلا أنها هي الشخص الوحيد على وجه الأرض القادر على إثارة جنونه الكامل!!! أفاق من أفكاره على رائحة زهور متنوعة, فتفأجأ أن خطواته أوصلته تلقائيا نحو الجزء الخاص به من الحديقة والذي كان يعتني به على الدوام, مغمضا عينيه أخذ نفسا عميقا من رائحة الزهور التي غمرته بهدوء لم يشعر به منذ فترة لا يدري طولها, فتح عينيه ببطء لتقع على شجرة الماجنوليا التي كان قد زرعها قبل عدة سنوات عندما كان يجهز هذا المنزل ليكون... هز رأسه حتى يتوقف ولا يتابع خط سير تلك الأفكار التي لن تفعل شيئا إلا أن تزيد من حسرته في قلبه وتشيع الألم فيه, ليركع على ركبتيه أمام الزهور الرقيقة الأخرى ليلاحظ أن الأعشاب الضارة قد بدأت تغزوها, تساءل في ذاته بابتسامة هادئة على شفتيه منذ متى كانت آخر مرة أتى بها إلى هنا ليعتني بها؟؟ مد يده يلامس بتلات إحدى الزهور متنعما بملمسها الناعم دافعا في رأسه أي فكرة عن الشخص الذي يذكره به هذا الملمس, على الرغم من أنه لا يوجد بجواره أي من أدوات الاعتناء بالحديقة خاصته إلا أن ذلك لم يمنعه من مد يده وبدأ باقتلاع الأعشاب الضارة, الحركة المتكررة زادت من هدوئه ليتوقف بعد بعض الوقت ويريح ظهره ليقابل جذع الشجرة أخبر نفسه أنه سيرتاح فقط لخمس دقائق ثم ينهض ليصطحب سيف, ثم أغمض عينيه متنعما بالظل لبعض الوقت ليذهب في نوم هادئ, غافلا عن تلك التي ظلت متسمرة أمام نافذة حجرتها مراقبة لكل خطوة كان يقوم به وكل تعبير ظهر على وجهه, وعندها ذهب في النوم...

في ظلال الشرق - ج1 من سلسلة ظلال -حيث تعيش القصص. اكتشف الآن