الفصل العاشر

486 17 0
                                    

كان من نصيبه الموعد الأخير لهذا اليوم وقد حمد الله على ذلك, فهو لم يكن ليتحمل أن يخوض حوار كالذي يتوقعه وهو في منتصف اليوم, كان يشعر بأن الأمر لن يكون سهلا عليه... بأن ذلك الحوار سيكلفه الكثير ويجعله يفصح عن الكثير... ولم يكن مخطئا!!

جلس نزار في صمت يجيل عينيه في الغرفة حوله, كانت غرفة متسعة تتناثر بها قطع قليلة من الأثاث... مكتبة ذات لون بني محروق تحوي كتبا طبية متعددة باللغة الانجليزية تغطى حائطا كاملا من الغرفة, أريكة مريحة من الجلد الأسود كان يشغلها هو وبجوارها مقعد وثير من ذات المادة تحت نافذة متسعة, أما المكتب فكان في الجهة المقابلة للباب من خشب الماهوجني بذات لون المكتبة, وماكينة قهوة تشغل طاولة صغيرة في الركن القريب من المكتب, الغرفة نفسها كانت مطلية بدرجة من الأزرق الناعم الذي يبث هدوء لمن فيها, معلقة على الحوائط عدة صور لمناظر طبيعية مريحة, عاد بنظره للمرأة التي تشغل المقعد خلف المكتب عندما قالت: ما رأيك بالمكان؟؟

إيمان عمر... كانت امرأة لا يمكن أن تكون أكبر منه بأكثر من خمس سنوات, جذابة و رشيقة الجسد ذات وجه بيضاوي وعينان بنيتان كالقهوة تلتمعان بمزيج من اللطف والذكاء, شعرها الذي يماثل لون عينيها كان مرفوعا فوق رأسها في تسريحة بسيطة لم تقلل أبدا من جاذبيتها, تنحنح وهو يقول: المكان جميل... يبعث الهدوء في النفس!!!

أومأت إيمان وهي تقول: وهذا ما كنت أريده كانطباع للمكان!

أكد نزار: وقد وُفِقتِ في ذلك.

أومأت مرة أخرى دون أن تضيف شيئا تاركة لعينيها القهوائيتين عناء التعبير عن الانتظار لمعرفة ما يود قوله, هي كانت تعرف هوية الجالس أمامها... فمن لا يعرف أفراد عائلة الشرقي!!! ولكن فضولها المهني أُثيِر وبشدة لزيارة الرجل المشهور بكونه القطب الثاني من هذه العائلة, لم تستطع إلا أن تقدر ملامحه الوسيمة, بعينين رماديتين لم تر في صفاءهما قط, وجه مستطيل يعلوه شعر ذو لون بني فاتح بخصلات طويلة نسبيا, وقامة طويلة مكسوة بقميص رمادي مقارب للون عينيه وبنطال أسود, لم تستطع إلا أن تتساءل بداخلها عما قد يحضر رجلا مثله إلى عيادتها, إلا أنها كما تعرف بعد الخبرة التي اكتسبتها في مجال عملها أن الواجهة عموما لا علاقة لها بما يدور بداخل المرء, زفر نزار ليعتدل في جلسته وهو يقول: أنا لم آتي اليوم لأمر يخصني... حسنا هو يخصني ولكن...

هز كتفيه بارتباك ليتنحنح ليتابع: أتيت اليوم لأجل ابنة عمي!

أومأت برأسها منتظرة بهدوء لما هو قادم, ولم يخب أملها فتابع بنبرة فقدت فيها الحياة التي كانت تسكنه: هناك شيء ما غير طبيعي بها... إنها ترفض لمسة أي رجل وإن كانت عرضية!!!

التمع الاهتمام في عينيها وهي تسأله: منذ متى هذا الأمر؟؟

حادت عيناه عنها وكأنه يشعر بالخجل مما سيقوله: لا أدري... في الأعوام الأخيرة ربما!!!

في ظلال الشرق - ج1 من سلسلة ظلال -حيث تعيش القصص. اكتشف الآن