تنهدت أندلس بتعب وهي تدلك كتفها الأيمن بيدها اليسرى متراجعة عن مكتبها لتسند ظهرها على ظهر المقعد, أخيرا انتهى العمل لهذا اليوم... بالكاد استطاعت أن تجبر عقلها على التركيز دون أن يحيد عن مساره المحدد لتلك الزيارة التي توسطت يومها فقلبته تماما, كيف لها أن تمنع ذاتها من أن تحيد لتتذكر كل لمحة مرت من ذاك اللقاء؟! وكأن عينيها تحولتا لكاميرات تسجيل كل مهمتها هو التقاط كل لحظة من ذلك اللقاء!!! زفرت بضيق وهي تستغفر الله في سرها قبل أن تنهض من على المقعد لتتمدد بجسدها تحركه ببطء عل ذلك التشنج الذي أصاب جسدها من طول مدة الجلوس يختفي, صوت نحنحة جعلها ترفع رأسها بمفاجأة لترمش عيناها باحساس من الذنب للأفكار التي كانت في رأسها متعلقة بأسعد عندما أبصرت طارق الواقف عند باب المكتب ينظر لها بتعابير هادئة تخالف ما قد تتوقعه منه, سمعته يقول بهدوء: لقد طرقت الباب ولكن يبدو أنكِ لم تكوني منتبهة!
أغمضت عينيها للحظات تحاول السيطرة على ارتباكها اللحظي من ظهوره ثم فتحتها لتقول بنبرة شبيهة مغلفة بالتعب الذي كان يهيمن عليها: معذرة لقد كنت بعيدة بأفكاري... هل كنت تريد شيئا طارق؟
أجابها: لقد أتيت أعرض عليكِ أن نذهب للمنزل معا بما أنه وجهة كلينا.
هزت رأسها نافية وهي تقول: لن أستطيع الذهاب... فقد نويت أن أمر على دمشق اليوم!
صمت للحظات قبل أن يهز كتفيه بلامبالاة: حسنا... كما تشاءين أندلس, إلى اللقاء!!!
وبهذه البساطة أمام عينيها المذهولتين انسحب من المكتب بأكمله ملوحا لها بيده, لازالت رغم مرور كل هذا الوقت تُدهش إن قام بشيء مخالف لما اعتادت عليه, وتحت ذهولها ذاك شعرت ببعض خيبة أمل غير مفسرة لها, هزت نفسها عقليا لتخرج من ذهولها البائس ذاك وتحركت لتتناول حقيبة يدها وخرجت من المكتب بأكمله متجهة نحو المصعد ضاغطة على زر الطابق المخصص للجراج, مررت يدها في شعرها في انتظار هبوط المصعد محاولة تخفيف التوتر الذي يسيطر على جسدها وعندما فتح أبوابه تحركت متجهة نحو سيارتها التي صرفت منها اليوم مجد سائقها عندما رأته مريضا, رأت طارق يقف عند سيارته وقد رفع يده لها محييا عندما رأها قبل أن يركب ويدير المحرك لينطلق بعدها بثوان قليلة لتركب هي الأخرى وتنطلق بسيارتها خارجة من الجراج بأكمله متوجهة نحو قصر العائلة...
******************
كانت دمشق تجلس في غرفتها مستمتعة بالموسيقى التي تنبعث من حاسوبها وهي تعمل على تصميم جديد قد بدأته منذ عدة أيام, بعد لحظات قليلة تركت القلم من يدها ونهضت من على مقعدها وبدأت تتمايل وتدور حول نفسها على أنغام الموسيقى, كانت لاتزال تزور الطبيبة في موعد أسبوعي تتناقش معها في كل شيء, وتفرغ لها ما يضيق بصدرها, لا تنكر بأنها صارت تشعر بأنها أكثر ارتياحا مما سبق... ذاك الوجع الذي كان يثقل صدرها هدأ تقريبا وخف حتى ما عادت تشعر بأنها تحمله معها في كل مكان, شيء واحد لازال يضايقها دون أن تستطيع أن تحله, فنزار لازال يتجنبها رغم أنه يخبرها بأنه لم يعد غاضبا منها ولكن هناك حاجز قد بني بينهما دون أن تقدر على إختراقه, وهو لا يسمح لها حتى بالمحاولة!!! شعرت بالخسارة تتوغل في داخلها دون قدرة منها على إيقافها, والله يعلم كم خسرت حتى هذه اللحظة!!! تنهدت بتعب وهي تهز رأسها طاردة تلك الأفكار من رأسها, رنت كلمات الطبيبة في رأسها وقد قالتها لها بعدما تقدما في الحديث عن نواحي علاقتها المختلفة بمن حولها "إن كل خطأ في أي علاقة يقع على الطرفين معا... لا شيء يدعى الخطأ يقع على شخص واحد فقط, فكلا الطرفين قد ساهما فيه بطريقة أو بأخرى".
أنت تقرأ
في ظلال الشرق - ج1 من سلسلة ظلال -
Romance"دمارنا يبدأ من الداخل" عبارة تنطبق على النساء والمدن فما من مدينة سقطت إلا وكان السبب أبناء تبرأوا منها وباعوها للغازي وما من امرأة سقطت إلا وكان السبب... رجلا!! أندلس... القاهرة... دمشق ثلاث نساء سقطن في غياهب الألم بسبب رجال لم يحفظوا عهدهم سواء...