الفصل الثالث عشر

400 13 0
                                    

يا إلهي... ما الذي فعلته؟!! هكذا فكر حيدر وهو يرى شحوب وجهها الشديد واتساع عينيها برعب لدى مرآه, لم يكن يظن بأن هذه ستكون ردة فعلها عندما تقع عينيها عليه, تحرك سريعا نحوها وهو يرى جسدها يترنح قبل أن تتهاوى فاقدة الوعي, بالكاد استطاع الإمساك بها قبل أن ترتطم بالأرض, عدّل من وضعها قبل أن يحملها بين ذراعيه ويدور بها في المكان باحثا عن أريكة ما أو شيء من هذا القبيل حتى يمددها عليه في راحة, وجد أريكة بنقوش مختلفة من درجات البني والأخضر تكفي لشخصين في غرفة مكتب صغيرة مضاءة, لم يجد ما هو أكبر منها فاضطر أن يمددها عليها, لاحظ بعدما استقام في وقفته تقطيبة حاجبيها و وجد فمها يتحرك بكلمات لم تصل لأذنيه فانحنى بجسده نحوها ليحاول سماع تمتماتها, سمعها تردد: لا... لا!!!

اعتدل في وقفته وهو يشعر بالذنب ينهش قلبه للرعب الذي تملكها لدى مرآه, لم يكن يتوقع أن تكون هذه ردة فعل امرأة تلتقي بزوجها بعد مرور تلك السنوات, بحث بعينيه عن كوب فارغ فوجد واحدا منتصبا على المكتب, فأخذه واتجه نحو باب لم يلحظه في بادئ الأمر متمنيا أن يكون مؤديا للحمام, تنهد براحة عندما وجد تخمينه صحيحا, وقف أمام المغسلة ليملأ منها الكوب, وقعت عيناه وقتها على انعكاسه بالمرآه المعلقة فوق المغسلة فمد يده الفارغة نحو عينيه ونزع ببساطة العدسات العسلية التي كان يرتديها لتظهر لون عينيه القهوائيتين ليضع تلك العدسات في جيبه, شيء ما بداخله جعله يقوم بذلك بعدما سجل عقله رعبها ذاك, بعدما امتلأ الكوب أغلق الحنفية وعاد مرة أخرى للغرفة ليجدها كما تركها تماما ممددة على الأريكة مغيبة الوعي, تحرك حتى توقف أمام الأريكة تماما وركع بالقرب من وجهها, لقد كانت جميلة حقا... تبدو كالملاك وهي مغمضة عينيها الزرقاوين المتسعتين كالأطفال, ببشرة بيضاء حريرية وفم مطلي بلون المرجان ذكره ببتلات الزهور الناعمة, أغرته أنامله ليختبر ملمس تلك النعومة ولكنه صرف تلك الفكرة سريعا, حجابها وملابسها يوحي بالتزامها الديني, شيء ما بها يجعله يشعر بأنها من أولئك النساء اللاتي يجب أن يحفظن في غرفة ببروج مرتفعة بعيدا عن شرور العالم, ارتسمت ابتسامة ساخرة على شاعرية الأفكار التي مرت به في تلك الثوان القليلة, بلل يده ببعض الماء وقام بنثر تلك القطرات على وجهها, كرر الأمر لعدة مرات حتى بدأت ترمش بعينيها وتفتحهما ببطء, جمدت في مكانها حتى إنه كاد يقسم بأن أنفاسها قد احتبست في حلقها وهي تبادله النظرات المرتعبة قال لها بصوت هادئ أجش ببطء: لا تخشي شيئا... أنتِ في أمان تام... أنا لن أضركِ بسوء!!!

وكأن كلمته تلك كانت المفتاح لحل جمودها لأنها اعتدلت في جلستها سريعا حتى كادت تلقيه على ظهره بسبب ذلك, وانكمشت في أقصى طرف للأريكة ضامة ركبتيها لذاتها ومحاوطاهما بذراعيها, مخفضة رأسها حتى ما عاد يظهر منها سوى عينيها, نهض من جلسته تلك وتراجع للخلف عدة خطوات وأعاد كلماته عليها بهدوء: أنتِ في أمان تام... أنا لن أمسّكِ بسوء, أدعى حيدر... أتريدين مني أن أحضر لكِ شيئا؟!

في ظلال الشرق - ج1 من سلسلة ظلال -حيث تعيش القصص. اكتشف الآن