أدخلت دمشق مفتاحها في باب المنزل الأمامي قبل أن تزفر بتعب وتدلف لداخل المنزل مغلقة الباب خلفها, تحركت نحو الدرج تبغى الذهاب لغرفتها والراحة لبعض الوقت, وقد تطلب من الخادمة أن تحضر لها بعض الطعام الخفيف, فاليوم كان طويلا وقد فاتها وقت الغداء لانغماسها في الحسابات الخاصة بمتجرها, قابلت إحدى الخادمات على الدرج لتتوقف الخادمة وهي تقول بارتياح: سيدة دمشق... السيد راغب سأل عنكِ وأمر الجميع أن يخبركِ ما إن يراكِ أنه ينتظركِ في غرفة المكتب!
ارتفع حاجب دمشق بتعجب ولكنها قالت: حسنا... اخبريه فقط أن يعطيني نصف ساعة وسأكون عنده!!
هزت الخادمة رأسها بالنفي وهي تقول باحترام: لقد قال ما إن تصلي للمنزل حتى تذهبي مباشرة للغرفة!
شعرت دمشق بالتعجب لهذا الأمر إلا أنها أومأت للخادمة شاكرة إياها قبل أن تهبط تلك الدرجات القليلة التي صعدتها وتغير إتجاهها نحو غرفة المكتب, بداخلها كانت تشعر بأنها تعلم أي موضوع يريد والدها مناقشتها فيه وعلى الرغم من أنها لا تشعر بأنها تستطيع أن تتناقش في الأمر أو حتى تفسيره إلا أنها لا تستطيع أن تعصيه, توقفت تلك الأفكار تماما وهي تقف أمام باب غرفة المكتب المغلق ثم طرقت عليه بلطف منتظرة الإذن, وعندما سمعته دلفت مطرقة الرأس قليلا وهي تسمع والدها يطلب منها بصوت مكتوم: أغلقي الباب خلفكِ دمشق!
فعلت كما أمرها قبل أن تستدير لترفع رأسها لتجد أبيها يجلس على الأريكة الجلدية وبجواره نزار في حين كان جدها على مقعده المتحرك, أما أندلس وطارق فقد جلس كل منهما على مقعد جلدي متجاورين, ارتفع حاجبها بتعجب وهي ترى هذا الجمع لتلقي التحية عليهم بهدوء ليقول والدها: اجلسي دمشق... نريد التحدث معكِ قليلا!!
كتمت دمشق تساؤلاتها القلقة حتى اتخذت المقعد المقابل لمقاعد أندلس وطارق لتلتفت بجسدها نحو والدها في حين مرت عيناها سريعا على الجميع: ما الأمر أبي؟!
بدون كلمة وبحركة أوضحت أن نزار بالكاد يتمالك أعصابه ألقى إحدى الجرائد على الطاولة التي توسطت المقاعد والأريكة, دون أن تنحني دمشق لتلتقط الصحيفة فهي بالفعل كانت تشك بأن هذا الاستدعاء لم يكن إلا بسبب تلك الشائعات التي تفجرت في الصحف, لتقول بهدوء: لا يوجد سبب وجيه لهذا التجمع الكبير... اسمه حيدر نصر وبالفعل هو توأم زياد, وكيف لم نعلم بوجوده قبلا هي قصة لا أهتم حقا بالتطرق إليها الآن, لقد قابلته في الردهة وأنا عائدة من غرفة الزينة النسائية – اتجهت نظراتها لنزار بتحذير سريعا قبل أن تعيدها لوالدها وهي تتابع – لقد أراد أن يقدم تعازيه المتأخرة لي عن وفاة زياد... وكما ترون في الصور فهو يعتبر نسخة منه لهذا من شدة صدمتي شعرت بالدوار مما جعله يسارع لمساندتي!!!
وأشارت بيدها للجريدة الملقاة على الطاولة قبل أن تكمل: أما هذا فهو مجرد شائعات و هراء محض... سينسى الناس الأمر في غضون أيام قليلة!!!
أنت تقرأ
في ظلال الشرق - ج1 من سلسلة ظلال -
عاطفية"دمارنا يبدأ من الداخل" عبارة تنطبق على النساء والمدن فما من مدينة سقطت إلا وكان السبب أبناء تبرأوا منها وباعوها للغازي وما من امرأة سقطت إلا وكان السبب... رجلا!! أندلس... القاهرة... دمشق ثلاث نساء سقطن في غياهب الألم بسبب رجال لم يحفظوا عهدهم سواء...