نهض نزار من مكانه سريعا ووقف بين معزّ وقاهرة على الرغم من أن معز لازال متمسكا بذراع قاهرة, خاطبه نزار بحدة: ما الذي تفعله يا مجنون؟؟ دعها وشأنها!!
ضيّق معزّ عينيه وهو يرد بغضب: لا تتدخل أنت!!
أمسك نزار بيد معزّ وأبعدها عن قاهرة ليخفيها بأكملها وراء ظهره ليفجر قنبلته قائلا: هذه خطيبتي التي تتحدث عنها, لهذا من حقي أن أتدخل!!
جمد معزّ في مكانه تماما, لا يتحرك فيه إلا عينيه اللتين تنتقلان من وجه قاهرة الشاحب لوجه نزار المصمم وهو يردد بصوت حاكى شحوبه: ماذا؟؟
في تلك اللحظة أقبل رائد عليهم ليتوقفوا عن صراخهم في وجه بعضهم البعض و ينظرون إليه, اقترب منهم وعينيه مثبتتين على معزّ يقول له بغضب: لقد أخبرتني أنك لن تضايق أمي!! لقد كذبت عليّ!!
ثم بدأ في ضربه في ساقه بقبضتيه, تحركت قاهرة سريعا من وراء نزار لتجذب رائد بعيدا عن معزّ وتضمه لصدرها تطمئنه قائلة: لا بأس يا صغيري, أنا لست متضايقة!! هو لم يفعل شيء!!
وضع رائد يده على وجهها ليقول لها بضيق: ولكنكِ تبكين!!
لم تشعر قاهرة بتلك الدمعات التي انهمرت على وجهها فرفعت يدها تمسحها وهي تشهق قائلة: لقد اشتقت فقط لعمك نزار, فأنا لم أره منذ وقت طويل كما أخبرتك قبلا!!
حتى هذا المشهد الذي حدث أمامه لم يكن معزّ قد ربط مطلقا بين ذلك الطفل الموجود في غرفة سناء وبين قاهرة الراكعة تضم صغيرها بلفتة حماية آلمته, ولعلها أيضا زادت من غضبه الذي يشتعل بداخله منذ أكثر من سبع سنوات... منذ ما حدث ورأه بعينيه, وكانت تلك الضربة القاضية لقلبه, أيكون ابنها من ذلك السافل أم أنها تزوجت فيما بعد؟؟
أسئلة كثيرة دارت في رأسه لم يظن أنه سيتحمل أي منها في الوقت الحاضر, هو يحتاج لتهدئة ذاته حتى يستطيع التعامل مع هذه الأحداث, لهذا دون إضافة كلمة أخرى اندفع خارجا من الغرفة غير قادر على إلقاء نظرة واحدة على كليهما لأنه كان واثقا أنه في هذه اللحظة كان قادرا على قتلهما معا, صافعا الباب خلفه بشدة تردد على أثرها الصوت في الغرفة المطبقة الصمت من بعد خروجه.
التفت نزار ينظر للأم التي لا تزال راكعة تضم ابنها لصدرها لا يعلم أي من الاثنين يحمي الآخر, وهما يبادلانه النظرات بأعين متسعة بها توسل للحماية على الرغم من أن نظرة قاهرة كان يتصارع بها ذاك التوسل مع كبرياءها, مرر يده في شعره أولا قبل أن يمسح بها على وجهه وهو يتمتم بخفوت لعدة مرات: يا إلهي!!!
اعتدلت قاهرة في وقفتها بصمت وتركت كتفي رائد وأمسكت بدلا منها يده في يدها وارتفع ذقنها في لمحة كبرياء مجروح قبل أن تقول بخفوت: فهمت!
ارتفع صوتها درجات قليلة كي يكون أكثر وضوحا لأذنيه: شكرا لك يا ابن عمي... لن أعطلك أكثر من هذا!!!
أنت تقرأ
في ظلال الشرق - ج1 من سلسلة ظلال -
عاطفية"دمارنا يبدأ من الداخل" عبارة تنطبق على النساء والمدن فما من مدينة سقطت إلا وكان السبب أبناء تبرأوا منها وباعوها للغازي وما من امرأة سقطت إلا وكان السبب... رجلا!! أندلس... القاهرة... دمشق ثلاث نساء سقطن في غياهب الألم بسبب رجال لم يحفظوا عهدهم سواء...