شحب وجه بشدة دمشق بشدة حتى قارب بياض الحليب وهي تهز رأسها نفيا غير مصدقة, علمت بأن رد فعلها كان مرئيا للغاية وأنه لفت انتباه حيدر الناظر لها ولكنها لم تستطع تمالك نفسها واستجماع شتاتها ليأتي صوتها متلعثما مختنقا حتى لأذنيها هي وهي تقول لأندلس: مـ... ماذا قـ... قلتِ؟!
أعادت أندلس كلماتها بذات النبرة الغير مصدقة والتي يبدو أنها لم تلاحظ رد فعل دمشق: أظنني... لا... لا لقد رأيت قاهرة اليوم بالمكتب, كانت مع نزار!!!
قطبت دمشق حاجبها قليلا وهي تسأل بتأن: هل أنتِ متأكدة بأنها كانت قاهرة؟! قد تكون امرأة أخرى أندلس؟!
جاءها صوت أندلس حادا مرهقا: وهل سأتوه عن شقيقتي مثلا دمشق؟! لا تثيري أعصابي!!!
زفرت أندلس بتعب فهي تشعر بالهشاشة بداخلها منذ أن خرجت من عند طارق والآن ذلك الاحتمال المجنون بعودة قاهرة!!! حقا هذا اليوم لا يمكن أن يحدث به ما هو أسوأ من هذا, عادت من أفكارها على صوت دمشق: لا تصرخي في وجهي أندلس!
مررت أندلس يدها في شعرها قائلة بذات الحدة: أتعلمين شيئا دمشق؟! أنا المخطأة لأنني اتصلت من البداية... وداعا!!!
ودون أن تنتظر ردا قامت بإغلاق الخط, أبعدت دمشق السماعة عن أذنها تنظر لها غير مصدقة لما قامت به شقيقتها قبل أن تعيدها بزفرة نفاذ صبر لموضعها, جاءها صوت حيدر من خلفها متحشرجا: مشاكل؟!
التفتت تنظر إليه متفاجئة, ففي تلك اللحظات القليلة الماضية قد نست وجوده معها في ذات الغرفة, أرادت أن تنفي الأمر ولكن شيء ما في نظراته المطمئنة جعلها تعترف قائلة بصراحة: لا أعلم حيدر!!
هزت رأسها بتعب وهي تكرر: لا أعلم!
صمت حيدر للحظات متمعنا النظر في ملامحها الشاحبة وعينيها التي تشي بكونها على حافة الانهيار والبكاء ليقول في النهاية ببساطة: لا بأس عليكِ... هيا اعدي لنا كوبين من القهوة اللذيذة خاصتكِ حتى ننهي هذه الأوراق اللعينة اليوم!
ارتسمت ابتسامة ممتنة على شفتيها كونه لم يكثر من الأسئلة, هذه هي إحدى الخصال المميزة التي اعجبت بها في حيدر, الرجل حقا لا يتدخل فيما لا يعنيه!!! يتقبل الكلمة ما إن تقولها دون أن يضغط على أحد في الافصاح عما لا يرغب به, لعل هذه هي إحدى الأشياء التي جعلتها تسترخي قربه بعد كل ذلك النفور والحذر الأوليان في بداية علاقتها المفترضة, بالحقيقة هي الآن تستطيع القول وبكل ثقة أنه لا يشبه زياد في شيء عدا ذلك الشبه المفزع في الشكل, أومأت برأسها وتوجهت نحو ماكينة القهوة لتبدأ في تشغيلها وتحضير الأكواب.
*************
اندفع معز خارجا من المكتب منطلقا عبر الرواق للدرج غير عابئ بتلك الأعين التي تراقب اندفاعه الشرس ذاك, يعلم أن الهمسات ستعلو عن مظهره الغاضب ذاك ولكنه لا يستطيع أن يهتم بهذا الأمر كثير في هذه اللحظة فهو يشعر بأنه قادر على قتل من يتهور ويقف في وجهه الآن, هبط الدرج بأسرع ما يستطيع محاولا إفراغ غيظه في الحركة الزائدة ليهبط الأدوار السبع بأكملها في وقت لا يتعد دقائق قليلة, خرج لموقف السيارات الكائن تحت الأرض أسفل المبنى وتوجه نحو سيارته الرياضية, وقفز بداخلها منطلقا بها لتصدر الإطارات صريرا نتيجة احتكاكها بالأسفلت تردد في أرجاء المكان, ضغط بقدمه على دواسة البنزين لتزداد السرعة شيئا فشيئا بمعدل سريع متناسب مع ذلك الإعصار الذي يدور بداخله يقوده سؤال واحد يتكرر متلاعبا بأعصابه التي كان يظن يوما أنه استطاع التحكم بها...- يا لها من سخرية!!!- كيف بحق الجحيم تواصل نزار وقاهرة؟! وكيف تمت تلك الخطبة اللعينة؟! كيف مر الأمر بأكمله من تحت أنفه دون أن يعلم أحد؟!
أنت تقرأ
في ظلال الشرق - ج1 من سلسلة ظلال -
Romance"دمارنا يبدأ من الداخل" عبارة تنطبق على النساء والمدن فما من مدينة سقطت إلا وكان السبب أبناء تبرأوا منها وباعوها للغازي وما من امرأة سقطت إلا وكان السبب... رجلا!! أندلس... القاهرة... دمشق ثلاث نساء سقطن في غياهب الألم بسبب رجال لم يحفظوا عهدهم سواء...