الفصل الحادي والعشرون

377 14 0
                                    

كانت رغم كل شيء ممتنة لذراع معز التي تمسك بها, فهي حقا لا تشعر بأنها قادرة على سند نفسها, ولكنها ما إن دلفا لغرفة المعيشة بعيدا عن أسماع الخدم وقاطني القصر حتى جذبت ذراعها من يد معز الذي تركها لتترنح للحظات مبتعدة عنه قبل أن تستعيد توازنها وترفع رأسها تنظر له قائلة بتعب: نزار معه حق كما تعلم معز... فأنا لست لعبة!

ضغط معز على أسنانه حتى شعر بأنها تكاد تتحطم بسبب ضغطه ليأمرها بغيظ: اخرسي قاهرة... للحظات فقط حافظي على صمتكِ واتقي شري!

أمالت رأسها قليلا قائلة بسخرية خفيفة: إذا... هل تسمح حضرتك لي بأن أذهب لغرفتي وأرتاح تاركة إياك في صمتك المقدس هذا؟!

قطع الخطوات الفاصلة بينهما في رمشة عين ليمسكها من أعلى ذراعيها يهزها قليلا وعيناه تشتعلان بنيران الغضب والغيرة منذ أن أبصر قربها بنزار, لا يستطيع أن ينسى أنه لولا تدخله لكانت الآن أمام الجميع خطيبة لنزار... فقط لا يستطيع!

أخبرها بفحيح: توقفي عن استفزازي قاهرة حتى لا أنفجر في وجهك!!!

ثم دفعها بقوة كانت كفيلة بجعلها تتعثر قبل أن تسقط بتأوه جالسة على الأريكة التي كانت متواجدة خلفها لحظها الجيد, ارتفع حاجبها باستفزاز صامت وكأنها تقول له دون كلمات "انفجار أكثر من هذا؟!!", ثم رفعت يدها علامة استسلام قبل أن تعدل من جلستها على الأريكة وترخي ظهرها مرجعة رأسها للخلف مغمضة عينيها كاتمة لتأوه تعب كاد يفلت من بين شفتيها غير عابئة بمعز المتصلب في وقفته يراقبها بصمت, كانت شاحبة الوجه... شاحبة وكأنها مريضة, تحت عينيها سواد يدل على ليلة عصيبة مرت بها, وقف أمامها عاجزا... ممزقا ما بين الاقتراب... والابتعاد... ما بين جمعها وضمها لصدره حتى تدخل فيه... و نبذها... نفيها حتى ما تعد عيناه بقادرة على النظر لها, لقد كاد يجن البارحة وهو لم يستطع خداع النوم وإغواءه بالقدوم ولو ساعة... ساعة واحدة!!! لم يغمض له جفن وهو يتقلب على الفراش محترقا بنار... لا لم تكن نارا فقط ما كان يتقلب فيه... لقد كان يتقلب في جحيم مستعر لا يستطيع اطفاءه... غيرته وغضبه يعميانه عن كل شيء... لقد جاءت بطفل... عادت له متبجحة بطفل من رجل غيره, كم كانت قاسية وهي تضعه أمامه لتخبره بكل برود بأن طفلها هذا منذ ست أعوام... من زوج هي قابلته فيما بعد... زوج تزوجته بعده... رجل آخر ضمها لصدره ... داعبها... شاركها يومها وضحكاتها... زوج كانت له كما كانت تعده هو بعينيها... منذ عيد ميلادها العشرين والوعود بينهما تزداد وتتكاثر... كانت الجنة بعينيها هكذا كان يرى, القمر كان بوجهها الناصع... شعرها كان يحاوطها كما لو كان ليل سرمدي, ضحكتها كانت... هي نفسها كانت له كل شيء... شمسه التي يدور في فلكها سعيدا بدفئها!

ذكرى شهقاتها التي استمع لها بالأمس كان يسمعها كخلفية موسيقى ممتدة لا تنتهي تتكالب مع أفكاره لتزيد من عذابه وحيرته, لهذا وبنيرانه تلك بعدما صبر ليلة كاملة وفجر طويل ارتدى ما وقع تحت يده دون أن يركز وانطلق بسيارته متجها إلى هنا ليجد في النهاية بأنها قد خرجت مع شقيقتها دمشق دون أن تخبر أحدا عن وجهتها ليظل هو هنا منتظرا... مشتعلا... راغبا... وكارها لرؤيتها!!!

في ظلال الشرق - ج1 من سلسلة ظلال -حيث تعيش القصص. اكتشف الآن