الفصل الثالث والعشرون

388 14 0
                                    

تمددت دمشق على جانبها الأيمن بفراشها في الغرفة الخاصة بها وعينيها مثبتتان على الوردة الحمراء التي وضعتها على الوسادة المجاورة لها تنظر لها بحيرة وارتباك, لا تفهم تحديدا لماذا أرسلها لها حيدر مع تلك الكلمات صباحا, ما الذي يقصده بهم؟! اعتدلت في جلستها ببطء لتسند ظهرها على ظهر الفراش وتمسك الوردة من ساقها الخضراء تداعب بتلاتها بشرود, لا تنكر بأن قلبها قد تسارعت خفقاته عندما ظنت أنها من حيدر لتتسارع أكثر وأكثر عندما علمت بأنها منه, ارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتيها وهي تردد بخفوت الكلمات التي كتبها على الكارت, اختفت ابتسامتها بنفس السرعة التي ظهرتها بها وهي تحاول التفكير في سبب يجعله يرسل لها هدية كهذه, أفزعها رنين هاتفها الموضوع على الطاولة المجاورة للفراش بجوار المصباح الصغير الذي ينير الغرفة بضوءه الخافت الناعم جاعلا إياها تنتفض في جلستها, دون أن تنظر لشاشة الهاتف كانت تعلم بهوية المتصل... وإن كانت صادقة مع نفسها لاعترفت بأنها كانت دون وعي تنتظره, امتدت يدها بتردد نحوه لتحمله وتضغط على زر فتح المكالمة واضعة إياه على أذنها لينساب إليها صوت دافئ: مساء الخير دمشق!

رمشت عينيها ببطء وهي تستوعب خيبة الأمل التي هطلت عليها كدلو ماء بارد وهي تتعرف على صوت نزار القادم من الهاتف, حادت بعينيها نحو الوردة قبل أن تقول في حيرة: نزار؟!

اعتدلت في جلستها فجأة قبل أن تقول: نزار؟! ما الأمر؟! هل حدث شيء ما؟ يا إلهي...هل أنت مصاب؟!

تراجع نزار في مقعده بغرفة المكتب الخاصة به في شقته المتسعة وابتسامة صغيرة تتلاعب على شفتيه عندما استمع لنبرة القلق بصوتها, يا إلهي كم اشتاق لها! يعلم بأنه تباعد كثيرا في العام الماضي ولكنه فقط لم يكن... قاطع أفكاره سريعا قبل أن ينزلق لهذا الطريق ويعكر مزاجه الرائق ليقول بصوت كسول: وهل يجب أن يحدث مصيبة ما حتى أحدثك على الهاتف دمشق؟!

مررت يدها في شعرها وقد شعرت بجسدها يسترخي قليلا قائلة ببطء: حسنا... نحن لم نعد قريبين تحديدا نزار, فطبيعي أن أظن أن مصيبة ما قد حدثت كي تتكرم وتتصل بي!

ارتفع حاجب نزار وترك حديثها كله ليعلق على كلمة واحدة فقط: أتكرم؟!

أطلق ضحكة قصيرة قبل أن يتابع: لقد تغيرتِ كثيرا في العام الماضي دمشق!

ابتسامتها كانت مريرة ولكن لم يظهر شيئا من ذلك وهي تقول: بالطبع تغيرت نزار... لا أحد يبقى على حاله!

صمت من الطرفين شاب الخط ولم يحاول أحدهما كسره ولكن في النهاية رأت دمشق أنها عليها أن تعرف لِمَ اتصل, شاب صوتها نبرة ما لم يستطع تفسيرها وهي تسأله تختصر كل تلك المقدمات التي لا تفهم إلما يهدف بها: ما الأمر نزار؟! لماذا تتصل؟! هذا ليس بعادتك في الأيام الماضية فما بالك وأنت حاليا لا تراني إلا وقد اكتساك الجليد!

في ظلال الشرق - ج1 من سلسلة ظلال -حيث تعيش القصص. اكتشف الآن