الفصل الخامس والعشرون

286 13 0
                                    

ارتعشت يد حيدر حين حمل المغلف الذي وصله بالبريد اليوم من المعمل الذي راسله بأمريكا حتى يستطيع الحصول على النتيجة التي ستغير الكثير من قواعد حياته أيان كانت, لم يكن يريد أن يرسله لأحد المعامل هنا حتى لا يتسرب الخبر فلا أحد حمل لتلك الضجة التي قد تحدث إثر ذلك, يده الأخرى لم يكن حالها أفضل بكثير حين امتدت ببطء حاملة السكين الصغيرة الخاصة بفتح البريد لتفتحه, ترك السكين من يده ومدها ليخرج الورقة, حدق فيها بلحظات بسكون, لا يعلم إن كان يخشى أن تظل الكذبة كما هي... مجرد كذبة قد غرق في وحلها دون أن يجد قشة ينجو بها... أم أنه قد وجد دون أن يدري الحقيقة لتتساقط أوراق الكذبة من فوقها لتصبح عارية أمام ناظريه ومن ثم عليه التعامل مع تلك الأجزاء المريضة من جراء كذبته!!! ابتلع ريقه بصعوبة بسبب جفاف حلقه قبل أن يستجمع كل جزء من شجاعته ويفتح الورقة, بحثت عيناه سريعا عن النسبة التي تتعلق بها حياته كلها, ليجمد في مكانه تماما دون حتى أن يخرج النفس منه وقد اتسعت عيناه بذهول, رمش بعينيه محاولا استيعاب تلك الحقيقة التي تتفوه بها تلك الورقة الصغيرة المرفوعة أمام عينيه, أحقا هو يحمل في دمه ما يربطه بذلك الصغير... والأهم يربطه بمحبوبته!!! زفر وقد اختنق بأنفاسه المحبوسة في صدره, ترك الورقة ببطء من يديه لينتفض في مكانه عندما تعالى رنين هاتفه النقال ليمسك به ويرى اسم دمشق على شاشته, ترددت أصابعه للحظات قبل أن يضغط زر فتح المكالمة ليأتيه صوت دمشق المرح قائلا: رأيت أنك لم تتصل اليوم فوجدتها فرصة لأسبقك... كيف حالك حيدر؟!

فتح فمه كي يرد ولكن لم يخرج أي شيء منه, تنحنح محاولا إيجاد صوته دون فائدة ليأتيه صوت دمشق محمل بالحيرة: حيدر... هل أنت معي على الهاتف؟!

أخيرا خرج صوته من حنجرته خشنا: نعم... معكِ!

أبعدت دمشق الهاتف عن أذنها تنظر له في حيرة قبل أن تعيده مرة أخرى سائلة إياه: ما بالك حيدر؟! هل أنت بخير؟!!

أومأ برأسه موافقا قبل أن يتذكر بأنها لا تراه ليقول مؤكدا: نعم... لا تقلقي... بالي فقط مشغول ببعض مشاكل العمل!

أظهر صوت دمشق عدم تصديقها وهي تقول: حسنا... لا تقلق إن شاء الله ستحل على خير!

همس حيدر: يا رب!

ثم انتقل بدفة الحديث لموضوع آخر في حين أن جزء منه لازال يقف متصنما عند تلك اللحظة التي علم فيها بأن كذبته لم تعد كذبة!!!

*************

أخذ نفسا من سيجارته ثم زفره بضيق محدقا في الظلام شاردا في أفكاره المشتعلة دون أن يستطيع أن يجد منها منفذا, جاءه صوت تأوه متوجع من الغرفة المغلقة, التفت ينظر للباب المغلق للحظات, قبل أن يعاود جلسته كما كانت دون أن يهتم بذلك الصوت الذي بدأ بالارتفاع, ليقول دون أن ينظر للباب بصوت مرتفع حتى يصل للكائن خلفه: إن لم تخرس فسآتي لأقضي عليك حقا دون رحمة... وأنت تعلم جيدا أنني قادر على ذلك!

في ظلال الشرق - ج1 من سلسلة ظلال -حيث تعيش القصص. اكتشف الآن