الفصل السابع والعشرون

353 14 1
                                    

نحن لم نفترق... ولكننا لن نلتقي أبدا!

لـ محمود درويش

ما إن أغلق الباب بالمفتاح خلفه حتى أسند عليه جبهته بإرهاق نفسي, لقد كان يشتعل بالقلق عليها عندما طال غيابها عن الوعي, لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يدلف فيها للغرفة حيث كانت ممددة دون حراك على الفراش بضعف اعتصر قلبه, إلا أن الراحة قد غمرته ما إن أبصرها مستيقظة حتى وإن كانت شاحبة, راحة امتزجت سريعا بالقهر والغضب والغيرة المشتعلين بقلبه منذ أن أتاه عصام في ذلك اليوم المشئوم لينفجر في وجهها بكلمات طعنت قلبه قبل أن تطعنها, شعر بدمعة حسرة في عينيه أبت رجولته أن تذرفها فارتفعت يده اليمنى تمسحها بارتعاش غريب عنه, يشعر بقلبه مقهور على ما يحدث, كيف في كل مرة يشعر بها قريبة منه حد الملامسة وفي ذات الوقت يشعر بها بعيدة بعد السماء عن الأرض؟!! تحرك من وقفته تلك بخطوات متعبة حتى ألقى بجسده على الأريكة بزفرة ضيق, حتى إنه لا يدري لِمَ أخذها معه بتلك الطريقة, كل ما يعرفه هو أنه ما إن رأها حتى اشتعلت به شياطينه دون أن تترك له فرصة واحدة للتفكير, والآن لا يعرف ما الذي سيفعله الآن بها أو بذلك الوغد الآخر الملقى في الغرفة الأخرى, ضغط على شفتيه بحنق وهو ينهض باحثا عن صندوق الإسعافات الأولية الذي اشتراه اليوم لذلك الوغد حتى يعالج نفسه, أخرجه من أحد الأكياس الملقاة في الغرفة وحمله في يده وسار للغرفة الأخرى ليجد عصام هذه المرة ممدد على الفراش غارقا في النوم فوضع العلبة قريبا منه, ثم خرج بذات الصمت مغلقا الباب خلفه وقد نسي أن يدير في قفله المفتاح, عاد لأريكته الأثيرة وتمدد عليها بتعب مفكرا قبل أن يغلق عينيه بسخرية مريرة أن عليه أن يضيف على بطاقة أعماله كونه خاطف ذو خبرة!

*************

لم يعلم ما الذي جعله يفتح عينيه ويستيقظ من سبات نوم لم يشعر به وهو يحتله, رمش بعينيه للحظات محاولا إعادة تشغيل عقله وإخراجه من غمامة نومه, قبل أن يتناهى لأذنيه صوت تأوه صادر من الغرفة التي بها قاهرة, انتفض من مكانه بسرعة مناديا: قاهرة!!!

لم يأته رد سوى صوت تأوه آخر, ارتعشت يده وهو يمدها بجيبه يخرج سلسلة المفاتيح, لعن نفسه بداخله وهو يرى بأنه لا ينجح في إدخال المفتاح, تفوه بشتيمة أخرى قبل أن ينجح في إدخال المفتاح في القفل ويديره ويفتح الباب مندفعا ليجد قاهرة جالسة بشحوب على الفراش ممسكة برأسها, انحنى أمامها ليضع يده على يدها الممسكة برأسها مناديا بقلق: قاهرة... ما به رأسكِ؟!!

تمتمت بصوت متحشرج متقطع: أشعر... بالدوار... والغثيـ...

لم تكمل كلماتها لأنها تقيأت فجأة على قميصه كل ما حوته معدتها من سوائل حيث أنها لم تتناول طعامها خلال اليوم, حدق معز للحظات في قميصه المتسخ من قيئها قبل أن يقوم بخلعه بكل بساطة ممسكا بطرف نظيف منه ليمسح فمها به بلطف قبل أن يكوره ويلقيه باهمال في إحدى زوايا الغرفة, ساعدها على التمدد على الفراش قبل أن يعتدل في وقفته وصب لها الماء في كوب من إبريق كان قد وضعه على طاولة مجاورة للفراش, ثم ناوله لها مخبرا إياها: سأحضر لكِ كوب من مشروب النعناع الساخن... هل تناولتِ أي طعام اليوم؟!

في ظلال الشرق - ج1 من سلسلة ظلال -حيث تعيش القصص. اكتشف الآن