عينيه ببطء محدقا في سقف غرفته شاعرا بجسده متصلبا تماما, مد يده ببطء ودون أن يرى تقريبا نحو الطاولة المجاورة لفراشه وأخذ يتلمس طريقه بحرص حتى أمسك بالعلبة المربعة والتي لم تكن سوى ساعة رقمية مضيئة, نظر لها ليجدها قد تعدت الثانية من بعد الظهر, لم يكن متفاجئا كونه قد أمضى الصباح أكمله في النوم وقد وصل لشقته في الفجر تقريبا, لقد ارتمى على فراشه منذ أن وصل ضائعا في نوم كان يحتاجه, فجسده كان ممتلئا بكدمات متنوعة, ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتيه وهو يفكر بأنه قد استحق كل ضربة ولكمة نالها من معز, لعل هذا ما جعله يستسلم لقبضته دون أن يفكر حتى بالدفاع عن نفسه, منذ تلك الليلة التي انفجر فيها جنونه واتجه لمعز ليلة حفل خطبته على قاهرة وهو يشعر كما لو أنه اصطدم بقطار, زفر بتعب وهو يعتدل ببطء حتى استطاع النهوض من الفراش, توجه بخطوات متصلبة نحو الحمام الملحق بغرفته, تجنب النظر لمرآته وهو يتخلص من ملابسه بحرص حتى لا يثير الوجع به, وقف تحت المياه الساخنة سامحا لها بسحب كل وجعه وأفكاره وشعوره بالذنب من عقله, لم يعلم كم وقف تحتها ولم يهتم, بعدما انتهى لف المنشفة حول وسطه وعاد مرة أخرى لغرفته وما إن بدأ بإخراج بعض الملابس النظيفة حتى تصاعد رنين الهاتف الأرضي, عبس بوجهه قليلا وتحرك فجأة مما استجلب من شفتيه تأوه وجع تصلب على إثره جسده لعدة ثوان حتى مرت نوبة الألم, تحرك هذه المرة بخطوات أكثر حرصا متوجها نحو الهاتف الموضوع على الطاولة المجاورة لفراشه, توقف الرنين ما إن وصل أمامها فعبس أكثر متمتما بشتيمة خافتة قبل أن يتصاعد الرنين مرة أخرى, تناول سماعة الهاتف قائلا بهدوء: آلو!
لم يكن الطرف الآخر سوى محاميه الذي وكله بخصوص قضية حضانة ابنته, اتسعت عيناه بصدمة وهو يكتشف بأنه قد نسي الأمر تماما, أخبره المحامي بأن القاضي قد حكم في القضية البارحة لصالح إستبرق وزوجها, هو حقيقة لم يتوقع أكثر من ذلك, فإستبرق أمام القانون تمتلك حياة مستقرة عنه, كما أن اختفاءه التام عن حياة صغيرته في الأعوام الماضية لم يساعد بالتأكيد على تحسين صورته أمام القاضي, كتم تنهيدة وهو يستمع لكلمات المحامي قبل أن يقاطعه بصوت حازم وقد اتخذ قراره في هذه اللحظة: أريدك أن تبدأ في تصفية أعمالي هنا, فقد قررت أن أهاجر وأنتقل لمكان آخر!!!
استمع لاعتراضات المحامي وتبريراته بكون السوق في البلاد هنا لازال يمتلك فرصا واسعة لنمو شركاته ولكنه لم يبالي بكل هذا, ففي النهاية هو لا يمتلك أحدا هنا ولن يستطيع البقاء بالقرب من قاهرة عالما بأنه أبدا لن يوجد لديه فرصة معها, وأما ابنته فلديها والدتها وعرفة الذي يعلم جيدا بأنه سيعتني بها كما لو أنها ابنته, وعلى الرغم من صعوبة هذا الاعتراف على نفسه إلا أنه في الحقيقة لم يرفع هذه القضية إلا فقط بسبب غيرة طفولية بلهاء كون إستبرق استطاعت المضي قدما ووضعه في الماضي, قاطع ثرثرة المحامي مرة أخرى قائلا: وأريد أن أضع جزء من هذه الأموال كوديعة باسم ابنتي, ولا تبلغ والدتها عنها إلا بعد انتهاء إجراءات سفري!
أنت تقرأ
في ظلال الشرق - ج1 من سلسلة ظلال -
عاطفية"دمارنا يبدأ من الداخل" عبارة تنطبق على النساء والمدن فما من مدينة سقطت إلا وكان السبب أبناء تبرأوا منها وباعوها للغازي وما من امرأة سقطت إلا وكان السبب... رجلا!! أندلس... القاهرة... دمشق ثلاث نساء سقطن في غياهب الألم بسبب رجال لم يحفظوا عهدهم سواء...