الفصل التاسع والعشرون

314 12 0
                                    

اليوم بعدما تحدثت مع إيمان عن كل ما حدث منذ آخر مرة حدثتها بها, وأخبرتها عن حقيقة رائد وأنها أفصحت بذلك لعائلتها وقارنت بين رد فعل حيدر ورد فعل عائلتها وقتها صمتت إيمان قليلا قبل أن توضح لها دمشق بأنه أخبرها بأنه قد كان يشك بالأمر ملاحظا عدة أشياء متشابهة بينها وبين رائد, تعجبت دمشق من صمت إيمان الممتد والذي قطعته فجأة قائلة بألا تحكم على عائلتها بقسوة ونصحتها وقتها بمحاولة الجلوس معهم والحديث لتنقية الأجواء, لأن لعل بالأمر ما هو أكثر من الظاهر, وأما عن رد فعل حيدر فقد تحفظت إيمان تماما في تعليقها عنه قائلة فقط أنه لعله قد لاحظ لأنه شخص من خارج العائلة ولم يكن منخرطا في الدراما المتعلقة بها مما جعل عقله صافيا بما يكفي لكي يلاحظ أشياء كهذه, وها هي الآن تجلس على المقعد الوثير في مكتب جدها تنظر لوالدها وجدها المتجنبين النظر لها في وجهها, و بالكاد استطاعت كتم ابتسامة ساخرة على حالهما, من كان يظن بأن كِبار عائلة الشرقي سيتجنبان النظر في وجه أحدهم وخاصة ابنتهم؟!! سخرية مريرة ربما؟!! نعم... فهي تعلم بأنها إن لم تنتهج منهجها لانفجرت في البكاء وتوسل السماح, وهي حقا لا تريد أن تنحدر لهذه الطريقة الوضيعة مرة أخرى وقد عايشتها لسنين ماضية كانت كفيلة بجعلها كما لو كانت ممسحة أقدام لصالح ذلك الـ... استغفرت ربها في سرها سريعا, فلا فائدة في سبه وشتمه وهو الآن عند الله يتلقى عقابه, تنهدت دمشق وتنحنحت قليلا لتلفت انتباه والدها وجدها لها ليرفع والدها بصره نحوها للحظات قبل أن يبعده سريعا, في حين فضل جدها النظر لجهتها دونها هي تحديدا, رمشت بعينيها سريعا قبل أن تنادي: أبي!!!

لابد أن شيئا ما في نبرتها قد لفت انتباهما لأنهما أخيرا نظرا لها معترفين حقا بوجودها معهما في الغرفة, لم تدر حول الموضوع بل فضلت أن تدخل فيه مباشرة لهذا سألتهما بصراحة: أتلومانني؟!

أمام نظرتهما الصامتة تابعت وإن تهدج صوتها: أنتما تلومانني لأنني تخليت عن رائد... لأنني أعطيته لقاهرة ولم أنظر يوما للخلف, أليس كذلك؟!

نهضت من على مقعدها فجأة وكأنها لم تعد تتحمل الجلوس فالذنب يتآكلها من الداخل... ذنب دفنته عميقا بداخلها لست سنوات كاملة لكي ينفجر فجأة بداخلها كطوفان يجيش بأعماقها مدمرا معه كل ما حاولت بناءه دونه, تتحرك جيئة وذهابا أمام أعينهما المراقبة لها قائلة بصوت خافت: بالفعل عليكم أن تلومني...إذا كنت أنا ألوم نفسي!!! أي أم تلك التي تتخلى عن طفلها دون أي ذرة ندم؟! ولكن أي أم كنت لأكون إن أبقيته معي وأنا أعلم بأنه سيكون تذكير دائم لذلك البؤس الذي عايشته لسنين قبله؟!!! أي أم كنت لأكونها لو أبقيته معي وأنا أعلم بأنني سأكرهه... أنني سأحيل حياته لجحيم كما فعل والده بي؟!!

التفتت تنظر لهم دون أن تدري أن عينيها تعاكس كلماتها التي تدينها تتوسلهم التفهم: أنا لم أكن لأقدر هدية مثله في ذلك الوقت... لم أكن في وعيي وقتها ولا أظنني قد استعدته حقا إلا عندما ذهبت لتلقي العلاج النفسي!!!

في ظلال الشرق - ج1 من سلسلة ظلال -حيث تعيش القصص. اكتشف الآن