زفر نبراس في ضيق وهو يبطئ من سرعة سيارته حتى أوقفها نظرا للزحام الذي علق به, تناول منديلا ليمسح العرق الذي تفصد عن جبهته على الرغم من أنه قد أشعل مكيف السيارة ولكن حرارة الصيف لم يبد أن شيئا صغيرا كهذا قد وقف أمامها, تحركت أصابعه برتم على المقود محاولا إلهاء نفسه, مد يده يفتح المسجل لتنساب كلمات المذيعة الدافئة:
لا يد لنا على أقدارنا, ولا سلطة لنا على قلوبنا
هي تنبض... لمن أرادت... متى أرادت... وكيفما أرادت
فبعضهم ينبض القلب له
وآخرون ينبض القلب... بهم!
*منقول*
رمش بعينيه متفاجئا وقد استدعت تلك الكلمات ذلك الوجه الذي لم يفارقه منذ أن قابلها في ذلك اليوم, أيان ما كان ينشغل به لا يستطيع أن يطردها من أفكاره وقد كانت دائما ما تفاجئه حين لم يكن متوقعا, تنهد نبراس محاولا تهدئة نبضات قلبه المتسارعة بداخل صدره لدى ذكراها, تلك العينان البنيتان الغارقتان بحزن ليته كان يستطيع تبديده, أُجفِل عندما تصاعد رنين هاتفه منبئا عن اتصال وارد, تناول الهاتف ليشعر فجأة بالذنب كما لو أنه دلو من الماء البارد قد انسكب على رأسه, وهو يرى اسم صديقه العزيز ينير شاشة الهاتف... صديقه زوج المرأة التي كان يشرد في عينيها منذ لحظات, وقد نسي - أو تناسى – أنها ليست حرة لكي يفكر بها, ضغط على شفتيه وهو يضغط بإصبعه على شاشة الهاتف كي يفتح المكالمة, تناهى لأذنيه صوت طارق قائلا بضيق: نبراس... أحتاج لمساعدتك!
طرد نبراس كل الأفكار الفائتة من رأسه وقد تنبه تماما لاستشعاره نبرة الإلحاح في صوت طارق, ليخبره دون تردد: أي شيء... أنا الآن عالق في الطريق المؤدي لقلب المدينة... سأقابلك بعد ساعتين في مطعم... ثم وقتها تخبرني بالتفاصيل!
*************
- إذا ما الذي كنت تريدني فيه؟!
انتفض طارق في مكانه عندما جاءه صوت نبراس من خلفه, رغما عنه ارتسمت ابتسامة على شفتيه وهو يرى فزع طارق من دخوله المفاجئ, خاطبه طارق بحدة: اللعنة نبراس... ألن تتوقف عن عادتك هذه أبدا؟!!
انقلبت ابتسامة نبراس بضحكة وهو يسحب الكرسي المقابل لطارق ويجلس عليه, ليقول مغيظا طارق: لا أستطيع... فتعابير وجهك هذه لا تقدر بثمن!!!
حدجه طارق بنظرة مغتاظة ولم يرد حتى لا ينفجر فيه, أشار نبراس للنادل بيده وطلب منه كوبي عصير دون أن يسأل طارق رأيه, مرت الدقائق في صمت تام من جهتهما, طارق شارد في أفكاره ونبراس ينظر إليه محترما صمته ومنتظرا حتى يستجمع أفكاره ثم يحدثه فيما يريد, ملاحظا الشحوب الذي أصاب وجهه والهالات السوداء تحت عينيه, شعر بالقلق من مظهر طارق وتملكه شعور بأن هناك شيء كبير وراء مظهره هذا, عاد النادل بالمشروبات ووضعها أمامهم ثم انسحب في هدوء كما جاء, أمسك نبراس الكوب وشرب نصفه على مرة واحدة وقد كان يشعر بالعطش الشديد, تنهد طارق قبل أن يعتدل في جلسته ويتحدث قائلا: نبراس... هناك مشكلة عصيبة لا أدري كيف أتصرف فيها!
أنت تقرأ
في ظلال الشرق - ج1 من سلسلة ظلال -
عاطفية"دمارنا يبدأ من الداخل" عبارة تنطبق على النساء والمدن فما من مدينة سقطت إلا وكان السبب أبناء تبرأوا منها وباعوها للغازي وما من امرأة سقطت إلا وكان السبب... رجلا!! أندلس... القاهرة... دمشق ثلاث نساء سقطن في غياهب الألم بسبب رجال لم يحفظوا عهدهم سواء...