الفصل الحادي والثلاثون

384 15 0
                                    

تعلقت عينا نبراس الواقف مستندا على إطار المكتبة بطارق الذي ظل محدقا في الباب المغلق بعد خروج أندلس العاصف من المكان بتعبير أثار العديد من المشاعر في صدره هو... ما بين شفقة على حال صديقه الغارق في بحور العشق من رأسه حتى أخمص قدميه لطليقته, وبين حزن على حال مريم المرتبطة برجل قلبه ليس ملكه... وغضب اشتعل بعروقه كون طارق قد ورط مريم في تعقيدات حياته تلك.

تنهد طارق وهو يمرر يده على وجهه يمسحه ببطء عله يفيق مما يعتمل بداخله, ابتلع ريقه عله يضيع تلك المرارة التي يستشعر طعمها في فمه ولكن دون فائدة, لماذا صُدِم برفضها ذلك للتصديق وانهيارها بعدما أظهر لها كل ما توصل له في تلك الأيام الماضية؟!! ففي النهاية لقد أبدته عليه منذ أن عرفته تقريبا, حتى إنه كان السبب في تفجير كل شيء في وجهه وطلاقهما, لولا أنها أخبرته أنها رفضت عرضه ذاك للزواج لظن أنها مغرمة به, ولكنه الآن يعلم بأنه لم يملك حبها بل ملك ما هو أكثر قوة ألا وهو ثقتها... ثقة انهارت مع ظهور الحقيقة البشعة, لأجلها فقط تمنى للحظات لو أن الرجل لم يكن حقيرا هكذا, تلك النظرة التي ظهرت في عينيها بعدما قرأت الأوراق لا يظن أنه سيستطيع نسيانها يوما, خرج من أفكاره على صوت نبراس الخشن بمشاعر لم ينتبه لها: والآن ماذا؟!

ارتفع رأسه قليلا يبادل نبراس النظر بعدما نجح في السيطرة على تعابير وجهه, هز كتفه قليلا وهو يقول: لا أدري!

نبهه نبراس: عليه ألا يدري بأننا نعلم عنه طارق... إن حدث وواجهته أندلس بما تعرفه الآن قد تنسف لنا عملنا كله!!

جمد طارق في مكانه قليلا وكأنه يزن الكلمات مع ما يعرفه عن أندلس, لينتفض واقفا فجأة ويندفع نحو مكتبه رافعا سماعة الهاتف الداخلي ويضرب بعض الأرقام, انتظر لحظات مرت عليه كدهر قبل أن يأتيه الرد من الجهة الأخرى ليقول مسرعا: هل أندلس بالمكتب؟

جاءه الرد من السكرتيرة المسؤولة عن إدارة مكتبها: لا سيدي... لقد خرجت منذ بضع دقائق!

وضع السماعة مكانها دون أن يرد وهو يقول بحدة: تبا!

ثم انتزع هاتفه ومفاتيحه من على سطحه أمام نظرات نبراس المذهولة من حدة حركة صديقه الذي لم يره في هكذا حالة من قبل واندفع خارجا وقد نسي أن نبراس معه!

*************

في عمرنا هناك مرحلة تسمى العمر الصعب,

وفي العمر الصعب تتضاعف قيمة الأشياء والأيام

واللحظات عن سعرها في العمر العادي

ويصبح خسرانها نكبة

منقول

اهداء من نداء الحق

أوقفت قاهرة السيارة في مكان قريب من البحر, رفعت نظارات الشمس الخاصة بها على شعرها ثم ترجلت منها, انحنت تخلع حذاءها من قدميها وجواربها ثم وضعتهم فيها قبل أن تغلقها بالمفتاح, ثم تحركت تشعر بالرمال تتخلل ما بين أصابعها, تلاعب الهواء بخصلات شعرها التي هربت من ربطتها, فرفعت يدها تحرر ما تبقى تاركة له الحرية وقد شعرت بالاختناق بداخلها, لقد انهمكت عمدا في كل المشاكل التي اشتعلت حولها حتى تلتهي بعيدا عما يوجع قلبها ويؤرق لياليها رغما عنها, جلست على الرمال غير مبالية بملابسها وقد ثنت ركبتيها وحاوطتهما بذراعيها, امتدت يدها تلقائيا تتحسس السلسال الذي كان هدية لها في عيد ميلادها والذي رغم كل ما حدث معها لم يفارقها إلا في حفلة خطبتها المزعومة وقد خشت أن يكشف ما لم تكن تود الافصاح عنه, كانت قد أصلحته بعدما قطعه معز عندما تهجم عليها منذ عدة سنوات, تذكر أنها قد عادت لارتداءه منذ سنة تقريبا بعدما كانت تخفيه عن ناظريها بكل ما أوتيت من قوة إلى أن وقعت عيناها عليه في ذلك اليوم ولم تستطع مقاومة ارتداءه, هي تعلم بأنها كانت تتظاهر بقوة لم تكن تشعر بها بداخلها, فداخلها لازال كما هو أحمقا ضعيفا يشتاق لمن يكرهه ويريد وصال ممن لم يرد حتى سماع اسمها, إنه حتى لم يتردد لحظة في نطق كلمة الطلاق وكأنه ما لبث أن ارتاح من همها, تشعر بالخسارة تمزق قلبها... معرفتها بأنه لم يكن ملكها قط لتخسره لم تقلل من مقدار الوجع الذي تشعر به, تعلم بأنه لم يكن يودها قط بل إنه يكرهها صراحة وما حدث في ليلة الخطبة لم يكد يتعدى ما قاله بأنه حلم ضاع منهم, للمرة التي فقدت رقمها تمنت لو لم توافق على ذلك الاتفاق اللعين فسابقا لم تكن تدري ما الذي قد تخسره في انفصالهما أما الآن وقد عاشت لمحة مما كان يمكن أن يكون تشعر بقلبها يتحطم مرات ومرات حسرة على ما انساب من بين يدها, شهقت في صمت ولأول مرة منذ أن عادت تنهمر من عيونها الدموع, رفعت يد مرتعشة تمسح الدموع ولكنها لم تقدر على مواكبة سرعتها فتخلت بإحباط عن محاولاتها تلك وتركتها تنهمر كما تشاء.

في ظلال الشرق - ج1 من سلسلة ظلال -حيث تعيش القصص. اكتشف الآن