- أنتِ ما حدث لي... فليس من اللائق أن أجد المرأة التي أريد الزواج بها تجلس في الحديقة وحدها مع رجل آخر!
حدق فيها بذهول وعقله أخيرا يستفيق من تلك الموجة الغاضبة التي لفحته منذ أن أبصرها تجلس مع نبراس وعلى وجهيهما ابتسامة سعيدة, لقد احترق حرفيا من الغضب عندما ظن للحظات أنهما قد تواعدا للمقابلة هنا بالحديقة, وقد شعر بالتهديد أنها قد تُسلب منه ويخسرها, ولكن هذه الفكرة سرعان ما صُرِفت من رأسه وهو الذي راقب تعابير المفاجأة على وجه نبراس عندما أبصرها قبل أن يتقدم للمقعد الذي كانت تشغله, لقد كان يقبع في سيارته أمام منزلها منذ الصباح الباكر يريد استشعار قربها ولكن دون أن يمتلك الجرأة لأن يتقدم للباب الأمامي لمنزلها, فهو لم يستطع استجماع سبب واضح لقدومه المبكر هذا, وكم كانت فرحته هائلة عندما أفاق من تحديقه الشارد للباب على خروجها منه ومعها الطفلين... كانت كما لو أنها استمعت لندائه الصامت, منشغلة تماما في الأحاديث المتبادلة مع طفليها فلم تلحظ تتبعه لهم على قدميه, أراد أن يختلق صدفة كي يمضي بعض الوقت معهم جميعا ففي الأيام الماضية كانت أفكار عن لانا وآدم – وأكثرها تتمحور حول نغم – كانت تدور في رأسه, في الأوقات التي كان بها أكثر انشغالا بالعمل... وهو ينتاول طعامه... وهو يحدق في أوراق عقود جديدة عليه أن يعدها, وهو يحادث عدة سماسرة عقارات بحثا عن مكان مناسب للمكتب الذي يريد انشاءه... هل حقا قد فقد عقله من الوحدة؟! هو لا يدري... ولكنه الأرجح وإلا كيف يعرض الزواج تقريبا على امرأة لازال لم يستطع تحديد مشاعره نحوها!!! زم شفتيه قليلا على كلمة "الوحدة" التي ظهرت برأسه, ولكنه لم يستطع إنكارها وقد كان في الحقيقة يعيش حياة وحيدة جدا... فلا أصدقاء له خارج أولاد عمه الذي ابتعد عنهم في خلال العام الأخير, وكل معارفه مجرد زملاء عمل لا أحد منهم قريب بما يكفي لكي يطلق عليه لقب صديق, فكرة محبطة للغاية أن يكون أمضى ست وثلاثون عاما هما كل ما مضى من عمره في وحدة لم يستطع يوما تخطيها!
لعل ذلك كان هو السبب الحقيقي في اشتياقه لنغم... فمعها هو أبدا لم يشعر بالوحدة على الرغم من أنه لم يتقابل معها كثيرا ولكنها كانت تبث به احساسا بالحياة لم يشعره يوما, حتى دمشق التي كانت لوقت طويل هدف نبضات قلبه وحلم بعيد المنال عن يديه لم تستطع يوما أن تبث به مثل هذا الدفء... أنه ليس وحيدا... لقد كان دائما ضائعا في القلق عليها وفي مشاكلها وإحساسه الدائم بالذنب لأنه لم يتدخل يوما لاخراجها من زواج قاس عليها وقد دمرها لوقت طويل, فلم يتوقف يوما عند فكرة مشاعره باتجاهها وما يشعره وهو معها, لعله أضاع عمره في سراب واهم عله يمنع نفسه عن مواجهة الحقيقة... انغمس في حيوات من حوله حتى نسي أن يعيش حياته هو الخاصة, فنغم... هي أول ما حفز به هذه الرغبة... هي التي تجعله يفكر بماضيه بطريقة مختلفة, ألقت ضوء جديدا على حقيقة كان يعرفها دون أن يدركها حقا, والأهم أضفت نكهة على أيامه لم يشعرها قط!
أنت تقرأ
في ظلال الشرق - ج1 من سلسلة ظلال -
Lãng mạn"دمارنا يبدأ من الداخل" عبارة تنطبق على النساء والمدن فما من مدينة سقطت إلا وكان السبب أبناء تبرأوا منها وباعوها للغازي وما من امرأة سقطت إلا وكان السبب... رجلا!! أندلس... القاهرة... دمشق ثلاث نساء سقطن في غياهب الألم بسبب رجال لم يحفظوا عهدهم سواء...