الفصل الثامن والثلاثون ج2

301 13 0
                                    

كان الليل قد كسى اليوم بوشاحه حين أوقف معز السيارة أمام الباب الأمامي للقصر ليهمس للمرأة الشاردة بجواره بلطف: لقد وصلنا!

أجفلت قليلا وقد بدا أنها كانت ضائعة عميقا في أفكارها قبل أن تلتفت له معطية إياه ابتسامة واهية وهي تومئ برأسها بضعف, اعتصر قلبه بداخل صدره على حالها, لقد كان يوما طويلا جدا عليها وللأسف لم يقتربوا ولو لخطوة واحدة في حل أي من المشاكل التي تنفجر في وجههم, واحدة تلو الأخرى في أيام قلائل وكل واحدة أسوأ مما سبقها حتى ما عاد أحد يدري كيف عليهم التصرف... وما الذي عليهم حله بداية, سؤال قاهرة المرهق جعله يعيد تركيزه عليها: لماذا طارق كان بالمشفى؟! لا أظن بأنك امتلكت ما يكفي من الوقت لكي تتصل به ويصل بهذه السرعة!

شحب وجه معز والذنب يضربه بكامل وزنه على قمة رأسه وهو يتمتم متذكرا: زوجته بالمشفى... لقد اشتعل منزلهم بالامس!

اختفت ابتسامة قاهرة وهي تقول بقلق متذكرة مظهر طارق المشعث وقد بدا كرجل وصل لأقصى طاقته: أوه... يا إلهي وهل هي بخير؟!

أغمض معز عينيه متراجعا بظهره لكي يسنده على ظهر مقعده وهو يجيب بتمتمة أخرى: لازالت في غرفة العناية المركزة... لا أدري ما هي حالتها تحديدا وقد كان عقلي مشتتا بقلقي عليكِ!

همست قاهرة بتعب: علينا أن نذهب ونطمئن عليها!

بإرادة خاصة بها تحركت يده اليمنى حتى أمسكت بيدها اليسرى متشابكة الأصابع معها وهو يقول بابتسامة خافتة مرهقة: يعجبني نون الجمع في جملتك... تدربي عليها كثيرا لأنني لا أود سماع ضمائر منكِ سواها!

تعالت ضحكات قاهرة محيطة إياه بسيمفونيتها العذبة, وهي تحمد الله بداخلها على أن الاضاءة خافتة لكي لا يرى خجلها واضحا على ملامح وجهها, لم يدرك كم اشتاق لضحكتها وافتقدها حتى سمعها منها في هذه اللحظة, ضغط على يدها التي لاتزال معه بخفة وهو يهمس قائلا: افتقدت ضحكتكِ قاهرة... بل كل شيء بكِ!

في لحظة واحدة سحبت يدها وفتحت باب السيارة المجاور لها قائلة بخفوت: وأنا أيضا... افتقدتك!

قالتها وترجلت من السيارة دون أن تعطي له فرصة التعليق, لم يتبعها كما توقعت ولكنه أرخى جسده أكثر في مقعده مغمضا عينيه وعلى شفتيه ابتسامة خفيفة... يعشق أنه معها عاد يشعر بكل شيء كما لو أنه يحدث لأول مرة, حسنا... إنه حقا يحدث بينهما لأول مرة ولكنه يقصد بأنها تعيده لأيام مراهقته وشبابه الأولى حيث كانت كل شيء له في حياته ولم تكن المرارة والماضي بينهما, رفض رغم الاغراء الكبير شعور الحسرة على السنوات الضائعة بينهما... سنوات كانا ليستطيعا أن يملآها بضحك... بحب... بشجارات عاصفة... بأطفال يرثان منهما الملامح دلالة على شدة الحب الذي يكنه إحداهما للآخر, لكنه سيحقق هذه الكلمات... سيقاتل حتى آخر نفس في صدره كي يتحقق حلمه, أخذ نفسا عميقا يحاول السيطرة على شعلة الخوف التي لا تفارق قلبه منذ أن عرف ثم زفره قبل أن يترجل من سيارته ليجد قاهرته واقفة أمامه مباشرة ومن خلال الضوء المتسلل من المصباح الأمامي استطاع ملاحظة ابتسامتها وارتفاع حاجبها في إشارة لكونها مستعدة تماما للمشاكسة, ولكنه أيضا لاحظ شحوب وجهها والارهاق الواضح في عينيها, ابتلع ريقه قبل أن يرسم ابتسامة على شفتيه وهو يهمس بصوت خافت: هيا... ادخلي للمنزل... واخلدي للنوم مبكرا!

في ظلال الشرق - ج1 من سلسلة ظلال -حيث تعيش القصص. اكتشف الآن