الخاتمة

682 20 2
                                    

بعد مرور عامين:

وقف معز أمام المرآة وعينيه مسلطتان على الخصلات البيضاء التي لونت فوديه... خصلات على الرغم من أنها تذكره بأصعب أيام مرت عليه إلا أنه لن يستبدلها بالعالم أجمع، لازال يذكر تلك اللحظة التي فتح فيها الباب ليجد الممرضة تقف خلف قاهرة الجالسة على مقعد صغير تمرر المقص في خصلات شعرها... قاهرة التي كانت ساكنة تحت يديها مغمضة العينين, شعرها الذي كان يصل لكتفيها صار الآن لا يتعد أذنيها, خصل كثيرة كانت تمتلكها قبل لحظات الآن صارت متناثرة على الأرض من حولهما, اسمها خرج من بين شفتيه كهمسة مختنقة: قاهرة!!!

شعر بقدميه تهتزان أسفل منه ولا تكادان تحملانه وهي تفتح عينيها ببطء وقد ارتسمت ابتسامة مرتعشة على شفتيها عندما أبصرته, رمشت بعينيها سريعا في حركة مألوفة له تقوم بها حين تحاول الامتناع عن البكاء, لم تحد عيناه عنها وكأنهما في فقاعة صغيرة تحيط بهما وتعزلهما عما سواهما في صمت كان أبلغ من أي كلمات, انتفض معز في مكانه عندما تنحنحت الممرضة قائلة بهدوء: لقد انتهيت... سأمنحكما عشر دقائق!

أخذ نفسا عميقا ثم زفره ببطء وهو يومئ برأسه باتجاه المرأة التي انسحبت من الغرفة مغلقة الباب خلفها, ابتلع ريقه يرطب حلقه الجاف دون نجاح وهو يعود ببصره مراقبا قاهرة التي وقفت ثم تحركت نحوه بخطى بطيئة إلى أن وقفت أمامه مباشرة واضعة يدها على صدره جهة القلب, عالما بأنها تستطيع الشعور بدقاته المتسارعة خوفا عليها, وضع يده فوقها يضغط عليها برفق وباليد الأخرى يمررها في خصلات شعرها وهو يهمس بصوت مبحوح: لماذا جعلتها تقصه بأكمله؟!

اتسعت ابتسامتها وهي تهمس مثله: لأنني لم أرد أن يكون شعري خصل طويلة وأخرى لا... ثم إنني وجدتها فرصة لأنال قصة شعر جديدة!

ضحكت عندما رأت تعابير وجهه المتجمدة عجبا من كلماتها, أمالت رأسها للجانب قليلا وهي ترفعه للأعلى فكونها حافية القدمين جعله يتفوق عليها بعدة سنتيمترات, مطت شفتيها وهي تقول بحزن مصطنع: ماذا؟! ألم تعجبك القصة؟!

رمش بعينيه للحظات وكأنه يحاول استيعاب خط أفكارها, مما جعلها تكتم ضحكة مرتفعة تكاد أن تفلت من بين شفتيها, وحافظت على حيادية ملامحها وهو يخبرها بصوت أجش وقد ارتفعت يده يمررها بلمسة ناعمة على خدها: تعلمين أنكِ في نظري جميلة كيفما تكونين!

رقت نظراتها نحوه قبل أن تحيط خصره بذراعيها دافنة رأسها في صدره, بادلها الاحتضان بأشد منه كأنه يريد أن يدفنها بداخل قلبه بعيدا عن شرور العالم, اختفت الابتسامة التي كانت ترسمها لأجله ومعها ازدادت نبضات قلبها, لقد كانت مرعوبة من أن تخسره... أن تفقده بعدما وصلت إليه أخيرا, فماذا لو أن العملية تسببت لها بالشلل وقد كان هذا احتمال وارد رفعت هي نسب فرصه بيديها عندما تأخرت في البدأ في العلاج؟! إنها تفضل الموت على تلك الطاولة على أن تخرج لتصبح عبئا على من حولها... وعليه!

في ظلال الشرق - ج1 من سلسلة ظلال -حيث تعيش القصص. اكتشف الآن