'وجه الحرب'

4 0 0
                                    

فتحت عيناني ببطئ على المناظر المعتاده ، نفس الغرفه البيضاء شبه الفارغه بسريري يتوسطها وانا اعلم انهُ يجلسُ في الكرسي الأيمن كعادته ولكن التفتتُ الى جانبي ولم اجده ه..هل يعقل انهُ رحل ؟ لا هذا غير مُمكن الحدوث احرك رأسي قليلاً انظر مباشره امامي نحو تلك اللوحه، اللوحه التي توسلت والدي من اجل احضارها لي رغم انهُ اعترض بشده بصوته ذي النبره القاسيه وكأنه لم يضحك ويبتسم قط قائلاً "لماذا ! هل فقط تريد تعذيب نفسك وتعذيبنا معك؟ لن يحدث! " بحجة انها ستؤثر على صحتي النفسيه
صحتي التي لن تعود وانا وهو نعلم ذلك جيداً كما يعلمه طبيبي والممرضين والدي كان على داريه بتفاصيل اللوحه من اسمها ، برغم الرفض تمسكت بتلك اللوحه وكأنها بندقية جُندي في الحرب وسبيل خلاصه الوحيد ، لم اكن مهتماً بالرسام سلفادور دالي حتى رأيت تلك اللوحه شعرت او عرفت او ربما رأيتها على ارض الواقع لذلك اشعر بها ولم استطع تركها كما لم اترك تلك الذكريات تذهب ولا اعتقد من وجود شخص مر بما ما مررت به سينسى ويترك كل ما مر به ورائه ... يقطع حبل افكاري صوت طرق الباب اعرف من الطارق اصرخُ "أدخُلي" ، تدخل بأبتسامتها الدائمه ووجها البشوش الا يتشنج وجهها؟ "صباح الخير حامد "قالت ساندي وهي ممرضة وصديقه احياناً اخرى "صباح النور" ارد وانا أتحرك من السرير اتجه الى الحمام ، "لازلت تنظر لتلك اللوحه وتسرح بعيداً الى مكانُ كان ؟ "قال وهو جالس على طرف المغطس (bathtub ) يدخن سجاره ، "وانت مازلت هنا تراقب " رديت وانا افتحُ صنبور الماء اغسل يدي ووجهي واخرج فرشات الأسنان روتين مُميت ، "اذاً اتركني ارحل " قال وهو يرمقني بنظره ، خرجت من الحمام متجه الى الممرضه اعطتني تلك الحبوب التي لا تنفع فقط تضر وتسبب لي الخمول الدائم وربما الأبدي ، ابتسم لها وانا اضعها في فمي واخذ رشفه من كأس الماء الذي اعطتني حتى تظن اني بلعتها ، " هل تحدثت اليه في الحمام؟"قالت ساندي
-نعم
-تعلم انه يجب عليك ايقاف مايحدث صحيح؟ قالت بنبرة شبه منزعجه
-صحيح ، لكنهُ سرنا الصغير ! قلت بعدم اهتمام
-الكذب على الطبيب وأدعى الشفاء لم يعد سر يسعُني كتمه
-انا احاول احاول اقسم بذلك لكن يجب عليكِ كتم سرنا لكي اخرج من هذه الغرفه السامه حتى أستطيع النسيان والتنفس في آن واحد ..
- على اي حال ستبقى مراقبً من "الجهات المختصه"
- ربما لكن سيملون مني في النهايه وليس و كأني قادر على كشف سرهم امام العالم وماذا سأقول ؟ نعم كدنا نخسرُ الحرب لذا اطلقت " طيارين عسكريين تكون رحلتهم بلا رجعه "؟ اجبرتُ اولادكم وبناتكم على الأنتحار فسامحوني ! انظري اين انا من سيصدق 'خريج مصحات ' عشر سنوات وانا من مصحه لمصحه و ،،ستبقى اثار الحرب بالذاكره باقيه عالقه كالُبان تحت طاولات الطلاب و سترقص جثث الجنود والاطفال امامي حتى مماتي ،،
-اذا لماذا تريد الخروج ؟
- عندما اخرج ستكون حياتي ممله روتينيه بشكل خانق ..بعد هذه السنين من الحرب وما احب ان اسمي (المغامرات الانتحارية) ربما هذا ما اريده او ربما اريد ان اخرج الى الحدائق واتنفس الهواء النقي واشرب الهواء النقي
واختنق بالهواء النقي بدون ان اسمع صراخ ممرض او مساعد يأمرني بالدخول لان تعديت المده المسموح بها ، اريد ان اسافر بدون ان اخبر احد اين انا ذاهب دون ان يسألني احد لماذا واين وكيف فقط مجهول المكان و الهويه ، اريد ان اذهب للأمكان العامه ابقى هناك حتى اصبح من الممتلكات العامه لستُ اعني لأحد شيء ولا يعني لي احد شيء .
- ستواجه صعوبه بوجوده معك
-وهل الحبوب تفيد في ازالته ؟ اتعاطاها منذ الأزل ولايزال موجود..
قطع حديثي دخوله المفاجئ ولايزال يدخن نفس السجاره
"اوه ساندي لازالت موجوده هنا؟ اخبرها اني اشتقت لها" قال وهو يترنح كالسكران ولكن لا ... هو ليس سكران هو فقط يتصرف كما هو
"هذا هو مجدداً ؟ قالت ساندي ، نعم ويقول انه اشتاق لك تنهدت ساندي وهي تخرج من الغرفه قأله لا اعلم لما يشتاق الي ونحن لم نتحدث قط...
اغلقت باب الغرفه وجلست على طرف السرير وهو يقابلني ،
شعره المبعثر قميصه الرمادي كما رأيته اخر مره قبل الحرب واظن اني لم اره ابداً طيلت العشر سنوات الفائتة في ثياب اخرى...
" اظن ان لديك ماتقوله "لي قاطع حبل أفكاري
-تعرف ما اريد قوله واردت قوله من عشر سنوات
-لكنك لاتريد قوله حقاً
-هذه المره سأقوله بعيداً عن كل ما اشعر به ،انا متعب متعب من كل ذكريات الحرب التي توقضني من نومي كل ليله متعب من تكرار الحرب كل ليله اغمض عيني واراك تركض الى طائرتك "إف -35" لازلت احفظ رقم طائرة هلاكك كُنتَ متحمس وانا ابكي اصدرت الأوامر وابكي ؟ كيف امكنني، ابتسمت لي ورفعت ابهامك علامه للموافقه ولم تكف دموعي عن السقوط من حينها تركتك تذهب بدون ان ابذل مجهود في منعك وانا اسف لأني ارسلتك الى حتفك وسأبقى اعتذر الى الأبد فالربما تغفر لي او اغفر لنفسي
- لو لم تكن كسول لعين كنت سأكون هنا اليوم شخص ذا جسد يراه الجميع لا وهم من خيالك الوضيع! وماذا ايضاً ؟ تتعالج مني! مني ومن اؤلائك الذين قتلتهم كيف تجرؤوا
تساقطت دموعي ولم استطع حبس دموعي ولن احبسها اخرجتها كما لم اخرجها ارتجف واستقيم من سريري واركع على قدمي وانا اطلب السماح
-تعلم انك صاحب قرار تركي وابقائي في العدم لا داعي لطلب سماحي فأنت صاحب القرار
- لن استطيع التخلي عنك وعن وجودك مالم تسامحني
-غداً يوم حريتك يا جنرال افرح اعلم انك ستتركني خلفك وكل من قتلتهم ورأك في هذه المصحه ان شئت
- لكن انا لم أشأ ، تعلم اني لن استطيع تركك وتلك الذكريات انا اطلب الخروج من هنا لكي استطيع التخلي عنها وعنك وتعرف انك تستطيع تركي ان قلت كلمه واحدة فقط كلمه..كيف لشخص ان يعصي اوامر شخصٍ من مخيلته؟
- اعتقد لأن صاحب المخيله يمتلك جزء عاصي ومشوه من مخيلته
- اتوسل لجزء مخيلتي المشوه بكل ما أوتيت من قوه انا يسامحني ويدعني اذهب بباقي اجزاء مخيلتي السليمه....
استقام من السرير وذهب الى النافذه نظر الى أكأب شي بالمصحه ، ليست سوى ملعب كرة سله مُهمل ، تحت مرمى كرة السله يقف احدى مرضى المصحه لا يفعل شي سوى النظر الى مرمى كرة السلة ، يقال انه كان لاعب مشهور واصيب بصدمه نفسيه حاده بعد خسارته احدى اهم المباريات ان لم تكون الأهم بحياته لكن من يعلم ، يجلس في زاوية المعلب مريض اخر وهو يبكي بعد ضرب حارس له وتهديده عدة مرات ، لقد شهدت على ضربه مره ولم يكن شيء جميلاً أأكد ذلك ،
"انت حر"قال ويقاطع حبل افكاري
اقف على قدمي واشهق شهقات متقطعه بينما ابكي
"انا اسامح لست لأني اريد ذلك لكن ما باليد حيله لست الا وهم يقف في طريق شخص " التفت الي ورمقني بنظره كلها حقد وكره ولكن شعرت بانه سعيد من اجلي ففي النهايه كنتُ صديقاً ذات يوم ، خرج من الغرفه بقيت في مكاني لدقائق اهز رأسي بدون تصديق
اهذا كل ماتطلبه الأمره ؟ المواجهه؟ اكنتُ اجبن من ان اواجه ؟ احقاً لم يرحل لأن لم تكن لي الرغبه بذلك ؟من يدري المهم انه رحل ...

اليوم اللذي يليه...
استيقضت بشعور غريب السعاده؟ لم اشعر بها منذ زمن طويل اخر مره شعرت بها عندما احضرت شهادتي الثانويه لوالدتي واحتضنتي وهي تقول انا حقاً فخوره بك ، قمت على عجل وحماس اغسل وجهي وافرش اسناني مع ابتسامه انظر يميناً ويساراً يمكن ان يعود..؟!
لكن لا وجود لأحد ، اخرج من الحمام لتقع عيني على اللوحه ، انظر لها اتأملها ، كيف انها تزورني كل ليله في احلامي وفي كوابيسي اسمع طرق الباب أذن لها بالدخول بنبره غريبه وكأنني لستُ انا
دخلت ولم تكن تحمل حبوبها المعتاده مع ابتسامه تعلوا وجهها ركضت لها واحتضنتها ...منذ زمن بعيد لم احتضن احداً
- هل نسيت شيء؟
-لا ، اجهز حاجياتي من يومين كيف لكِ ان تسألي هذا
نظرت الى اللوحه وقالت "الن تأخذها معك؟" لا فكرت مطولاً واريد ابقائها هنا " هزت رأسها تفهماً وذهبنا لأتمام الاجراءات الازمة ، وهانا على بعد عتبه من الحريه انتظر ان يفتح لي الحارس البوابه اتنفس الهواء كأنها مرتي الاولى تُفتح البوابه وتسقط دمعه.



انتهى ، كل تشابتر بيكون كذا قصه مختلفه بنهايه شبه مفتوحه .

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Oct 20, 2020 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

النقص حيث تعيش القصص. اكتشف الآن