الفصل الثاني عشر :
فتحت عيناها العسليتان بتمهل شديد ، جزء منها يتمنى لو أنها تجد نفسها في بيتها الذي ولدت و ترعرت به تجاورها نور على السرير و جزء آخر لا يزال يتعلق بأحلامه التي رسمها ...
إلتفتت إلى الجهة الأخرى من السرير لتجد هاسم غارقا في نومه ... التقطت فستانها الذي كان مرميا على الأرض و قامت بإرتدائه ثم نهضت بتثاقل من السرير تجر قداميها نحو الحمام ...
فتحت صنبور المياه ليتدفق الماء الساخن للغاية ، لترمي الفستان على عتبته و تدخل تحته ...
كانت تفرك جسدها بقوة و كأنها تريد أن تسلخ جلدها ، لم تتوقف عن ذلك حتى خارت قواها و ارتمت أرضا لتبدأ الدموع التي لمعت في عيناها بالنزول ......
جلست رهف على الأريكة بجوار طفلها فور الإنتهاء من فطورهم الصباحي ... بدأت باللعب معه محاولة أن تشتت عقلها الباطن عن التفكير ...
لكن نادية صممت أن تعيدها لتلك النقطة و هي تقول ما أن دخلت إلى غرفة الجلوس : هو أنتي النهاردة إجازة يا حبيبتي ؟
توترت رهف ثم قالت : أصل أنا قررت أسيب الشغل !
لتهتف نادية : ليه بس يا بنتي ده انتي ما صدقتي لقيتي مكان يناسبك و الراتب كويس ؟
أغمضت رهف عيناها بتعب فقد أنهكت حرفيا من التفكير ، طوال الليلة الماضية أفكار كثيرة مرت على عقلها ... لم تخف من الفضيحة وسط الموظفين و لا حديثهم عنها بين بعضهم البعض ... بل كل الخوف الذي شعرت به لم يكن إلا من " رهف " بحد ذاتها ... من إستسلامها !
رفعت نظراتها لنادية ثم قالت : أنا مش عايزة أعيد نفس أغلاطي زمان
لم ترد نادية عليها بل ضمتها بين ذراعيها مقدمة لها القليل من الدعم.
...
كان قد إرتدى إحدى بدلاته الراقية ، و فور خروجها من الحمام إقترب منها مقبلا خدها ثم قال : صباحية مباركة يا عروس
إبتسمت له أحلام ثم قالت مغيرة الموضوع : هتنزل الشغل ؟
ضحك هاشم ثم قال : شغل إيه بس ، يلا غيري هدومك و أنا هستناكي تحت !
أحلام : أوك
خرج هاشم من الغرفة الخاص بهما ، لتقترب أحلام من الخزانة لتختار ما سترتديه ، لم يدك ذلك طويلا فقد إختارت فستان صيفي قصير للغاية من أحدث الماركات ...
نظرت إلى شكلها في المرآة أخيرا ثم تنهدت و كأنها تريد إخراج أي طاقة سلبية منها ... ثم رسمت إبتسامة عريضة على وجهها و نظرة جريئة !
...
جلست على السرير بعد ان حملت الهاتف الخاص بها و دقت أولا إلى والدتها لتخبرها أنها عقدت قرانها و تستضيفها هذه الليلة و أخواتها إلى منزل الزوجية ، كما أنها سترسل لهم سائق خاص !
أغلقت الخط ، لتقوم بعدها بالإتصال ب " رهف " بتردد كبير و ما هي إلا لحظات حتى تم الرد و ظهر صوت رهف الخائف : أحلام ، أخيرا اتصلتي أنتي فين طمنيني عليك ! اديني العنوان طيب و دقيقة و هكون عندك و هنتكلم ف الموضوع من أوله لآخره و نلاقي حل
أحلام بجدية : انا تزوجت يا رهف
رهف : إيه اتزوجتي ! طب ما قولتلناش ليه كنت ساندتك يا أحلام و وقفت جمبك تتزوجي الشخص الي أنتي عايزاه
شعرت أحلام بالإرتباك ثم قالت : إلي حصل حصل خلاص يا رهف ، المهم أنا عازماكو النهاردة ف البيت عشان تتعرفو على جوزي
إبتسمت رهف بسعادة ، فقد كبرت أختها الصغرى سريعا و ها هي تطير من منزل والدها لعشها الخاص مع " زوجها "
أحلام مسترسلة : هبعثلك السواق عشان يوصلك
رهف بدهشة : السواق !
أحلام : آه سواق
أقفلت الخط ثم نهضت من مكانها مقررة أن تبدأ لعب دور " سيدة المنزل - الهانم - "
...
شعرت رهف بالقلق بعد محادثة أحلام الاخيرة فقد كانت أحلام تحدثها بطريقة غريبة ، ليست بالطريقة التي تعودت عليها منها.
أثناء شرودها دخلت نادية للغرفة ثم قالت : رهف ، الغذاء جهز
شعرت نادية بشرودها لتجلس بجوارها ثم تقول : إيه يا حبيبتي مالك ؟
رفعت رهف نظرها لها ثم قالت : أحلام اتجوزت !
نادية : ما كانت قالت لوالدتها و تم الموضوع لزوم إيه الهرب من البيت و الحاجات دي كلها طالما " الولد " شاريها
رهف : مش عارفة يا خالتو
سكتت رهف قليلا ثم استرسلت : بس عارفة طريقة كلامها معايا كانت مختلفة مش زي أحلام الي انا اعرفها !
ضحكت نادية مازحة : ماهي لما تزوجت حست انها لازم تكون راكزة و عاقلة يومين و مش هتستحمل و ترجع زي ما كانت
سكتت نادية ثم أكملت و هي تربت على كتف رهف : و انت يا حبيبتي عايزة افرح بيكي !
رهف بإنزعاج : خالتو هو أنا كم مرة قلتلك ما تفتحيش الموضوع ده
نادية : يا حبيبتي الزمن بيعدي و العمر ما بيوقفش و لو في
رهف بصوت عالي : مفيش و مش هيكون في !
نظرت لها نادية بحزن و خرجت من الغرفة لتهمس رهف قائلة : مش هعري حقيقتي لأي حد !...
كان شريف ينتظر والده في غرفة المكتب الخاصة به في القصر التابع ل " هاشم " ليلتحق به هاشم فور أن تعلمه بتواجده ...
ألقى التحية عليه ثم جلس مقابلا إياه ليقول شريف برسمية : أنا جبتلك ملفات محتاجة توقيعك
هاشم : أنا أصلا كنت جاي بكرة للشركة يعني!
شريف : الأوراق متعطلة من فترة أصلا و كان لازم تتحول ع البنك
هاشم بتفهم : حاضر ، سيبها أنت هنا و أنا هخلصها النهاردة و اديها بكرة لرهف عشان توصلها
توترت شريف ما أن قام هاشم بذكر " رهف " لكنه لم يعقب على كلامه ...
دخلت أحلام إلى غرفة المكتب بدون إستئذان لتبتسم بإرتباك ما أن تلمح " شريف ". ..
قال هاشم و هو يبتسم لها : تعالي يا حبيبتي
إقتربت أحلام منهما ليكمل هاشم : أحلام مراتي ، شريف إبني
تبادلا التحية ثم قال شريف بشك : هو أنا شفتك قبل كده !
لتقول أحلام بتوتر : مش مفكرة ، مش مفكرة أني شفتك
نهض شريف من مكانه و هو يقول : على كلا ، أستئذن منكم
و أكمل بسخرية : عريان بقى و كده !
هاشم : متنساش تجي أنت و سيرين للعشاء الليلة
شريف : مضمنش !
...
ما ان اغلقت الخط بعد حديثها المطول مع والدتها الذي كان موضوعه " أحلام و زواجها المفاجئ " حتى ركضت نحو الخزانة تبحث عن شيء ما ...
لتجده أخيرا ... حملت الألبوم الذي كان يختبئ بين ثيابها بإهمال ثم بدأت بالبحث به عن صورة ل " خيري " خالها.
و ما أن وجدتها " إحدى الصور الشمسية التي كانت والدتها تحتفظ بها " حتى إبتسمت بخبث ثم قالت ندى بهمس : و الله اللعب معاكي وحشني أوي يا رهوفة ! خلينا نشوف إبن خالي الحلو إيه رأيو ف أبوه....
ليلا ...
توقفتا السيارتان التي قام بإرسالهما " هاشم " لعائلة أحلام امام القصر الخاص به في نفس الوقت ...
و ما أن خرجت رهف من السيارة و هي تحمل طفلها الصغير حتى إصطدمت برؤية منى و نور ينزلان من السيارة المقابلة و يلحقهما ندى و " زوجها " .
أبعدت عيناها عنهما مسرعة فهي لم ترهما منذ مدة طويلة جدا و لم تكن تعلم أنها ستصدم بهما هذه الليلة ، حاولت الثبات أمامهما و التعامل مع الوضع بصفة طبيعية ...
تبادلت القبلات مع تحتها " نور " ثم أومات للبقية ملقية السلام ...
بينما قلبها ذاك كان يصرخ " هل هذه الطريقة التي تتعاملين بها مع هؤلاء الناس ، رهف هؤلاء من ساعدا في تدمير حياتك ! "
لكن عقلها إنتصر أخيرا و هو يقول " إنتصاري الحقيقي عليهما سيكون و هما يرايان أني لا أبالي ، أني سعيدة "
لتنزل لمستوى ولدها مقابلة إياه بحب ... بينما سفيان ينظر لها ... ينظر لها و فقط ... كأن الزمن توقف ...
ما أن هم الجميع بدون القصر حتى ظهرت سيارة اخرى ، ليلتفت الجميع لها ...
ما أن إلتفتت رهف إلى السيارة حتى خرج شريف منها و سيرين ... إرتبكت كل خلاياها فور ذلك ...لكنها شددت على جسدها تحاول التماسك ...
التقطتها عيناه ما أن نزل من سيارته ليبتسم بسعادة لرؤياها ...بينما امير الذي كان بين أحضان نور ما أن انزلته إلى الأرض حتى ذهب نحو شريف راكضا : عمو شريف
ليتلقفه شريف بين أحضانه ثم يطبع قبلة على خده ...
بينما البقية ينظران بإستغراب ... فما علاقة هذا الرجل الذي تعرفه رهف و إبنها بزوج أحلام !!يتبع ...
قراءة ممتعة ❤️