مقدمة واقتباس

740 85 25
                                    


..
يا من أخمدت الرياح عطر أيامكِ، حتى باتت ذبولاً في حضنِ الفصول الباردة، يا زهرةً قاومت، رغم أن الخريف مزق أوراقها واحدة تلو الأخرى، يا من سرقت منها الحياة بريق الشباب وتركها الجميع لتواجه عواصف العمر وحدها، يا من تحجرت دموعها بعد أنهار من البكاء، وجمدت أطرافها من قسوة ما مرت به... إليكِ أتيت.

أتيت، فتحدثت عيناكِ بما لم تبح به شفاهكِ، شعرت بدفء حنانكِ رغم حرمانك من دفء العالم.
أتيت لأُعلنها، وأُطلق نداءً يسمعه الكون: رفـقًـا بــهـا.
فهي كل الوداعة التي أنهكتها الحياة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
                            اقتباس

تسللت  إلى داخل الشقة مثقلةً بخطواتها، وكأن الأرض نفسها تلتهمها من ثقل التعب الذي تراكم عليها.
كانت الشمس قد بدأت تنحدر ببطء نحو الأفق، تعلن الرابعة عصرًا، حينما التقت نظراتها بوالدتها الجالسة في الصالة، بملامح متجهمة توحي بالكثير من الضيق المكبوت.

ابتسمت  بشحوب، وقالت:
_السلام عليكم.

ردت والدتها بحدة مختلطة بالسخرية:
_وعليكم السلام، جاية على نفسك ليه كده؟

نظرت إليها  باندهاش قبل أن تُبادرها والدتها بحدة:
_بقالك 26 يوم برة البيت.
كملي الشهر كله يا بنتي وريحينا من طلتك البهية!

اندفعت  تدافع عن نفسها بحدة:
_ده الحل الوحيد لكل اللي أنا فيه، يا ماما.

ردت والدتها بجمود:
_؛مانا كنت سيبت صفوت، دلوقتي بقيت أنا المشكلة اللي مخليكِ مش عايزة ترجعي البيت؟

ارتجف صوت  بغصة وشرارة من الألم، وقالت:
_أيوه،  بقى ولو كنتِ سيبتيه، كنتِ هتكرهيني في عيشتي وتفضلي تقوليلي إني سبب تعاستك، وإني زي أبويا، وياريتكِ ما جبتيني الدنيا. لا يا ماما، كده أحسن، ادينا مرتاحين، والدنيا ماشية.

نظرت إليها بشيء من الخذلان، قبل أن تتابع وهي تنهض:
_أنا هقوم أنام عن إذنك.

مشت نحو غرفتها ببطء، لتتفاجأ بتغييرٍ واضح في أرجائها. تساءلت بنبرةٍ متعجبة:
_هو في حد دخل هنا؟

أتتها إجابة والدتها ببرود:
_أخوكِ عايز يجددها، عشان ياخد الأوضة دي.

ساد الصمت وهي تنظر إلى أغراضها المُبعثرة، أشياءها المتراكمة بلا نظام، وكأن المكان بات غريبًا عنها، واحتلته أرواح غريبة.
حاولت ترتيب الفراش على عجل، تستعد للنوم، ولكن عينها عادت لتقع على باب الغرفة المتهالك.
شعرت برهبةٍ دفينة حينما تسللها مشهد بائس من ماضيها.

اغمضت عينيها، تذرف زفرةً محملة بالضيق، وجلست في إحدى زوايا الغرفة الباردة.
لم يكن لها ملجأ سوى دعاءٍ صامت تهمس به لقلبها، أن تمر هذه الأيام القليلة بسلام، حتى تعود إلى المكان الذي تجد فيه بعض السكينة، بعيدًا عن أوجاعٍ قديمة تأبى أن تموت.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إنتظروا رواية " رفــقًا بــها " قريبـًا .

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Nov 14 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

رِفقًــا بــهـا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن