بقلم/ نورهان موسى
المقدمة
هذه ليست قصة شاب من أغنى الأغنياء …. وليست عن شاب ولد في فمه معلقة من الذهب لا بل إنها قصة شاب حرم من اقل حقوقه،ابتلاه الله ولم يعترض بل حمدالله ، لكنه عان كثيراً من أناس لا يعقل أن انعتهم بالبشر …سخرو منه قاموا باهانته ولكن هناك من أحبه واراد مساعدته، أنها الإنسانية ليس اكثر اعزائي.
___________________
يقف بطلنا ذا البشرة البيضاء صاحب العينان السوداء والشعر الاسود الكثيف والجسد الرياضى على الرغم من إعاقته وقف ينظر إلى نفسه للمره الاخيره قبل المغادرة إلى جامعته .
يتنهد بحزن ممزوج بتعب وهو يعرف أنه بعد قليل سيستمع إلى التعليقات القاسية والسخيفة من زملاؤه.
_ يارب انا فعلا تعبت من كل الى أنا فيه دا ، كان نفسي أعيش حياتي زى أى شاب فى سنى انا مش معترض والله بس هما إلى بيعيرونى بحاجة أنا مليش ذنب فيها يارب ليه حكمت عليا بكده؟
كانت هذه هى الأفكار التي تدور في عقل بطلنا فارس .
فارس:
= استغفر الله العظيم اى الى انا بفكر فيه ده.
استكمل ارتداء ملابسه وأدى فرضه وبعد انتهائه استمع طرق يعرفه جيدا على باب غرفته فأذن للطارق بالدخول ومن غيرها والدته
دلفت تلك السيدة ذات العينان السوداء والملابس المنزليه البسيطه علي الرغم من بعض علامات الزمان علي وجهها الا انه لم يستطع اخفاء ملامحها الجميلة التي ورث ابنها بعضاً منها ابتسمت فور رؤيتها له لتردف ببتسامتها المعتادة:
_ صباح الخير يا حبيبي، خلصت ولا اساعدك..؟؟
رفع عيناه بنظراته الحزينه وكأنه يعاتبها بـ عيناه الدامعتين ليردف بجمود قائلا :
= لا يا ماما متشكر انا قربت اخلص خلاص.
استطاعت رؤيه دموعه الحبيسه لتردف بحنان اموي :
= ماشي يا حبيبي و انا خلاص خلصت الفطار وجاهز كمان على السفرة.
ابتسم ابتسامه بسيطه ليجيب :
= تمام وانا دقايق و احصل حضرتك.
فاطمة بابتسامة:
= ماشي يا حبيبي.
تحركت الي الخارج بعدما اغلقت باب الغرفه مجدداً، اما هو فبقى ينظر إلى اثرها وتنهد بحزن ثم نهض من على الفراش بمساعده عكازه، وهو يستعد لمواجهة يوم جديد وأساءت جديدة من الكل.
خرج من الغرفة وجد ولدته في انتظاره للافطار معا كـما اعتاد
تذوق بعضا من اللقيمات ليقل بابتسامته :
= تسلم ايدك يا بطوط
ابتسمت لتجيب بسعاده
= تسلم يا عيون بطوط، الا قولي هترجع النهاردة على الساعة كام ؟
اجاب بهدوء وهو يضع لقمه اخري بفمه : عندي محاضرتين وبعدين هطلع ادور على شغل.
عاد الحزن يغذو عينيها عندما لمحت الحزن في نبرته الحزينه، فهي تعلم جيدا انه يعاني كثيرا لإيجاد وظيفة مناسبة له وهو في تلك الحالة.
فاطمة:
= ماشي يا حبيبي ربنا يوفقك يا رب.
فارس:
=امين يا رب، يلا بعد اذنك يا امي عشان اتاخرت مع السلامة.
فاطمة: فى حفظ الله يا حبيبيعلى جانب اخر وصل فارس الى الجامعة فهو مقيد بكلية تجارة انجلش، وكان صديقه مصطفى يقف بعيدا فى انتظاره كالمعتاد، فـذهب اليه فهو صديقه الوحيد منذ الصغر.
فارس :
=صباح الخير يا مصطفى.
ابتسم الاخر ليجيب قائلا
= صباح النور, اخبارك ايه انهاردة يا فارس؟؟!
اجابه بهدوء
=الحمد لله بخير ، ليتابع بتسائل
=وانت اخبارك اي؟؟!
مصطفى:
= الحمد لله بخير ، احنا انهاردة بأذن الله عندنا محاضرة الدكتور عاصم هتحضر ولا ايه؟؟.
فارس:
= ايوه هحضر المحاضرة بأذن الله .
مصطفى بضيق :
= مع اني عارف انك مش بطيقه بس هنعمل ايه لازم تحضر.
تنهد بحزن ليجيب :
=عادي يا مصطفى انا اتعودت، اقولك يلا بينا عشان منتاخرش.
تحرك كلاهما الي حيث تقبع قاعة المحاضرات لحضور محاضرة الدكتور عاصم هذا الشخص الذي يتفنن في القاء التعليقات،
السخيفة والسامه لفارس ومحاولة اهانته امام زملائه في المحاضرة .
دلف فارس الى قاعة المحاضرات وجلس هو وصديقة الى اقرب مقعد ، وكانت هناك عيون بنيه تتابعه بعشق وشفقه تتمنى ان تخبره كم هي تحبه ولكن كرامتها لا تسمح لها بذلك .
لتستيقظ من شرودها في معشوقها علي صوت صديقتها
هند بسخرية:
=انا مش عارفة هو في ايه عجبك فيه الي عماله تبصيله دا، يا بنتي دا برجل واحده .
اشتعلت عيناها بغضب لتردف بحده :
=لو سمحتي يا هند مسمحلكيش تقولي عليه كده وبعدين ماله كفايه انه انسان محترم و متفوق وكمان بيطلع الاول كل سنه على الدفعة .
اردفت الاخري بتهكم واضح :
=وانا هعمل ايه بالتفوق والاحترام يا تالين، انا عايزة واحد يكون شكله حلو ومعاه فلوس مش واحد فقير وبرجل واحده هو اه شكله حلو ووسيم بس برجل واحده و كمان معهوش فلوس .
ضربت الاخري علي المقعد بضيق لتردف بغضب :
=لا انتى زودتيها اووى، مش هقولك انك ممكن تكوني زيه ف يوم بل اسوء منه، ووقتها مش تتمني ان حد يقول عليكي كده…بس صدقيني وقتها هتتمني انك متكونيش قولتي عليه كده لانك وقتها هتحسي بالي هو حاسس بيه ، بعد اذنك .
امسكتها الاخر قائله بسرعه:
=استني بس يا مجنونة، خلاص يا ستي مش هتكلم تانى عنه اهدى بقى عشان دكتور عاصم دخل .
جلست تالين بجوارها علي مضض و كانت تشعر بالغضب منها كثيرا بسبب اهانتها لحبيبها فارس .
على جانب اخر دلف دكتور عاصم الى قاعة المحاضرات والقى عليهم التحية وهو يقوم بتدريس مادة إدارة الاعمال لهم .
وأبتدئ في القاء المحاضرة لهم و كان على وشك الانتهاء ،
فتعمد إلقاء القلم الذي بيده على الارض ناحية فارس الذي كان يجلس بالمقعد الاول.
عاصم:
=فارس ممكن تجيب القلم لو سمحت .
نظر اليه فارس وقد فهم ما يرمي اليه فهو يتعمد إهانته أمام زملائه.
فارس بهدوء :
= انا اسف والله يا دكتور مش هقدر .
عاصم بتهكم :
= يعني ايه مش هتقدر تجيب القلم امال لما تخلص دراسة هتشتغل ازاي لما حد يقولك هات ورق هتقوله مش هقدر.
تعالت اصوات زملائه الساخرة وبعد التعليقات السخيفة نظر فارس اليهم بحزن، ولكن هو حقا لم يستطيع الرد عليهم لقد عجز لسانه عن النطق، رفع عيناه ينظر الي عاصم الذي كان ينظر اليه نظرات مليئة بالإهانة و السخرية.
لم يستطيع الصمود اكثر فقام بالخروج من قاعة المحاضرات قبل ان يرى احدا ضعفه اكثر .
اما هى فلم تستطيع سماع هذه التعليقات السخيفة على حبيبها فقامت من مقعدها متجهة الي حيث القلم الملقي ارضا لتنحني ممسكه اياه ثم اتجهت الي حيث يقف ذلك الاحمق لتعطيه اياه، نظرت له بشجاعه قائلة بجدية :
=لو سمحت يا دكتور لو حضرتك عايز تجيب حاجة ياريت تجيبها لنفسك احنا هنا طلبة مش شغالين عند حضرتك.
القت علية هذه الكلمات ثم غادرت هي الاخرى
قام مصطفى بالخروج عقب تالين ثم قام بالبحث عن فارس وبعد فترة وجده يجلس وحيدا فذهب إليه.
وجده يحاول حبس تلك الدموع اللعينه بعيناه ليقل بحزن علي حاله
= عيط يا فارس العياط بيريح
وكأنه اعطاه ازن لتمتلئ مقلاتيه بـدموع قائلاً:
= ليه يا مصطفى؟؟
ليه الكل مصمم يهني كده؟؟! ويتريقوا عليا هو ذنبي اى انا إلى خليت ابويا يعمل حادثة ورجلي تتقطع؟؟!، مش كفاية انى خسرت ابويا وبقيت عاجز!!، الكل يجى عليا كأني إله مش انسان ليه مشاعر وبيحس، مش كفاية انى خسرت ابويا وتعب امى وحزنها عليا؟؟! ، ليه يا مصطفى ليه؟؟… انا بجد تعبت من الناس ونظراتها ليا ومن حياتي وأمي إلى كل يوم شيفاني كده ومش عارفة تعمل ليا حاجة، حتى الشغل كل اما اروح مكان ميوافقوش بيا عشان برجل واحده حتى البنت الى حبتها مش هقدر اروح أقولها انى بحبها .
هبطت دمعه تليها الاخري… لتتحرر دموعه بوجع مرير للغاية وكان مصطفى ينظر اليه بحزن على حاله وما وصل اليه.
اردف الاخر ليواسيه :
= فارس انت انسان كويس هما إلى مرضه نفسين عندهم اعاقه فكر ، انت ملكش ذنب وبعدين ده قضاء ربنا وابتلاء منه وانت لزم تصبر وتستحمل .
فارس بتعب :
=لحد امته يا مصطفى ها لحد امته والله تعبت بجد تعبت.
مصطفى بجديه :
=فارس انا مش متعود عليك كده انا عايزك قوى توجه اى حد يقف في طريقك ، وبعدين انت متعرفش تالين عملت اى بعد ما انت خرجت من المحاضرة.
فارس بلهفه:
= تالين..!! عملت اى..؟؟!
مصطفى:
=قالت لدكتور عاصم احنا هنا طلبه ومش شاغلين عندك ولو عايزه حاجه تجبها لنفسك.
فارس بستغراب :
=معقول تالين قالت كده انا مش مصدق.
مصطفى بجديه:
= لا صدق ايوه قالت كده ، اى ده الحق بوص دي جاية علينا .
نظر فارس الى ما يشر اليه مصطفى فوجد تالين قادمة باتجاههم.
تالين بابتسامه :
=السلام عليكم .
فارس ومصطفى معا:
=وعليكم السلام.
مصطفى بهدوء :
=طيب استأذن انا هجيب كتاب من المكتبة وراجع
ذهب مصطفى وبقيت تالين واقفه تنظر إلى فارس بهدوء وبعض الخجل .
فاردف فارس بابتسامته العاشقه :
= اتفضلى اقعدى يا انسه تالين.
جلست بهدوء لتقول ببعض الخجل :
= شكرا يا فارس ، انا مش عايزاك تزعل من الى حصل سيبك منهم ومن كلامهم ناس معقده ما بتفهمش .
تنهد بتعب قائلا بنبرة يكسوها الحزن :
=تعبت اووى يا تالين, وخلاص مبقتش قادر استحمل اكتر من كده .
تالين بهدوء وبعضا من الحكمه:
= بص يا فارس انا عندى قناعة كاملة أن ربنا ما دام اخد منك حاجه اكيد عوضك بغيرها يعنى مثلا مشاء الله انت ذكى اوى ومتفوق ومعاك ولدتك إلى بتحبك وكل الدكاترة والمعيدين بيحترموك اوى.
انت في غيرك فاشل في حياته ، وكمان الى يتيم الام انا عارفه ان في كتير ناجحين ومعاهم امها وابوهم بس لزم كل واحد يبوص للى في ايده صح ولا ايه وكمان نتعب ونشتغل على نفسنا وسيبك من كلام الناس الى ممنوش فايدة ده .
ابتسم بحب واحترام ليجيب قائلا:
= تالين انا مش عارف اشكرك ازاي..؟؟ بجد انتى اجدع بنت شفتها وشكرا على الكلام الى قولتيه للدكتور عاصم .
حركت رأسها برفض في الجهاتين لتدرف قائله بجديه :
= تشكرنى على اى انا قولت إلى المفروض يتقال ، يلا استأذن انا عشان اتاخرت سلام.
فارس بابتسامة حب:
= سلام .
فور مغادرة تالين جاء مصطفى الى فارس قائلا بحماس:
= ها قالتك اى..؟؟
فارس بهدوء وابتسامه :
=عادى كانت بتتكلم معايا ، تالين دي بنت جميلة اوووووى من جواها وطيبة جدا يا مصطفى.
اجاب الاخر ببعض الاحراج :
=فارس ممكن اقولك حاجة لا مؤاخذه يعنى عايز اعرف هو انت ليه ما تركبش رجل اصطناعية بدل ما تسمع تعليقات سخيفة من ناس زي دي…؟؟
اجاب الاخر بضيق بعدما زفر بحزن :
= والله يا مصطفى انا فكرت في الموضوع ده بس الراجل الصناعية دي غاليه أوووي وانت عارف ان الحال على قده مش كفايه علاج امي ومصاريف الجامعة ومصارفنا احنا الشخصية و معاش ابويا مش بيكفي انا دلوقتي بدور على شغل بس انت عارف كل ما اروح شغل انا اترفد منه انا بجد تعبت اووي يا مصطفى.
مصطفى بهدوء وهو يربت علي كتفه :
=متقلقش بأذن الله هتلاقي شغل.
فارس:
= ان شاء الله ، بقولك انا مش هقدر اكمل المحاضرة التانية ابقى اكتبها وابعتهالى .
مصطفى بتأكيد :
= اكيد طبعا يا كبير , بس انت رايح فين دلوقتي
فارس:
=هدور على شغل يمكن ربنا يفرجها والاقى .
مصطفى:
=ماشى تمام ربنا معاك يا فارس
فارس :
= امين يارب, يلا سلام.
ذهب مصطفى الى المحاضرة وذهب فارس بحثا عن عمل
ظل يبحث عن عمل طوال اليوم وتعبت قدمه من السير، جلس يستريح على احد المقاعد الموجودة بطريق.
ظل يتذاكر الكلمات منها القاسية والمهينة ومنها المشفقة عليه لكن
بدون جدوى لم يستطيع العثور على عمل مناسب .
قام من على المقعد بمساعده عكازه وهو يجر ورائه ذيول الخيبة.
وأثناء سيره وجد احدى الاعلانات المعلقة بحثا عن شباب لوظيفة.
تجدد الامل لديه من جديد ، ودخل للتقدم اليها وظل يدعو الله سرا أن يوافقوا عليه هذه المرة .
فارس بحماس:
= السلام عليكم
نظر اليها صاحب العمل نظرات متفحصه ثم قال:
= وعليكم السلام خير حضرتك عايز حاجه.
فارس :
= لو سمحت انا شفت اعلان أنكم عايزين حد يشتغل كاشير ، انا في كلية تجارة واخر سنه ليا .
= انا أسف مقدرش اشغلك انت مش شايف حضرتك متقدرش تشتغل وانا محتاج حد بصحته , اسف مفيش شغل .
فارس بحزن وألم:
= عند حق انت عايز حد بصحته مش واحد زي، بعد اذنك.
للمرة الثانية لا بل للمرة المئة، التى يستمع فيها هذا الكلام وهذه التعليقات عن اعاقته .
اكتفى فارس من هذا الكلام وقرر العودة إلى المنزل ، لينعزل بغرفته بعيدا عن هراء هذا العالم.