fatimal-ali
- Reads 2,578
- Votes 382
- Parts 10
في البدء... لم يكن في الدار سوى صوت النسيم، ينساب من خلف الشبابيك كأنه همسة أمٍّ تخشى أن توقظ أبناءها من حلمٍ جميل.
كان كل شيء ساكنًا... ساكنًا حدّ الرهبة.
السكون الذي يسبق الانفجار، الصمت الذي تحمله السماء قبل أن تنهمر بالصواعق.
كان بيتنا قديمًا، لكنه لا يُشبه البيوت، بل يشبه صدر جدتي حين تضيق بنا الحياة ونرتمي فيه، هاربين من كل شيء إلا من الدفء.
في زاوية من زواياه، وُلدت أنا... لا من رحم امرأة، بل من دعاء، من شوقٍ أُمِّيٍّ عالق في الهواء، ومن انتظارٍ طويلٍ لفجرٍ لا يخون.
كنت "ترتيل"...
اسمي وحده نشيدٌ تتلوه النسوة حين تمرّ النكبات،
وحين كان أبي يناديني به، كنتُ أشعر أن اسمي صلاة، وأن الدنيا، رغم وجعها، ما تزال تملك شيئًا يستحق الحياة.
كان أبي...
ذاك الجبل الذي لم يهتزّ أمام أي ريح،
وكان حين يضحك، تضحك جدران البيت معه،
وكان حين يحزن، تخفت الأنوار، وتُطفأ الأرواح.
أما هو...
ذاك الأمير الذي جاءنا ذات صباحٍ بارد، ملفوفًا بلحاف أبيض،
خدّاه مثل تفاحتين من الجنة،
وعيناه مغمضتان كأنهما ترفضان رؤية العالم،
كنت أول من ضمّه إلى صدره،
أول من قالت له: "أنت لي، وإن لم تكن تعلم."
سكن في حضننا سنين،
كبر، ونضج، وازدهرت الوجوه من حوله،
لكنّه بقي كما هو، طفلًا أبيضَ الوجه،
بملامح ملائكةٍ هبطت عن غير قصدٍ إلى الأرض.
ل