insomnia2004
- Reads 3,334
- Votes 268
- Parts 20
في مجالدِ الشتاءِ الروسي، حيث يكفكفُ القَرُّ أنفاسَ الخلقِ كأنّه ينتشُّ أرواحَهم انتشاشًا، وتنخسفُ البيداءُ تحت جنحِ الثلجِ المجلجل، انبثقت طفلةٌ كأنّها فجرٌ ناحلٌ على حافّةِ العدم. وجهٌ مسترخٍ في مهاديه، غير أنّ في طيّاته زعازعَ كامنة، ورعودًا تضمرها الأجفانُ إضمارًا؛ كأنّ تحت البراءةِ سُرّةَ نارٍ لهوبٍ تتوقدُ إذا هدأ الكلام.
وُلدت من رحمٍ كالحٍ لا يُسمعُ فيه غيرُ وحيْفِ الريح، ونشأت على قتارِ القسوةِ حتى غدا عودُها أصلبَ من خصفِ الحديد، وأمٌّ كأنّ قلبَها صخرةٌ جلمدٌ لا يرقّ، تُسقطُ طفولتَها في مهوى الرمادِ إسقاطًا. غير أنّ من تحت ذلك الخرابِ نهض شيءٌ آخر... ذهنٌ مذكورٌ بحدّةٍ تقاربُ نصلَ السليل، ودهاءٌ ينسجُ أوشيّةَ المؤامراتِ نسجًا أدقَّ من نفثِ العنكبوت، وروحٌ إذا علت الظلمةُ هدَر فيها دبيبُ الفطنة.
لا يُعرفُ لها سرّ، ولا تُحدّ لها حقيقة، بل لعلّها هي ذاتُها لا تُحكمُ مفتاحَ كنهِها. جبلت بيديها الغضّتين عقاقيرَ توهِمُ اسمَها وتُفزع، وخطت في أتونِ المافيا خطًى كأنّها مكتوبةٌ في ألواحِ الغيب. طفلةٌ ترفّ في سحنتِها سكينةُ الثلج، وتكمنُ في جوانحِها شراسةُ الذئاب، وفعالُ العرّابين الذين لا تنطفئُ مكائدُهم.
وأمّا الأبُ، فطيفٌ لا يُمسكُ له خيال، اسمٌ مطمورٌ في قعرِ الغياية، يلقي