كان ماكار ديفوشكين يعيش في غرفة ضيقة، جدرانها متصدّعة، وسقفها يقطر ماء كلما أمطرت السماء. رجل بسيط، يطوي أيامه بين أوراق العمل المملة، ولا يملك في حياته سوى عزاء واحد: رسائله إلى فارڤارا دوبروسيلوفا، تلك الفتاة اليتيمة الرقيقة التي تسكن قريباً منه. في كل رسالة يكتبها، يسكب قلبه بين السطور. يحدّثها عن معطفه البالي الذي يسخر منه الناس، عن جيرانه الذين ينظرون إليه بازدراء، وعن جوعه الذي يخفيه بابتسامة متعبة. لكنه كان يخشى شيئاً واحداً أكثر من كل هذا: أن تُدرك هي كم هو عاجز عن إسعادها. أما فارڤارا، فكانت ترسل له رسائل تحمل عبق ماضٍ مؤلم، تحدثه عن طفولتها في بيت أقاربٍ قساة، عن وحدتها، وعن حلمها بأن تجد يوماً مأوى حقيقياً لقلبها. ومع ذلك، كانت كلماتها له دائماً كالنور الذي يُضيء عتمته. يحاول ماكار، رغم فقره، أن يمنحها شيئاً من الدفء: يشتري لها كتاباً من ماله القليل، يرسل لها بعض الطعام، ويُقسم أنه بخير حتى لا تُثقل نفسها بالقلق عليه. كان قلبه يذوب فيها حباً، لكنه كان يعرف أن حبه عاجز، لا يملك سلاحاً أمام قسوة الحياة. حتى جاء اليوم الذي أخبرته فيه بأنها تلقت عرضاً من رجل ثري، رجل قادر على أن ينقذها من العوز. كلماته حين كتب لها عن هذا كانت كالنزيف: لم يلمها، بل بارك لها، وتمنّى أن تجد مع ذلك الرجل